23 ديسمبر، 2024 5:19 ص

البيت الشيعي عرضة للتمزق

البيت الشيعي عرضة للتمزق

عندما يكون الإنسان خارج ضغوطات الوضع الجماعي لمجموعة ما فإنه يتمكن من رؤية المشهد بصورة أوضح ممن يرزخ تحت تأثير تلك الضغوطات وتكون مواقفه عبارة عن ردة فعل متشنجة تتحكم بها العواطف وليس العقل تحت سيطرة الحب والكره من باب المثل العربي ( حب واحكي واكره واحكي ) ، وعندما نتطرق للحديث عن البيت الشيعي وعن مكوناته فلا بد من الحديث عن المرجعية التي ساهمت بقوة في تكوينه ، فلولا دعم المرجعية لم يكن لأحد من الأحزاب أو الكتل الشيعية الوصول الى السلطة كتيار ديني او أحزاب دينية بهذه القوة ، بل اجزم انه لولا الدعم المستمر لهم من المرجعية لما تمكنوا من الاستمرار في السلطة كل هذه السنين مع الكثير من الإخفاقات التي أدت الى الفشل في تحسين وضع المجتمع في الخدمات في المناطق الجنوبية والوسطى والغربية ، وكذلك التحارب المستمر بين طوائفه وقومياته وفشل الحكومة في بغداد والتي تترأسها الأحزاب الشيعية الدينية في تحقيق الأمن والسلم الأهلي في العراق حتى وصل الأمر إلى احتمالية تقسيم العراق ، وكمثال ما زالت بغداد لا تمتلك رؤية واضحة للتعاون مع الإقليم ولا زال الأكراد لا يأتمنون لبغداد وحكوماتها الشيعية المتعاقبة رغم إن الاثنين عانوا ما عانوا من الدكتاتورية في النظام السابق ، وأما الخلافات مع أهل السنة من العرب فهي واضحة ولا تحتاج إلى بيان فقد كان هناك قصور في التعامل من قبل الحكومات الشيعية مع هذا الملف ولم يهتموا للمظالم التي عانى منها الناس في مناطقهم نتيجة دخول الجيش أو قمع الجهات الأمنية أو غيرها من قوى تابعة لأحزاب وكتل ، وتعامل الشيعة مع العرب من أهل السنة على أنهم من أتباع صدام وأنهم سبب الظلم الذي تحملوه سابقا . وهذا يدلل على قصور في النظر حسب فهمي لأنه ما ذنب الناس البسطاء وما علاقتهم بصدام ونظامه ، فما ذنب الطالب والمرأة والشيخ ، وحتى الجندي فهو سيان سواء كان سنيا أم شيعيا يطبق ما يريده رئيس الدولة ولن يستطيع الاعتراض عليه لأن السجن أو الموت سوف يكون نهايته . والبيت الشيعي المتكون من التحالف الوطني يشمل جهات عديدة منها رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي ينتمي لحزب الدعوة وائتلاف دولة القانون والمجلس الأعلى الإسلامي ومنظمة بدر وكتلة مستقلون وتيار الإصلاح والتيار الصدري وحزب الفضيلة وحزب الدعوة تنظيم الداخل .ومهما كانت المصالح مشتركة فمن المستحيل أن تتفق كل هذه الجهات لفترة طويلة وبالتالي سوف تظهر الخلافات بينهم في يوم ما وقد ظهرت ، وأن مجرد تعددها وكثرتها يعني أن هناك اختلافا بينها ، والاختلافات كما أرى ليست فكرية وليست من أجل مصلحة الوطن والمواطن ، وإنما هي اختلافات سياسية ومصلحية تنصب على الاستحواذ على أكبر قدر من الفوائد والمناصب والأموال كما هي حال كل الأحزاب والجهات السياسية التي لا يثق بها المواطن ولولا تخويف المواطن بالطائفية المذهبية والشوفينية القومية وزرع وهم احتمالية عودة النظام السابق أو من يمثله لما بقيت الحال على ما عليه ، وعموماُ فإن الاختلافات بين الشيعة في العراق التي ظهرت مؤخراً بقوة للسطح هي نتيجة تحكمات دول أو تحالفات الأطراف العراقية مع دول أخرى متقاطعة فيما بينها بدأت تتصارع بقوة في العراق ، فالمعروف إن البيت الشيعي يميل إلى إيران وهي تدعمه بقوة وغالبية قياداته لها علاقات قوية مع إيران وكثير منهم كان يعيش هناك وقاتل مع الجيش الإيراني في مواجهة الجيش العراقي خلال معركة الثمان سنوات ، وبالمقابل ظهرت هناك قوى عربية حاولت استمالة قسم من الشيعة لصالحها وإخراجهم من التحالف مع إيران ، ويبدو أن الصراع الذي جرى يمثل تصارع هذه الدول ، وقد نجحت في خلق مشاكل لإيران من خلال طرح ما يسمى حكومة تكنوقراط التي لم يكن الهدف منها هو تغيير حالة الفساد بقدر ما كان الهدف هو التقليل من نفوذ وسيطرة الجمهورية الإسلامية على الحكومة العراقية ، وأعتقد أن الطرف المقابل لإيران هو دول الخليج وبالذات السعودية والتي تمكنت من التحالف مع التيار الصدري وأوصلته إلى اقتحام البرلمان وضرب بعض أعضاء البرلمان من البيت الشيعي بالذات والهتاف ضد إيران وقاسم سليماني الذي يعتز به أقطاب التحالف الوطني الشيعي ، وقد فهم الشركاء الشيعة هذه الرسالة وقد كان ردهم سريعاً بإنزال سرايا الخرساني وغيرها من فئات مسلحة لحماية الوضع القائم ، إضافة إلى التحرك بقوة ضد مقتدى الصدر واستقدامه إلى إيران ، والانتقادات الواضحة والقوية التي ظهرت للعلن من قبيل نقد عمار الحكيم لمقتدى الصدر الأمر الذي حدا بالقيادي العسكري في التيار المعروف ب (أبو درع ) التصريح بأنه سوف يأتي برأس عمار الحكيم إذا أمره مقتدى حسب ما ظهر من تسريبات . إضافة للدفاع المستميت عن الجمهورية الإسلامية وقياداتها كما صرح ودافع علنا القيادي في المجلس الأعلى جلال الدين الصغير قائلاً ، بأن الشيعة يفتخرون بأن لهم قيادات مثل قاسم سليماني .إن هذه التحركات والتصريحات والمشاهد تدلل بصورة غير قابلة للشك بان التحالف الشيعي بدأ بالتمزق وتشير إلى احتمالية وقوع الصراع المسلح بين أطرافه خصوصاً مع عدم احتمالية عودة المياه إلى مجاريها . وما على المراقب إلا أن ينتظر نتائج هذه التحركات مع تسارع الأحداث وكثرة التدخلات والارتباطات وتضارب المصالح في مقابل إحساس بالخطر من قبل الجميع وان الأمور على جرف هار ممكن أن ينهار في أي وقت ، فهل يا ترى يبقى للعقل مساحة يتحرك بها ؟ أم تبقى المصالح الضيقة هي التي توجه مسار الأمور والأحداث ؟