رغم امتلاك وزارة التجارة خبرة كبيرة لإدارة ملف البطاقة التموينية ومنذ اكثر من عقدين الا انها فشلت في توفير مفرداتها منذ عام 2003 لحد الان علما بأن مفردات البطاقة التموينية اختزلت بشكل تدريجي حتى وصلت الى خمسة مواد اساسية بشكل رسمي واما واقع الحال قد يصل احيانا الى استلام مادة واحدة فقط في شهر معين وغيابها في عدة اشهر اخرى ناهيك عن رداءة النوعية وبعضها غير صالح للاستهلاك البشري ومن اهم اسباب هذا الفشل هو الفساد لاسيما في الجانب التعاقدي مما اعطى ذلك انطباع سيء للشارع العراقي على الاحزاب المتصارعة على ادرة هذه الوزارة في ظل المحاصصة الحزبية علما بأن الدولة قد انفقت اموال طائلة على البطاقة التموينية!!
واذا ما اردنا البحث عن الاسباب وبشكل مفصل وعلاجها فنرى من ناحية التوزيع لا توجد مشكلة معتبرة لوزارة التجارة بذلك بل يكاد يكون على احسن ما يرام , فالوزارة تمتلك منظومة توزيعية جيدة مما جعل الدولة تعتمد عليها في الانتخابات كمصدر احصائي معتبر وكذلك عندما ارادت الحكومة توزيع بعض المبالغ المالية للمواطنين فلم تجد افضل سبيل من وزارة التجارة عبر وكلاء التوزيع لديها وعليه فمشكلة وزارة التجارة في البطاقة التموينية تنحصر بتوفير مفرداتها ونوعية المواد أي المشكلة في العقود وفسادها اما الحديث عن جعل حصة المواطن في علبة كارتونية او تغليفها بشكل مميز او الحديث عن تغيير البطاقة الورقية الى بطاقة الكترونية (الذكية) فذلك يعد ضحك على الذقون وتهرب عن اصل المشكلة فالمواطن ليس لديه مشكلة في استلام حصته الغذائية من الوكيل والمطلوب توفير المواد وجودة نوعيتها اما البطاقة التموينية الذكية فمن باب اولى ان تقوم الحكومة بإصدار البطاقة الوطنية الالكترونية الشاملة والتي تحتوي كل شيء عن المواطن وليس اصدار بطاقة تموينية ذكية واجازة سوق ذكية وهوية عمل ذكية وغيرها … بل بطاقة وطنية ذكية واحد وشاملة لك شيء
اصبحت الحكومة في وضع لا تحسد عليه ما بين الاموال الطائلة التي تنفقها على البطاقة التموينية وما بين غضب الشارع العراقي لافتقاده اغلب مفرداتها ورداءة نوعيتها وعزز ذلك مطالب مجالس المحافظات بتكليفهم بهذه المهمة بدلا من وزارة التجارة وهنا توفرت فرصة للحكومة الاتحادية لرمي الكرة في ملعب مجالس المحافظات وربما تكون هنالك تداعيات سياسية ولاسيما تحديد موعد نقل مسؤولية البطاقة التموينية الى مجالس المحافظات في شهر تموز 2014 (أي بعد الانتخابات!) والمعروف بأن نقل أي نشاط غالبا ما يكون في بداية سنة جديدة لاعتبارات مالية وغيرها. مما جعل مجلس الوزراء اصدار القرار المرقم 285 لسنة 2013 والذي جاء في نصه اناطة مسؤولية توفير مواد البطاقة التموينية من قبل المحافظات خلال عام 2014 والمشكلة الاخرى بأن اغلب مجالس المحافظات رحبوا بهذا القرار دون دراسة شاملة ومفصلة ويتوقعون بأن العملية سهلة ويسيره وهذا ممكن ان يسبب لهم وللمواطن نكسه جديدة ولاسيما في السنة الاولى من استلام المهمة علما بان اعلان مناقصة واحدة لكمية كبيرة لسدة حاجة البلد سيكون سعرها اقل مما لو اعلنت كمناقصات متجزئة لكل محافظة على حده وكذلك كلفة النقل تكون اقل للكميات الكبيرة مقارنة بنفس الكميات متجزئة لكل محافظة على حده وهنالك امور اخرى تتعلق بالدورة المستندية والفحص المختبري لصلاحية المواد اضافة الى الاجراءات الروتينية من اعلان المناقصة الى طلاق الصرف للشركة المجهزة وعليه لا بد لدراسة الامور التالية:
اولا : الاجراءات المقترحة مع بقاء مسؤولية البطاقة التموينية في وزارة التجارة
