23 ديسمبر، 2024 12:29 ص

البوكر الحقيقي والكارتوني …..قراءة لرواية مقتل بائع الكتب

البوكر الحقيقي والكارتوني …..قراءة لرواية مقتل بائع الكتب

الرواية هي مدخل الى عالم الخيال ومقدمة لفك خيوط وطلاسم قضية شائكة فالروائي الناجح يستطيع ان يكسر طوق الخيال في أفق روايته ويجعل منها مقدمة لفهم ماهية الواقع اي يمكنه التلاعب بأعدادات الكتابة فيقلب خارطة الحروف والكلمات ويحدد طرق ودروب اخرى لها وبما ان النص الروائي يدخل ضمن هذا الحيز الممكن فبأمكان الروائي دحض فكرة اللاممكن في مسارها السردي …..

كنت قد انتهيت من قراءة كتاب ( الله والفيزياء الحديثة ) لبول دافيز بترجمتها العربية كان الصداع يحتل معظم بقاع رأسي وفي خضم معارك الفكر والفلسفة تجدد صراع الشك والحجة في عقلي لذا قررت ان اضع الكتاب في رف الكتب التي تنتظر دورها لتدخل في سباق مع العقل فهنالك كتب لذيذة وشهية لابد من قراءتها عدة مرات كي تتوضح الصورة بتفاصيلها كاملة وبدون اي رتوش وهوامش وما ان انتهيت من ترتيب وتنظيم ما في الرف اخرجت رواية ( مقتل بائع الكتب ) للروائي العراقي سعد محمد رحيم كي ابدأ في الدخول الى اعماقها فالعقل بحاجة لبعض الراحة والهدوء حينما ينتهي من معركة فكرية وفلسفية لذا فالرواية تحمل صور واشكالا متعددة كالعشق والفقر والكبرياء والثورة اي بمعنى انها تختلف كليا عن نصوص الفلسفة والفكر لذا فأنجح الطرق لأستيعاب اي كتاب فلسفي تبدأ بقراءة رواية كي يصل العقل لأقصى مرحلة من التأهب والجهوزية لأن الرواية تقوم بعملية تنطيف للفوضى المنتشرة في اروقة العقل وما ان يتم هذا فبأمكان القارىء اعلان الحرب على كتاب فكري وفلسفي اخر …..

أمعنت النظر في غلاف رواية ( مقتل بائع الكتب ) تأثرت بصورة العجوز الجالس بين الكتب وفي اسفل الغلاف توجد عبارة القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر 2017 فلطالما اعجبتني روايات البوكر وكنت من اوائل الباحثين عنها في ذات الوقت معظمها حملت توقيع الأبداع الانساني بأستثناء هذه الرواية التي ما ان بدأت بقراءة فصولها حتى فوجئت بصدمة لم اكن اتوقعها وما ان انتهيت منها ضربت يدي عرض الحائط بقوة وصرخت ياليتني لم اضيع وقتي بقراءتها تمنيت لو تراجع عقارب الساعة وميض دقاتها لساعات كي اقلب اوراق الزمن فمقتل بائع الكتب لا تستحق البوكر ولا الوقوف في خانة القائمة القصيرة لأنها حملت صفة هذا الصنف الابداعي الذي يسمى الرواية بينما سطورها لا تدل على انها تمت بصلة لهذا الصنف العريق المخيف والمرعب الذي من الصعب دخوله فالرواية يجب ان تحمل سطور خيالية ومن ثم يجري تحويلها الى واقع من خلال السرد ودلالة المعنى بينما مقتل بائع الكتب تخطت هذه القاعدة وراحت تبعثر الحروف والكلمات هنا وهناك من اجل تغطية حاجة الورق فهي رواية غير مترابطة الاحداث وان وجدت فهي ناقصة المحتوى فقصتها لا تثير الشهوة الفكرية للقارىء وشخوصها لم يستطيعوا تكوين صورة واضحة عن يومياتهم فلا اثر لأي موجة من المشاعر والاحاسيس فيها وفصولها تخلو من الاثارة والرهبة والدهشة فالرواية الناجحة هي التي تصبح جزءا من روح القارىء وبالتالي يعتبرها بعدا مكملا لابعاده المختلفة الاتجاهات اما هذا العمل المصنف ضمن خانة الرواية فلا يتعدى كونه ميلودراما شائكة ومعقدة خالية من دسم الخيال والواقع فهي عبارة عن سرد عبثي فوضوي ليوميات عجوز كئيب مصاب بالأحباط واليائس قضى حياته بحثا عن شيء مجهول يكاد يخلو الهدف من ماهية الشيء وان دل هذا على شيء فهو دليل قاطع وواضح ان روايات الجوائز ليست كلها جيدة وان حصول اي عمل تحت هذا المسمى لجائزة ما ليست حجة كافية لتربعها على عرش النص الروائي وان حصل هذا فهو ضرب من اللامنطق الذي بات يدير ويتحكم بالأقلام فيصنع من لا شيء شيئا ويترك الشيء الاخر بلا عنوان وهوية …..

فمقتل بائع الكتب عمل مزعج مرتبك متوتر غير ناضج ولا يحمل اي دلالة لمفهوم السرد اليومي لشخوصها حيث انها بدأت بنسج لا معقول لحدث ما وربطته بالزمن ومن ثم وضعته في نهاية مظلمة فحين قرأت سطورها الاولى وجدت حروفها وكلماتها متشابكة قلت حينها انها البداية ولطالما كانت البدايات مزركشة بالكوميديا الساخرة لكن ما ان وصلت لسطورها النهائية قدمت اعتذارا للعقل فلا اثر للكوميديا الساخرة فيها فتحول المشهد برمته الى كومة من الاوراق مليئة بالثوار السود هنا ايضا تصبب الخجل مني وراح العرق يقيس مسافات الطرق في جسدي فمنذ ان دخلت معترك الحرف وجدت شرارة الثورة متوهجة في زواياه بينما في هذا النص الروائي كانت الحروف مريضة مصابة بحمى الفوضى وبين قهقهة ارقام الصفحات شعرت انها بحاجة لبضع مهدئات ومسكنات كي تعاود حركتها الثورية ……

فمقتل بائع الكتب لا يتعدى كونه كتاب كأي كتاب صادف الحظ في هذه الفوضى التي تعيشها البشرية فالبوكر الحقيقي الذي حمل توقيع فرانكشتاين في بغداد والطلياني يختلف عن البوكر الكارتوني الذي وضع مقتل بائع الورد في القائمة القصيرة والفرق كبير بينهما فالأول يرمز لروح الأبداع والثاني رمز لقتل هذه الروح …..