23 ديسمبر، 2024 8:14 ص

البغدادية و احترافيةُ الاستقصاء ..

البغدادية و احترافيةُ الاستقصاء ..

يُعرف الاستقصاء الصُحفي على انه : البحث و الغوص في ما وراء الخبر أو الحقيقة للأحداث و القضايا المشكوك في معلوماتها و إظهارها للرأي العام بعد التأكد من صحتها أو كشف التلاعب والتزوير والفساد فيها ,بمعنى أخر هو البحث و التنقيب عن الحقيقة وهو بذلك يؤدي وظائفٍ اجتماعية تهدف لخدمة الناس بصورة عامة ضد المفسدين و المتلاعبين بالمال العام تحت أغطية و أقنعة شرعية ..

ولم يُعرَف هذا اللون أو النوع من أنواع الإعلام حتى عقودٍ قريبة تعود لمنتصف الستينيات من القرن الماضي في الدول الأوربية تحديدا لكنه اليوم أصبح منهاجاً يُدرس في الجامعات والأكاديميات الإعلامية فيها .

أما الوطن العربي و بسبب أنظمته الديكتاتورية والعائلية الحاكمة فلم يُعرف الاستقصاء الصحفي فيه حتى انطلاق ما يسمى بالربيع العربي في دولٍ محددة إلا انه لم يؤدي وظائف الاستقصاء الصحيحة بسبب ارتباطه بأجندات وأهداف خاصة .

وفي العراق تحديداً وبعد سقوط نظام البعث وصدام في العام 2003 م حيثُ انتهاء الديكتاتورية وانطلاق فوضى الديمقراطية الخلاقة صُنفَ الإعلام إلى ثلاث أصناف رئيسية هي: الإعلام الحكومي والإعلام الحزبي و الإعلام المستقل . وقد واجه الأخير ضغوطاً كبيرة خلال الثمان سنوات الماضية بسبب استقصائه و كشفه لملفات فسادٍ وصفقاتٍ مشبوهةٍ ضخمةٍ و كبيرة قام بها كبار المسئولين المُتنفذين في الدولة و الحكومة . و مثلت قناة البغدادية و من خلال برامجها السياسية كـ (المختصر) لـ د. عبد الحميد الصائح و( المُنجز ) لـ د.كاظم المقدادي و البرنامج الشهير (استوديو التاسعة) لـ أنور الحمداني و(سحور سياسي ) لـ عماد العبادي و (لقاء عراقي) لـ نجم الربيعي و برامج أخرى , مَثلت رأسَ هرم الاحتراف في الاستقصاء الصحفي و الإعلامي في العراق من خلال توظيف رسالتها لخدمةِ الشعب الذي نُهبت أمواله وحقوقهِ طوال فترة التغيير المنصرمة تحت أغطية الدين والأحزاب و الطائفيات و المحاصصة والتقاسم والشراكة وغيرها من الذرائع التي اتخذها الفاسدون و الفاشلون لتمرير أهدافهم البعيدة عن الشعب و الوطن . وقد نجحت البغدادية (المُستقصية بعمق) في فضح الهيئات و المؤسسات المستقلة التي أنُشأت لغرض محاربة الفساد ومكافحته بعد إن أصبحت تلك الهيئات جُزءاً من ذلك الفساد الذي استشرى في جميع مفاصل الدولة وصار دورها مقتصراً على إضفاء الشرعية المزيفة و الكاذبة على عمل الحكومة و التستر على المفسدين و محاربة الخصوم و المعارضين أياً كان انتمائهم وتوجههم السياسي .

و كشفت البغدادية أيضا قمةَ هرم الفساد و الفشل في الدولة وأظهرت ملفاته الخطيرة والكبيرة أمام الرأي العام في سابقةٍ هي الأولى في الإعلام العراقي من خلال برامجها السياسية المختلفة .وطالبت بتغيير الفاشلين كضرورةٍ أساسية للقضاء على آفة الفساد التي بدأت تنخر جسد الدولة . وهذا ما دفع المتخوفين منها ومن رسالتها الإعلامية الاستقصائية إلى محاربتها وغلق جميع مكاتبها والاعتداء على كوادرها وإصدار مذكرات اعتقال باطلة بحق

رجالاتها , بل و دفعِ ملايين الدولارات من أجل غلق مكاتبها الرئيسية في خارج البلاد ايضاً . لكنها عادت اليوم بقوة وثقة عالية بعد إن نجحت بالتغيير لتُطالب بالوحدة الوطنية و بناء البلد من جديد و محاكمةِ كل أولئك المفسدين والفاشلين الذين تسببوا بهدر المال العام وسرقته وإيصال البلاد إلى هاوية الخراب والدمار . فهنيئاً لصوت العراقيين التي مثلت احترافيةً فريدةً في الاستقصاء الصحفي وهي تحارب وتلاحق المُفسدين والفاشلين ..