الرئيس البوليفي ايفو موراليس بعد فوزه في الانتخابات الاخيرة تعهد امام شعبه بتخفيض راتبه الشهري ورواتب الوزراء وكافة المسؤولين الكبار في الحكومة بنسبة 50% واستثمار المبالغ الفائضة الناتجة عن هذا الاجراء في تعيين اعداد كبيرة من العاطلين في وظائف جديدة من مختلف القطاعات بغية تحسين المستويات المعيشية ومعالجة الاوضاع الاقتصادية في بلده. المعروف ان راتب الرئيس يبلغ “3600 دولار فقط” واصبح الان “1800 دولار”!. اكيد ان هذا التصرف -الذي نم عن وطنية خالصة، وتضحية، واثرة متناهية- لايحتمل غير تفسير واحد: الا وهو خدمة بلده ورفع معاناة شعبه قبل تفكيره بمنافعه الانانية الشخصية وملذاته الزائلة. انه بحق تطبيق حرفي للآية: “ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة”.
هذه الاية التي لم يقرأها الرجل البوليفي ولم يسمع بها. طبعا سيشتمني الذين يقرؤونها ليلاً نهاراً ويفعلون عكسها تماما وسيقولون: “شلون اتفضل هذا البوليفي علينه”؟!.
ما يدفعني للاستشهاد بالنماذج الفاضلة من المسؤولين والمفكرين والعلماء وحتى البسطاء في عالمنا الكبير، وما يلجئني لضرب الامثال بالمنجزات والاحداث والطفرات التي يزخر بها هذا العالم وأتفاجأ بها كل يوم، ما يجبرني على هذا التكرار الذي ربما ملّه القراء هو هذا الخراب الشامل، وهذا الجشع الذي استشرى في بعض النفوس. نقول “بعض” فمازال هناك بصيص. خطورة هذا الجشع ليس في تعاملات السوق والصفقات التجارية -وان طغت- لكن بلاءه الكارثي افدح في استغلال المناصب والمراكز الوظيفية للاثراء على حساب الطبقات المسحوقة بلا وازع من مخافة الله، او وخزة من ضمير، او رادع اخلاقي، او اجتماعي، او شعور بالخزي والعار، حتى لكأن الفساد والافساد بكل اشكاله صار امراً اعتيادياً ومألوفا!. ولذلك نرى هذا التكالب والتسابق والتصارع عند البعض في سبيل الحصول على مقعد في هذا المجلس، او مكتب تحت تلك القبة!.
ترى متى نفهم ان التصدي للقيادة: واجب و تكليف يتشرف بحمله اهله من الكفوئين المضحين الاخيار، هدفه خدمة الوطن والناس والنهوض بهما الى مصاف الشعوب المتحضرة ،وليس وسيلة للاثراء الفاحش على حساب المسحوقين؟.