يراد للبوليساريو أن تكون الكيان القلق والمضطرب في الدولة المنطلقة الهادئة على غرار المغرب، وأن تكون جرحا نازفا في جسم يتعافى باطراد وجسدا يستقوى على الخناجر المسلطة من الخلف ومن الأمام.
محاربة الإرهاب في المغرب العربي يمر عبر نزع الألغام السياسية والإستراتيجية الكبرى، وعلى رأسها ملف الصحراء المغربية.
وطالما أنّ مشاريع التفتيت ومصادرة الجغرافيا لا تزال قائمة في المغرب العربي خاصة، والوطن العربي عامّة، فإنّ تكلفة “اللامغرب” كوحدة هيكلية وتنظيمية ستكون باهظة جدا على كافة الأقطار ودون استثناء.
لن نقول جديدا إن اعتبرنا أن ملف البوليساريو يمثل لا فقط العائق الأبرز في وجه التشكل الحقيقي للمنطقة المغاربية، ولكن أيضا الوجع الدائم الذي انسحب على كافة أوجه التكامل العربي في الاستحقاقات الكبرى التي تواجه العواصم العربية.
ولن نجانب الصواب إن أكدنا أن عدم تشريك تونس للعاصمة المغربية الرباط في ملفّ التسوية السياسية في ليبيا، على الرغم من الجهد المغربي المبذول خلال حوار الصخيرات الذي أفضى إلى الورقة التوافقية الوحيدة طيلة عمر الأزمة الليبية، في مقابل حضور عواصم أخرى عجزت عن تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين على الرغم من القرب الجغرافي والقبلي والوجداني والانثروبولوجي، لن يزيد الأزمة الليبية إلا تعقّيدا واستعصاء. وهي مسلكية تونسية إن عبرت عن شيء، فهي تعبّر عن مدى التناقض القائم صلب المغرب العربي والتي تفرض على الفاعل الرسمي التونسي المفاضلة بين الخيارات، عوضا عن التكامل بين المسارات.
عاد ملفّ البوليساريو إلى الواجهة الإقليمية والدولية من جديد على خلفيّة حدثين كبيرين. الأوّل كامن في استقالة المبعوث الدولي كريستوفر روس بعد 8 سنوات سياسية عجاف سجلت عجزا دوليا كبيرا في حلحلة الأزمة، استحالت في آخر أيام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون انحيازا فاضحا لطرف على حساب الآخر.
الحدث الثاني متمثّل في انسحاب القوات المغربية من المنطقة العازلة “الكركرات”، واحتلال قوات البوليساريو لهذه المنطقة على الرغم من الدعوات الأممية إلى الانسحاب منها والعودة إلى الوضع الأوّل.
الملاحظ أنّ تسخين جبهة البوليساريو جاء عقب أيام قليلة من عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي بعد تصويت كاسح لصالح الرباط، أكد من خلاله المغرب العودة الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية إلى العمق الأفريقي، بعد مقاطعة للاتحاد كانت أقرب منها للانعزال المغربي عن الحضن القاري، استثمرتها البوليساريو وقطفت ثمارها بعض العواصم المعادية للرباط.
والملاحظ كذلك أنّ إيقاظ الكيان الانفصالي حصل في خضم فشل دبلوماسي جديد للبوليساريو في التموقع الدولي، حيث رفضت الأممية الاشتراكية الدولية في مؤتمرها الخامس والعشرين طلب جبهة البوليساريو في الحصول على العضوية الكاملة في المنتظم. وبين الحدثين، سعي انفصاليّ لاستدرار دعم الإدارة الأميركية، واستثمار حالة التجاذب الحاصلة بين الرباط وواشنطن على خلفية التقرير الأميركي حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب.
يفهم المتابعون للإدارة الأميركية أنّ كلّ اتهام أميركي في مجال حقوق الإنسان في عاصمة معينة ظاهره حقوقي وباطنه استراتيجي، تبرق واشنطن للرباط عبر برقيات حقوق الإنسان رسائل إستراتيجية عن عدم الرضا عن التقارب مع موسكو، والتململ حيال التغلغل في القارة الأفريقية التي باتت شبه حديقة خلفية لإسرائيل وتركيا، وعن غضب المؤسسة الدفاعية الأميركية من رفض الرباط إقامة قاعدة “الأفريكوم” على أرضها ما دفع الأخيرة إلى التمركز في السنغال.
من المفارقة أنّ الكيان الذي يرفع “العروبة” في اسمه الصحراوي يستنجد بالإدارة الأميركية الجديدة للتدخل في ملفّ الصحراء المغربية، فيما يشيح بنظره عن الأطراف الإقليمية والعربية والغربية التي تتحوّز على رأسمال رمزي لدى الرباط لا تملكه واشنطن.
يراد للبوليساريو أن تكون الكيان القلق في الدولة المنطلقة الهادئة على غرار المغرب، وأن تكون جرحا نازفا في جسم يتعافى باطراد وجسدا يستقوى على الخناجر المسلطة من الخلف ومن الأمام أيضا.
يراد للبوليساريو أن تستحضر نماذج الكيانات الهجينة التي أسقطت الدول الواعدة، على غرار جنوب السودان مع السودان، وإقليم كردستان مع العراق، وأن يفشل المركز عبر تثوير الهامش الانفصالي.
على المراهنين على جغرافيا الدم في المغرب العربي أن يدركوا، تمام الإدراك، أنّ رياح الانفصال تهبّ شمالا وجنوبا وتضرب شرقا وغربا، وتثير مع أعاصيرها رياح “القبائل” و“القبيلة” والمناطق الرخوة في منطقتنا، وما أكثرها.
نقلا عن العرب