18 ديسمبر، 2024 10:06 م

البعض يحلو له القيام بدور البومة!!

البعض يحلو له القيام بدور البومة!!

في الوقت الذي يؤكد فيه وَفْدا التفاوض بين المركز والإقليم، حصول تفاهمات بناءة حول النقاط الخلافية المتمثلة اساسا بإدارة المنافذ الحدودية والمطارات والنفط، بعد سلسلة من اللقاءات، على أثر زيارتين متبادلتين إلى كل من بغداد وأربيل، وورود أنباء مشجعة وتصريحات مفرحة حول قرب استئناف الرحلات الجوية الدولية من وإلى مطاري أربيل والسليمانية وإنهاء معاناة السفر للمواطنين عموما والمرضى والمحتاجين خصوصا، وقبل هذا وذاك رأب الصدع الذي نتج عن استفتاء الإستقلال الكوردي المعروف في 25 أيلول 2017، في هذا الوقت الذي يسوده التفاؤل وتتوارد فيه بشارات الخير، يحلو للبعض أن يتقمص دور “البومة” التي تنشط في الليل وتنام في النهار وتسكن الخرائب، (لا يوجد لفظ مؤنث في اللغة الفصحى لهذا الطائر الشهير، الذكر والإنثى يسميان بوم، غير ان هذا المقال سوف يعتمد اللفظة الدارجة لشيوعها على الألسن).

النائب الذي يوصف بالمقرب من رئيس الوزراء، المعروف الإسم واللقب والكنية، والمفضوح التوجه والقصد والنية، الذي يجدر ان لا نقول انه النائب جاسم محمد جعفر ، ونبتعد عن الشخصنة وذكر الاسماء!!.

طلع علينا اليوم النائب الهمام بتصريح، يزبد ويرعد وينذر ويهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور وغرائب الأزمان والدهور، يقول فيه: عدم إلغاء الاستفتاء والتصعيد في الموقف سيجبر الحكومة المركزية على تعليق المفاوضات بين الطرفين والتفكير بالخيارات المتاحة.

قبل النظر في ثقل هذا الكلام وتذوق طعمه ومعرفة لونه، يجب التذكير ببدعة منصب “المقرب”. رئيس الوزراء لديه ناطق رسمي ومكتب اعلامي ويحرص على عقد مؤتمر صحفيا أسبوعي تقريبا. كذلك، كل مؤسسات الدولة لها مخولون رسميون ينقلون مواقفها إلى الرأي العام متى ما تطلب الأمر، مع ذلك نجد هذا الكائن المفضوح التوجه والقصد والنية، يدس أنفه في كل صغيرة وكبيرة ويطارد، شأنه في ذلك شأن البومة، كل هامة ولامّة من فئران الحقول وهوامها من الحيوانات الصغيرة والحشرات، طعامها المفضل، في الليل الحالك، مستعينة بسمع حاد وبصر نافذ يوفران لها رؤية ليلية فائقة، ويتقمص دور الناطق باسم الحكومة (الناطق باسم الحكومة المسكين لا يتحدث بنسبة عشرة بالمئة مما يتفضل به السيد النائب، غير مشكور ولا محمود)، ناسيا دوره التشريعي، متجاوزا حده النيابي الذي يطوق كل سلطة في ميدانها و يمنع انتهاك حرمتها والتعدي على ملكوتها، فهو مثلا هنا لا يدعو الحكومة إلى اتخاذ إجراء معين وإنما يقرر أن الحكومة ستعلق المفاوضات وتفكر في خيارات متاحة، وهي إشارة معروفة إلى الخيار العسكري. التعبير عن الرأي حق دستوري لكل مواطن، ناهيك عن عضو برلماني، دوره الرئيسي رقابي وتشريعي، غير أن النائب-البومة يتصرف وكأنه ناطق باسم الحكومة أو عضو تنفيذي بارز فيها، يستغل هذه المساحة المتجاوز عليها لتوصيل رسائل معينة وتحقيق مآرب ضيقة لمداره العنصري الطائفي ولقاعدته الجماهيرية .

هنا مثلا، وجد النائب العتيد، على ما يبدو، أن التقارب بين المركز والإقليم، ربما هدد المكاسب التي حققها المكون الذي يمثله على حساب المكونات الأخرى في كركوك وطوز خورماتو بالذات، وهي على كل حال مكاسب تنقصها المشروعية في أكثر الأحيان، فخرج علينا بهذا التصريح لطمأنة قاعدته الجماهيرية وافهامهم أن شيئا لم يحدث، وان الحال ، بما يتمناه ويرجوه، على وشك الإنهيار مرة أخرى، وهو موقف بغيض ينم عن اللؤم والفتنة.

الأمانة العامة لمجلس الوزراء أصدرت بيانا حول زيارة أمينها العام إلى أربيل على رأس لجنة شكلها رئيس الوزراء، تضم خمسة عشرة مسؤولا رفيعاً، قالت فيه: تم عقد خمسة لقاءات ثنائية بين المختصين في الجوانب الامنية والحدودية والمطارات والگمارك والمنافذ الحدودية والسدود والنفط، واشار البيان أيضاً إلى ان الاجتماعات سادها جو من الثقة والتفاهم وانتهت بصياغة محاضر لكل محور من المحاور المذكورة تضمنت عدداً من التوصيات سيتم رفعها، اي إلى السيد رئيس الوزراء.

من نصدق إذن، الأمين العام، الدكتور الرصين المعروف بمهنيته ومصداقيته وخلقه الرفيع على ما وصلني عنه بشكل مباشر، ام نصدق النائب-البومة الذي يقول في تصريح صحفي، إن حكومة اربيل طالبت بغداد بإعادة نشر القوات الكردية في المناطق المتنازع عليها وكركوك وسحب القوات الاتحادية فضلا عن عدم تسليم المطارات وإعادة تشغيلها والمنافذ الحدودية وإن الإصرار على عدم إلغاء الاستفتاء والتصعيد في الموقف سيجبر الحكومة المركزية على تعليق المفاوضات بين الطرفين والتفكير بالخيارات المتاحة.؟

اخيرا وبخصوص حيثية إلغاء استفتاء الإستقلال، الكل يعرف انه كان الشرط الأساسي من لدن دولة رئيس الوزراء لإستئناف الحوار مع الإقليم، وان استئناف الحوار والزيارات المتبادلة دليل على إسقاط هذا الشرط الذي قال عنه العبادي نفسه في بداية الأزمة انه اصبح بحكم الملغي وانتهى بحكم المحكمة الإتحادية، وهو ما كان السيد هوشيار زيباري قد اشار اليه في وقت مبكر ايضاً وصرح علنا ان العبادي اسقط شرط الإلغاء، غير ان السيد العبادي وقتها عاد وأصر على الإلغاء، وها هو الآن يتجاوزه ويحاور الإقليم .