27 مايو، 2024 9:52 ص
Search
Close this search box.

البقعة الحمراء

Facebook
Twitter
LinkedIn

كانت تطفو وسط دجلة قادمة من تكريت، الناس في جميع المدن يهرولون خلفها، يحملون الرفوش والشباك، ومنهم من اراد ان يكتشف جلية الامر فعاد خائبا، لم تكن سوى بقعة حمراء كبيرة، تجمعت حول نفسها وتكتلت بكتلة هائلة، لم يزل الشعب يطاردها منذ صلاح الدين حتى اسلمها لبغداد، دخلت بغداد فهرع الناس بعصيهم ومنهم من استصحب بندقية، لم تستنفر الحكومة قواتها للامر، ظلت بكماء صامتة، العالم يتفرج والاقمار الصناعية تلتقط الصور، والبقعة تسير ببطء يؤدي الى الغثيان، متى ستجتاز بغداد كما اجتازت المدن السابقة.

رئيس الوزراء من جهته استهان بالامر وجعله سهلا بسيطا ولايؤدي الى القلق، لكن الشعب كان قلقا جدا من امر هذه البقعة العظيمة، اغلق الناس صنابير الماء، لانها ربما كانت شيئا مميتا، حفروا الآبار، وراحوا الى مخزوناتهم من المياه، والبقعة كما هي، بالتدريج راحت تقترب من جرف دجلة، فهرب الناس باتجاه الشوارع والازقة والبيوت، الجميع يراقبها من بعيد، لم تكن بقعة زيت منفلتة من بئر نفطية، كانت شيئا آخر، تداولت جميع وكالات الانباء اخبار البقعة الكبيرة، الجميع منذهل، مدن بكاملها هربت باتجاه مدن اخرى، نزحت المدن بسكانها.

جميع من يقترب منها يعود ادراجه مهرولا، حتى المأخوذين بالاناشيد الحماسية، رجال الدين اعتادوا في هذه الحالات ان يطلبوا العون من الله، تجمعوا في المساجد وصدحت مكبرات الصوت بالدعاء، تعطلت الاعمال واغلقت الدوائر والحكومة صامتة لاتحرك ساكنا، اتسعت البقعة حتى صارت من الجرف الى الجرف، امتدت وتشعبت، والحكومة صامتة لاتحرك ساكنا ووكالات الانباء تغطي كل صغيرة وكبيرة من امر البقعة العظيمة.

هكذا استمرت في المسير، تجاوزت بغداد، واجتاحت المدن في طريقها الى البصرة، هبط العلماء من كل الجنسيات في بغداد، حللوا وكتبوا ومسحوا ، لم يجدوا شيئا، مرت بالبصرة وحدث ماحدث في بغداد، وكذلك في ميسان الرفوش والبنادق والهراوات، لم يتضح شيء، ولم يعرف العلماء كنه هذه الكتلة التي تسربت الى شط العرب، ومن ثم اندمجت بالخليج، الكل اتفق ان مصدرها تكريت، لكن لم يجد احد شيئا يهديه الى كنهها، ليست زيتا ولابقايا اناس او حيوانات، نزحت المدن بعيدا، وتركت البقعة بمفردها، والحكومة صامتة لاتحرك ساكنا.

لم يزل الوقت مبكرا صباحا، عندما مر محمد من على ناصية النهر، فوجد بقايا ذبيحة، من جلد وعظام وامعاء وفضلات، فحص الجرف فوجد الدماء القريبة، طرق بابا من ابواب بيوت القرية، خرجت امرأة مسنة، ماذا تريد؟ فرد عليها بلين ورقة، اردت ان اعرف بقايا الدماء والفضلات قرب ناصية النهر، فردت انها ذبحت قبل فترة ذبيحة رأت انها بحاجة اليها لتولم وليمة لابنائها، كانت العجوز قد غسلت الذبيحة في النهر، وربما رمت اجزاء فائضة منها فيه.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب