البوعزيزي التونسي عندما أحرق نفسه تحوّل إلى شرارة ألهبت الوجود العربي من أقصاه إلى أقصاه , وتسبب بتغيرات في عدد من الدول , ولا يزال تأثيره فاعلا في السلوك الجماهيري، ومهما قيل وسيقال عما حصل بعد ثورة البوعزيزي الذاتية , فأن دوره لا يمكنه أن يُغيّب.
واليوم في أمريكا تكررت ظاهرة البوعزيزي ولو بأسلوب آخر , لكن الولايات ثارت محتجة على مقتل جورج فلويد , وتواصلت في مسيراتها الرافضة للسلوك الذي أدى لوفاته.
ويبدو أن البشرية بحاجة إلى قدحة لكي تلتهب , خصوصا وأنها تعيش زمنا عصيبا يتلخص في ضرورة الإبتعاد عن نهر الحياة للحفاظ على الحياة.
ويبدو أن هذه الشرارة أوقدت قدرات التعبير عن التحدي المطلق للموت الذي يحمله وباء كورونا , فلا يمكن للبشرية أن تستكين وتخشى الموت , وعليها أن تتحداه , ولهذا وجدنا الهبّة الجماهيرية العارمة المتواصلة المطالبة بالحياة.
وهذه التظاهرت ستكون وبائية , أي أنها ستشمل دولا أحرى في الدنيا , لأن وباء الكورونا شمل الدنيا بأسرها , ولا بد من ثورة ضد المتطلبات الوقائية اللازمة لعدم الإصابة به , لكن هذا الوباء سيصيب النسبة العظمى من البشر , وسيعقبه وباء أكثر شراسة وعدوانية وفتكا , وعلى البشرية أن تتصدى وتواجه , ولا خيار عندها إلا بمواجهة الموت بالموت , وتلك سنّة الحياة على مر العصور.
فالبشر لا يتعلم ويعود إلى طبعه مهما توهم بأنه قد تحضّر , وهذه التظاهرات تكشف عن حقيقة الطبع البشري , وآليات تفاعله مع المخاطر التي لا قدرة له على ضبطها والسيطرة عليها.
والإحتجاجات القائمة المتواصلة الوبائية الطباع تفاعلت لإنطلاقها عوامل عديدة , منها البطالة , الحجر الصحي , الخوف من الموت , الإجراءات الوقائية التي طالت فوق إحتمال البشر , تقييد الحريات في مجتمعات حرة , الدعوة لضبط النفس المنشغلة بإرضاء الرغبات , والواقع السياسي العام والعالمي , والخوف من الحروب , وغيرها من الكوارث التي تخشى البشرية من حدوثها في أي وقت.
فالزمن العولمي الذي تعيشه البشرية لا قِبل لقدراتها العقلية والنفسية على إستيعابه , فالبشر بحاجة إلى وعاء يكون فيه , ولا يمكنه أن يحلق في فضاء بلا حدود , وتلك طبيعته التي أسهمت ببقائه , وأظنه سيفقد قدرات البقاء وهو يحلق في عوالم العولمة النكداء!!