الشعوب طبائع, والطبائع مكوّن بيئي يتطابع معها المخلوق منذ استقراره فيها فيتشكّل سلوكه من سلوك طبائع بيئته تلك؛ حرّ, برد, غبار ,صفاء ,ثلوج ,كما ومنها يستعير شكله؛ طويل قصير أنف عريض مستدق ضخم مستشطب ,وكذلك لونه, أحمر أو ذو لون أسمر أو الأبيض, وكذلك عيونه, زرقاوان سوداوان او نرجسيّتين. الّذي يهمّنا هنا (سلوك) الفرد العربي ابن الصحراء الناتج عن طبائعه والّذي من ها نتج معتقده الديني: صعلوك, متديّن متحلّل ,شجاع “ما يؤخذ بالقوّة لا يستردّ بغيرها” ,جبان, وبالطبع يغلب عنصر التديّن طباع العربي بشكل عام وإلّا لما برز مفهوم الصعلكة لندرتها. كثيرون من العرب سكنة الصحراء يتداولون مفاهيم قيميّة ناتجة عن تجاربهم مع بيئتهم القاسية ومع إفرازاتها المتمثّلة في نهايتها بالسلوك البشري الخاص بابن الصحراء, ومنها الشهير: النخوة الغيرة الكرم وفي نفس الوقت الغدر ونقض العهد ,إذ لا يختلف العربي في ممارساته اليوميّة مع غيره من أقوام تسكن مختلف الأصقاع إلّا (بالمقادير) ,حيث أنّ الفرد العربي يعاني أكثر من شحّة المورد ولعلّ أكثر ما تعرّضت له خصائص العربي هي مكونه السايكولوحي منها الّتي كوّنت معتقده ,فمعتقده غير مجسّم بالأصل كما هي مجسّمات الآلهة في بلاد الرافدين وغيره وذلك لأنّ ابن الصحراء يعيش وسط بيئة كلّ شيء فيها متحرّك ومستمرّ الحركة بما فيها النجوم, فجعله ذلك عديم الثقة بها فتحرّى التوازن بتعويض “الهواجس” وتضخيمه لها في نفسه, فأصبح الهاجس إلهه الخاص مع مرور الوقت لربّما نتج ذلك لديه نتيجة بعد المسافة بين سكن وآخر وبعد مسافات المدن فيما بينها ,فالعربي يعيش ظروف “الوحشة” والوساوس” خاصّةً في سيره وترحاله مسافات طويلة ليلًا رفقة كم من الوساوس والظنون تختلف درجات تأثيرها عليه لا يخفّف من غليانها في نفسه سوى الجوع, ممّا حتمًا نتج لديه “رفاق وهميّون” يستأنس بهم, ومن الوساوس لربّما (الجنّ) كما ونتجت لديه حالة عدم الشعور بالأمان, وهي هواجسه الحقيقيّة الّتي جعلته لا يثق بأحد, ومنها نشأ دينه, وقد كان خطاب القرآن فيما بعد يبدو وكأنّه علاج لتلك الهواجس والوساوس والظنون: “فمثله كمثل الّذي استوقد نارًا فلمّا أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات يعمهون” البقرة.الاية17. أو: “إنّه فكّر وقدّر .فقتل كيف قدّر .ثمّ قتل كيف قدّر. ثمّ نظر .ثمّ عبس وبسر. ثمّ أدبر واستكبر . فقال إن هذا إلّا سحر يؤثر”.الايات 18-24. سورة المدّثّر وهي قراءة تشخيصيّة بارعة. وكذلك منها, أو: “رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت” من الآية 19. وكذلك: “يجعل صدره ضيّقًا حرجًا كأنّما يصّعّد إلى السماء” سورة الأنعام: الآية 125 .وهنالك الكثير من نوع هذه الآيات في القرآن بل أغلب سور القرآن ليست سوى معالجات نفسيّة لقوم تملأ صدورهم الوساوس لذا اضطّر لأن يجاريهم في الكثير ممّا يعتقدون بهدف تغييرهم وثبّته في القرآن “أو لنقل الله ثبّتها” أو: “أنّ الله هو من يجاريهم على وجه الدقّة” ذلك إن بدأنا نتفهّم كنه الله بموضوعيّة لا لفظ لسان. وكذلك لو نتمعّن سورتي “المعوّذتين”. فعندما وصل إبراهيم مكّة “المقفرة” حينها أقام بيتًا صافيًا خالٍ من أيّة قطعة أثاث كانت تمثّل الخلوة على شكل صفاء مستقرّ بين جدران أربع وهو مفهوم إبراهيم اقتطعه من مفهومه خلوة للصحراء, وهو تقليد لا زال يسري تقمّصه من قبل فئة من المسلمين يطلقون على أنفسهم (المتصوّفة) حيث يظهر للمختلي فيها وهو منفردًا مع نفسه في بيئة مشابهة لبيئة صحراويّة في نهاية خلوته الّتي تستمرّ أشهر أحيانًا (الجنّي) الّذي سيطيعه