23 ديسمبر، 2024 12:44 ص

البقرة الحلوب في موازنة 2019!!!

البقرة الحلوب في موازنة 2019!!!

اعتادت الحكومات المتعاقبة في العراق بعد 2003 على إهمال تنوع الإيرادات في الاقتصاد العراقي. مما جعله يحوم في دوامة متقلبة من ارتفاعات وانخفاضات في أسعار النفط.
فالعراق هو الدولة الوحيدة التي ليس لديها صدوقاً لاستقرار العائدات النفطية ولم تعمل الحكومة بشكل جاد على تطوير صناعة استخراج وتكرير وتصدير النفط، مما جعل العراق يرزح تحت طائلة الشركات العالمية التي تستقطع الكثير من وارداته النفطية بين استخراجه وتصديره.
ويخسر العراق سنوياً ما يتجاوز الملياري دولار ككلف النقل فقط، فضلاً عن استيراد المشتقات وأجور الحفر والتنقيب والاستخراج.
إن الدول التي تعتمد أسعار النفط العالمية في تحديد موازناتها السنوية تلجأ على قراءة السوق واستشراف أسعاره لاعتماد تسعيرة معتدلة تتوازن فيها الموازنات السنوية مع تذبذب الأسعار بارتفاع و انخفاظ.
ما يميز موازنات العراق السنوية هو اعتماده أنموذجاً تقليدياً ثابتاً في توزيع النفقات على الوحدات الإدارية ولا يستخدم نظام موزنات البرامج والأداء. وهذا ما جعل موازنات السنوات الفائتة نسخة موحدة لا يختلف فيها سوى الأرقام التي تتأرجح بين صعود أو نزول دون تغيير يذكر.
ولذلك فإن المراقب للموازنات العراقية في السنوات الأخيرة يجد أن العجز أصبح صفة ملازمة لها فقد بلغ العجز في 2018 مثلاً نحو (13.15) تريليون دينار وبنسبة 13% من إجمالي النفقات العامة. وإن اللجوء إلى المصادر الخارجية للتمويل وبالذات الاقتراض الخارجي سيحمّل العراق أقساطاً سنوية بلغت في 2018 نحو (8.246) تريليون دينار عراقي. وهي قد تحمّل العراق في 2019 ديوناً جديدة تقدّر بـ(22.873 ترليون دينار عراقي). بالنظر إلى احتساب سعر البرميل بسعر (56$) في الوقت الذي تشير المعطيات الاقتصادية في الدول المصدّرة للنفط إلى استمرار ارتفاع أسعار النفط إلى ما يزيد على (80$)، مما يوفر فائضاً في ميزانية العراق لعام 2019.
فالموازنات في دول العالم عندما توضع فإنها تأخذ بنظر الاعتبار التعداد السكاني للمناطق والضرر الواقع سواء بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية. ما لوحظ في الموازنة هو سوء التوزيع والتخصيص؛ إذ لم يراعى الإنصاف بين اقليم كردستان المستقر، والبصرة التي عانت بسبب التلوّث في مياهها وهوائها والكارثة البيئية التي تعرضت لها في صيف 2018 بعد إصابة أكثر من 100 ألف مواطن بالتسمم جراء تلوث المياه تصحّر مئات المزارع المحلية بسبب زحف المدّ الملحي.
ما يخصصه القانون العراقي للبصرة من البترو دولار والمنافذ الحدودية يصل إلى (4.687 تريليون دينار) في الوقت الذي شهدت الموازنة تخصيص تريليون واحد فقط كتخصيصات لتنمية الأقاليم. وبلغت تخصيصات البصرة عن البترودولار وتنمية الاقاليم ما يقارب 932.9 مليار دينار في الوقت الذي تبلغ فيه حصة البترودولار في الموازنة العامة 5% من ايرادات النفط الخام في حين أن حصة البصرة الحقيقية من البترودولار فقط لا تقل عن 3.750 ترليون دينار.
إنّ المخصص للبصرة في الموازنة لم يصل إلى 25% من استحقاقاتها القانونية
كذلك لم تشر الموازنة إلى المبالغ المتبقية بذمة الحكومة المركزية للحكومات المحلية في المحافظات المنتجة للنفط من السنين السابقة. ولم تخصّص الموازنة لمشروع ميناء الفاو الكبير أية مبالغ ولا للمشاريع السكنية والخدمية المتوقفة منذ عام 2014 بقرار من العبادي والتي بلغ البعض منها نسب إنجاز 85% وتركت دونما اهتمام.
ووفرت الموازنة العامة فرص العمل للتعيين في الادارة الحكومية وفي القطاع العام الحكومي مع أنها منعت التعيين في دوائر الدولة بأسلوب التعاقد، ولم توضّح العدد المستحدث من الوظائف ولا يدري أحد مدى الدقّة في الأخبار المستندة إلى وزارة المالية والتي تشير الى 60 ألف وظيفة تم استحداثها في الموازنة.
لقد ترتب على استحداث هذه الوظائف ارتفاع تعويضات الموظفين (رواتب الموظفين والمتقاعدين والحماية الاجتماعية والمتعاقدين وغيرها) من 54.448 ترليون دينار عام 2018 الى 58.553 ترليون دينار عام 2019 بزياده قدرها 4.105 ترليون دينار، وتشكل الرواتب نحو 45.6% من اجمالي النفقات العامة في العراق.
أما الفقرة المثبتة في الموازنة التي تنص على تخصيص 20% من المبالغ المتحققة من زيادة الإيرادات النفطية الفعلية عن المخططة إلى المحافظات المنتجة كل ستة أشهر فهي لا تعني شيئاً والغرض من ورودها في الموازنة للتغطية على عدم رغبة الحكومة المركزية في إطلاق الأموال المخصّصة للمحافظات المنتجة للنفط وفي مقدمتها البصرة وهو ما سبق أن حصل في موازنة 2018. ولذلك ينبغي على نواب البصرة تحديداً ومجلس المحافظة والمحافظ الالتفات الى هذا الموضوع الخطير وتداركه فبل فوات الاوان.