20 ديسمبر، 2024 4:26 ص

البغدادية .. حكومة الظل الوطنية

البغدادية .. حكومة الظل الوطنية

في كل بلدان العالم لاسيما الديمقراطية منها هناك موالاة وهناك معارضة. وغالبا ما يتم نوع من تبادل الأدوار بين المعارضة والموالاة لكن لمصلحة البلاد والعباد في إطار الإلتزامات التي ترتبها الديمقراطية عبر الإنتخابات. ولكي تدور العجلة بطريقة صحيحة فإن الحكومة المنتخبة سواء كانت حكومة أغلبية او إئتلافية هي المسؤولة عن تنفيذ البرنامج الحكومي بينما توجد حكومة أخرى “تكعد لها ركبة ونص” تسمى حكومة الظل. وفي كثير من الأحيان تكون حكومة الظل التي تمثل المعارضة البرلمانية أقوى من حكومة الموالاة لأن الإثنين يتنافسان على خدمة المواطن لا نهب ثرواته الى حد التفنن في أساليب النهب والسلب والسرقة والإبتزاز مثلما هو حاصل عندنا في كل حكوماتنا التي توارثت السلطة والحكم والسلطان والهيلمان ببعديه الزمني والأخروي بعد عام 2003.

ولعل أحد أبرز أسباب فشل تجربتنا الديمقراطية والمتمثل بعدم قدرتها على بناء مؤسسات وطنية مستقلة تعود الى أن الجميع يركض وراء السلطة ويتطير من المعارضة بالرغم أن المعارضة مثلما قلنا سلطة تتفوق أحيانا على سلطة الحكومة طالما هي تمارس اللعبة الديمقراطية في ضوء الدستور والقانون. ولعل من المسائل التي تثير السخرية حقأ أن من يريد الذهاب الى المعارضة “يهدد” بالذهاب اليها وكإنها تهمة خطيرة مالم يحصل على مكاسب تجعله جزء من العملية السياسية. ولأنه لم يذهب حتى الأن أي طرف للمعارضة فإن تهديده “يجيب نتيجة” فيبقى في الحكومة والبرلمان ولكنه يعارضهما عبر المؤتمرات الصحفية في قاعة البرلمان ذاتها.

المحصلة أن ليس هناك أحد سواء كان هذا الأحد حزبا أو كتلة أو قوة سياسية يفكر ولو مجرد تفكير ولو بالأحلام أن يكرس تفاليد عمل ديمقراطي حقيقية من خلال تمثيل دور المعارضة مما يساعد على تشريع قوانين حقيقية ولجم تصرفات الحكومة ومحاسبتها عن كل خطوة تخطوها خارج إطار سلطاتها وصلاحياتها. قناة “البغدادية” هي من سجلت قصب السبق في ذلك. ولذلك حين يصر الزميل أنور الحمداني يوميا من على برنامجه “إستوديو التاسعة” الى تكرار القول ان البغدادية ليس مجرد قناة تلفزيونية بل هي مشروع وطني مؤسسه رجل اعمال وطني وهو الدكتور عون حسين الحشلوك أثبت إنه لايخضع للإبتزاز من أي نوع ومن اي جهة فإنه يقصد من حيث المعنى والمضمون ما اقصده. فالمعارضة التي تنتهجها

البغدادية معارضة وطنية بناءة تتعدى حدود الدور الذي يمكن ان تؤديه قناة تلفزيونية.

إذا أردنا تصنيف الفضائيات في العادة فإنها إما حكومية وهي الممولة من المال العام وهو ما يعني إنها تعبر عن وجهة النظر الرسمية للحكومة أو للدولة أحيانا مع الفارق بين الدولة والحكومة لكنني لا أريد الدخول في تفاصيل هذا الأمر لضيق المساحة. أو هي مشروع تجاري ربحي يستند على ما تدره عليها الإعلانات من اموال أو هي مشروع سياسي يحمل أجندة ذات توجه معين سلبيا كان هذا التوجه أم إيجابيا. حين نفحص “البغدادية” طبقأ للتصنيف أعلاه فإنها لاتخضع لأي واحد منه. فلا هي رسمية ولا تجارية ولا تحمل أجندة حزب أو جهة أو مكون.

ولعل من بين أهم ما يميز البغدادية هي إستمرارية مشروعها الخاص بمحاربة الفساد منذ إنطلاقتها وحتى اليوم. فو كانت تمثل رايا رسميا لتوقفت عند حدود هذا الموقف. ولو كانت مشروعا تجاريا لرضخت للأبتزاز وكسبت أمولا طائلة, ولو كانت تعبر عن وجهة نظر حزب او كتلة لهاجمت الجميع وغضت الطرف عما يمارسه حزبها او كتلتها من خلال ممثليه في الحكومة او البرلمان او لجنته الإقتصادية.

إذن هي لا هذا ولا ذاك. فماذا هي اذن؟ في تصوري إن “البغدادية” هي حكومة الظل الوطني التي نفتقدها في العراق بعد التغيير الذي يقترض أن يكون ديمقراطيا. إنها المعارضة الحقيقية حيث تخشى أحزاب وقوى سياسية وكتلأ نيابية وشخصيات لها “طنة ورنة” منذ عام 2003 والى اليوم أن تتحول الى المعارضة حتى لاتضيع أو تهمش أو تقصى أو تطارد. البغدادية تصدت لهذه المهمة الجسيمة. والواقع أن الشعب العراقي هو من منحها هذا الدور الذي نهضت به بكل إقتدار ومسؤولية.

وإنطلاقأ من هذه الرؤية فإن الفترة القادمة سوف تكون حاسمة لجهة بلورة هذا المشروع الوطني من خلال التعبير عنه عبر مؤسسة البغدادية بوصفها سلطة رقابية بات يخشاها المسؤولون ويتطلع اليها الشعب. اما لماذا يخشاها المسؤولون من كل الكتل والقوى والأحزاب فلأنها جعلتهم عراة في محكمة الشعب قبل أن يقفوا , بعد يومين, عراة في محكمة الآخرة حيث لاينفع مال ولا بنون. وأما لماذا يتطلع اليها الشعب فلأنه بات ينظر اليها على إنها حصن الدفاع الأخير عن الديمقراطية والتحول المدني في العراق في ظل غياب أو تغييب المؤسسات التشريعية او القضائية أو التنفيذية بعد أن أثبتت التجارب فشلها جميعا في التصدي لأية مهمة والقيام بأي مسؤولية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات