السلوك مولود من رحم بيئته , وتعبير صريح عن عوامل نشأته , والبيئة جوهر صيرورته.
ونوع البيئة يحدد طبيعة السلوك ومنحاه.
فبيئة المجتمعات المتقدمة تتميز بالمعرفة والعلم والبحث العلمي والتنمية الإقتصادية والإبتكار , والإنتاجية العالية والصحة والقوة والبناء والتنافس والعزم , والإصرار والإيمان بقدرة الإنجاز والإعجاز.
وبيئة المجتمعات المتأخرة , تتصف بالأمية والجهل والمرض والفقر والحرمان , والماضوية والتبعية والإنكسارية والفساد والعبثية , وجهل البحث العلمي وتحقير العلم والعلماء والدمار والخراب وعدم تعلم آليات البناء , وهي في نكران عظيم لحاضرها وتجاهل مروّع لمستقبلها.
وهناك العديد من المفردات الأخرى التي تتصف بها البيئة في العالمين المتقدم والمتأخر , وهذا يعني أن كل بيئة تنتج ما يوافقها ويحمل ما فيها من العناصر والعوامل المؤثرات.
والبيئة العربية بما فيها من مفردات سلبية وتعويقية تتسبب في صناعة الحالة القائمة , التي تتدحرج فيها التفاعلات وتمضي في مسيرات إندحارية تخريبية , تشارك في زيادة طاقات اليأس والإنكسار والإهلاك المادي والمعنوي والأخلاقي.
وتساهم الأنظمة السياسية بصناعة البيئة في أي مجتمع , ولا يمكن فصل الواقع البيئي عن النظام السياسي الفاعل في المجتمع , وبما أن المجتمع العربي يخضع لأنظمة سياسية ذات أجندات إندحارية في خنادق الكراسي والتحزبات والفئويات والطائفيات , فأن البيئة الناجمة عن هذا الحال , ستكون عقيمة وتعزز سلوكيات الخراب والدمار والتداعي والإنكسار.
وفي نظرة موضوعية لبعض دولنا العربية وما حصل لها في القرن العشرين وما آلت إليه في القرن الحادي والعشرين , يبين لنا ما فعلته الأنظمة السياسية بالمجتمع العربي , وكيف أنها أوجدت بيئات مثقلة بالأمراض والأخطار والأوبئة السلوكية التي أدت إلى تفاعلات إنفعالية خطيرة , أحالت كل جميل إلى قبيح , وكل عمران إلى أنقاض , ومحقت ما يشير إلى بلدانها , وأفرغت الإنسان من طاقاته الإبداعية , وأنهكته بالسعي القاهر وراء الحاجات التي لا يمكنه أن يحققها , لأنها جميعا وبلا إستثناء إتخذت منهج الحكم بالحاجات صراطا جائرا لحكمها المهين.
ولا يمكن إسقاط اللوم على الإنسان الموضوع في بيئة مريضة , ما فيها عليل أو مصاب بعلة سرطانية , وتنتشر فيها أوبئة الفساد والمحسوبية والإستحواذية والظلم والتبعية والإرادة التدميرية , الساعية للقبض على مصير الناس ومصاردة وجودهم وحقوقهم وتحويلهم إلى ارقام.
إن العيب يكمن في رؤوس ونفوس القائمين على أنظمة الحكم , والذين لا يفهمون إلا بالأنانية وتنفيذ الأجندات المضرة بمصالح البلاد والعباد , وفقا لسينورياهات وألاعيب خداعية تضليلية معاصرة.
فاصنع بيئة سليمة تحصل على سلوك سليم!!