23 ديسمبر، 2024 1:15 ص

البيت الشيعي بين نواتين، تمزقٌ أم تطور ؟

البيت الشيعي بين نواتين، تمزقٌ أم تطور ؟

شيعة العراق هم اكثر المكونات تضرراً من حقبة الحكم البعثي، لما عانوه من تشريد واضطهاد ومقابر جماعية، وبالتالي فالتجربة الديمقراطية كانت حلماً تحقق لهم، وكل ما تقدم ألقى بظلاله على سلوكهم السياسي، الذي جعلهم يؤكدون على إبراز هويتهم كتعبير عن الواقع الجديد الذي سمح لهم بذلك، وظهر ذلك من خلال خطابهم السياسي وسلوكهم وحركتهم وجميع سكناتهم، وهو امر كان يعبر عن ضرورات مرحلية اقتضت ذلك التأكيد، لترسيخ ان الشيعة جزء من شعب، وهم الأغلبية، وما يرتبط بذلك من ضرورة ممارسة جميع حقوقهم السياسية والثقافية والدينية على مرأى ومسمع الجميع .
اثبت الشيعة ما أرادوه من ترسيخ الهوية السياسية لهم، ولكن تطور الوعي يقتضي عبور هذه المرحلة التي انتهت مبرراتها، والانطلاق صوب الفضاء الوطني، ومد جسور الثقة مع شركاء الوطن، لما لذلك من ضرورات تساهم في بناء وبلورة الهوية الوطنية، وضمان عدم تقاطعها مع الهويات الفرعية، والتي يجب ان تتكامل ولا يحجب احدها الاخر، لان غياب احداها يمثل خللاً خطيراً في تطور المجتمع والسياسة .
الوعي والعقول كذلك تعيش مرحلة فكرية كما هي المرحلة الزمنية، هنالك عقول تملك أدوات عبور المراحل، لتتطور وترتقي انسجاماً واتساقاً مع ظروف محيطها، وهنالك من تتوقف عند لحظة تأريخية تشعر انها حققت ذاتها فيها، لترفض الانتقال الى مرحلة اكثر تطوراً، كونها تكون متخوفة من التطور والتقدم نحو أفق أوسع وأرحب، بل انها ستحاول عرقلة العقول والوعي الذي تجاوز محنته، لتصنع له محنة اخرى، وهي محاولة تخوينه للأسس التي بنيت عليها المراحل السابقة، وبالتالي سيخلق هذا صراعاً قد يظهر وكأنه مبني على أسس مبدئية لطرف ومصلحية لطرف اخر، ولكن الحقيقة ان المعرقلون إنما يتمسكون بتلك المرحلة، لانها لبت مصالحهم قبل مبادئهم !

الانفتاح على الاخر، وبناء مشروع سياسي وطني، يهدف لعقلنة النظام السياسي، والانطلاق صوب الفضاءات الوطنية، والتخلص من صراع الهويات، واستبداله بتنافس المشاريع الوطنية، بحكومة وطنية ومعارضة وطنية، مبادرة واعتراض أساسهما حجم الإنجاز ممكن التحقق، بلا تخوين ولا تشويه، وإنما التقويم او طرح البديل الافضل، كلها سمات وخصائص تمثل تطوراً كبيراً، يجب ان لا يتم التضحية به، كونه يمثل ذروة الوعي السياسي الذي ممكن ان يصله السياسي الشيعي في زمكانيته الراهنة، وتفويت هذه المشاريع السياسية وإجهاضها، والعودة للقوالب السياسية القديمة، المبنية على صراع الهويات والتأكيد على هوية المتصدي قبل انجازه، إنما هو بداية نهاية التجربة الديمقراطية لشيعة العراق قبل غيرهم .