وينفّذ له ما يريد, وهذا على ما يبدو واضحًا وإن بتفاصيل مشابهة هي سمة العربي وسط الصحراء منذ قبل الإسلام ولغاية اليوم, حتّى أنّ العربي كلن يشعل النيران وسط الظلام الحالك وخاصّة في الليالي الغائمة الّتي لا قمر ولا نجوم في سمائها “لكي يطمئن نفسه أنّه ينتظر وهمًا لضيف قادم وهو أمل لطرد قلق وحشته من نفسه وخوفه أن يبلغا ذروتهما في نفسه فيذهب لهما عقله لا كما يصوّر ذلك البعض على أنّه لطبيعة عربيّة نتاج حبّ العربي للكرم ولكي يهتدي بالنار التائهون في الصحراء”, وبحسب اعتقادي أن الآلهة الّتي ملأت جوف مكّة لغاية (الفتح) ليست سوى نزعة التقليد الّتي تتملّك سكنة البوادي والقفار لحياة التمدّن فنقلوها لهم مجسّداتهم المؤلّهة تجّار قريش من الشام واليمن والعراق ومصر خلال قرون طويلة. إلى هنا ,وبملاحظات سريعة يمكن تخمين طبيعة عبادة باقي شعوب الأرض, عدا المشابهة منها لحياة العربي وطريقة عيشه, والّتي لربّما تأثّر بها النبيّ الأكرم محمّد ومنها مفهوم “المقدّس” الذّي وجد فيه خير حارس لممتلكات المعبد يحميها من السرقة داخل المدن أسماها (الرقيب) وهو اسم في القرآن لأحد أسماء الله الحسنى نجد سكنة المدن يتفاخمون ولغاية اليوم يعظّمون آلهتم فسكّان المدن لا يعانون الوساوس لوفرة كلّ شيء يحتاجونه فلا تضطرّهم الشحّة للترحال ,ولقرب البيوت بعضها من بعض وبالتالي قرب القرى وتداخلها أحيانًا وقرب مسافات المدن بين واحدة وأخرى فيكثر الاستئناس بين هذه المجتمعات. وذلك لا يعني خلوّ المدن من السرّاق أو خلوّ الأرياف المحيطة بها ,وبما أنّ ممتلكات ابن الريف عزيزة عليه خصوصأ بقرته الّتي تعيله ,ولذلك وبتقديري أنّ هنالك من نقل عادات تلك الشعوب على شكل أساطير للعرب يقصّها عليهم أناس مختصون بالترحال بين تلك المدن, ومنها ما تمّ قصّه حتمًا عن أقوام تعبد البقر ,في الهند بالطبع, قد يكون تركت هذه الطبيعة أثرًا في نفس النبي ممّا جعله يلجأ إلى الدين للنهوض بواقع عشيرته وأهله وقومه ومعالجة ذلك بالدين نفسه لاستحالة إقناع قوم يمتلكون 365 آلهًا ولأنّ الدين يعني الغيب يعني مصير البشر “إلى أين يذهبون” هي هواجس تتملّكه ,فالنبي بحسب المواصفات الموضوعيّة والسمات الشخصيّة رجل علماني يحلّلالظواهر الاجتماعيّة ويشخّص الخلل فيها مثلما كان يوجد غيره من الّذين تقصّد من تقصّد طمس أخبارهم, ليس النبي وحده بالطبع من يقترح علاج مجتمعه إذ كان هناك من يحمل نفس الاتّجاه, فوجد النبيّ أنّ من الصعب النهوض بمثل هذه الأمّة وهو الهاجس الّذي يراوده بغير المقدّس الّذي يحمي أوامره ونواهيه مجّانًا ودون تخصيص الأموال ومن دون عناء ومن دون أن يجرؤ أحد من الأتباع مسّها أو التلاعب بها ,وذلك مطابقًا لما فعله قرويّو الريف في شرق وجنوب آسيا أو في المكسيك لحماية أطنان الذهب داخل معابدهم, وكذلك في قرى الهند مثلًا لحماية أعز ما يملك القروي فيها بحماية ممتلكه الرئيسي ألا وهي البقرة حي وجد هنالك من يضع مفهوم ديني هو المقدّس طوّق به بشكل أو بآخر حصانة البقرة ومع مرور الزمن أصبح من الصعب سرقة البقرة في الهند “وإلّا أصابت السارق البلوى” بل صار هناك من يركع لها. وانا لا زالت أتذكّر وأنا صبيّ أو أصغر عمرًا حواديث عن “سيد محمّد” مثلًا في سامرّاء وأقاويل شاعت وشقّت طريقها في نفوس الناس منها أنّ إحداهنّ سرقت من مقام السيد محمد “كاروك” أي “مهد” ثمّ استقلّت القطار العائد إلى بغداد لكنّ القطار توقّف في الطريق ولم يقبل السير رغم الفحص والتدقيق ,وبعد جهود واستفسار تبيّن أنّ وقوف القطار سببه الكاروك المسروق فلمّا أخذوه منها سار القطار ..