نظرا لكون مشكلة وزارة التجارة الرئيسية في توفير مفردات البطاقة التموينية للمواطنين هو الفساد الحاصل بالجانب التعاقدي وليس في اصل السياسية الاستيرادية وعليه اقترح تشكيل مجلس العقود الطارئة ويخول التفاوض والتعاقد استثناءا من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية ويتكون من ستة اعضاء ثابتين وثلاثة اعضاء متغيرين من الوزارة المعنية كون المقترح ممكن ان يشمل جميع الوزارات قدر تعلق الامر بالعقود الكبرى والتي تزيد قيمتها على 100 مليون دولار او المهمة منها وفقا لتقدير مجلس الوزراء (علما بأني اقترحت هذا المقترح سابقا لمعالجة الفساد في العقود الكبيرة ولم يأخذ فيه !) ويتكون المجلس مما يلي :
أ. رئيس مجلس الوزراء رئيسا
ب. نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عضوا
ج. وزير المالية عضوا
د. رئيس ديوان الرقابة المالية مراقبا
ه. رئيس اللجنة النيابية المختصة مراقبا
ومدير عام المصرف العراقي للتجارة عضوا
اضافة الى ثلاثة اعضاء من قبل الوزارة المختصة فاذا كان الموضوع يخص البطاقة التموينية يكونوا الاعضاء الثلاثة من وزارة التجارة حيث يقدموا الى رئيس اللجنة كميات المواد المطلوبة ومواصفاتها والبلدان المنشئ المقترحة مع بيان كافة التفاصيل الفنية والادارية , فتقوم هذا المجلس بتوقيع بروتكول تعاون حكومي مع حكومة بلد المنشئ حيث تقوم الحكومة الصديقة بترشيح الشركة المنتجة دون وسيط للجانب العراقي للتعاقد معها على تجهيز العراق بالمادة المطلوبة لمدة اربعة سنوات ويتم وضع الجدول الزمني من قبل الاعضاء الثلاثة المختصين لتسليم المواد وكذلك وضع الجدول الزمني لتسليم الاموال من قبل وزير المالية ومدير عام المصرف العراقي للتجارة مع وضع الشروط الجزائية من قبل ممثلي الوزارة المعنية .وبذلك نتمكن من اجراء خمسة تعاقدات او اقل كل اربعة سنوات وحينها تنحصر مسؤولية وزارة التجارة على توزيعها على المواطنين وتجنبها من شبهات الفساد التعاقدية
ثانيا : استبدال مفردات البطاقة التموينية بالبدل النقدي
هنالك رأي بتوزيع الحكومة مبالغ مالية بدلا عن مفردات البطاقة التموينية (علما بان الدولة تنفق حوالي 6 دولار ثمن مفردات البطاقة التموينية لكل مواطن ولكنها تنفق عدة اضعاف المبلغ اعلاه لغرض نقلها وتخزينها وتوزيعها والتي تقدر بحوالي 3.5 مليار دولار سنويا عدا النفقات التشغيلية لوزارة التجارة ) ولكن هنالك ايضا مخاوف من استغلال التجار هذا القرار لرفع الاسعار على المواطنين وهذا المقترح يمكن ان يكون مقبول اذا ما قامت وزارة التجارة بإعادة تشغيل الاسواق المركزية والجمعيات التعاونية لبيع مواد مفردات البطاقة التموينية بسعر السوق ليكون سعرها خط الشروع لسعر السوق المحلي وعلى ان يكون البدل النقدي مجزي وفقا للمبالغ المخصصة للتوفير مواد البطاقة التموينية والواردة في اعلاه وبهذا لا يتمكن التاجر من رفع الاسعار على المواطنين ولا سيما بأن السوق المحلي تنافسي وبذلك سنتمكن من انهاء مشروع البطاقة التموينية الذي جاء بظروف طارئة خلال الحصار الاقتصادي الظالم على الشعب العراقي في فترة التسعينات من زمن النظام البائد
ثالثا : الاجراءات المقترحة في حال نقل مسؤولية البطاقة التموينية الى المحافظات
وان كنا نفضل الاجراءات الواردة في الفقرة اولا او الفقرة ثانيا ونظرا لكون قرار نقل مسؤولية البطاقة التموينية الى المحافظات ربما يكون واقع حال فعلية اقترح النقاط الواردة ادناه للدعم بتقليل الضرر ودعم المحافظات في هذه المهمة الكبيرة وكما يلي :
1. مجالس المحافظات جهات تشريعية رقابية لا يجوز تكليفها في مهام تنفيذية , وعليه اقترح تكليف المحافظ بهذه المهمة اذا ما حصلت القناعة بنقل هذه المسؤولية من وزارة التجارة الى المحافظات
2. عدم توفر كادر اداري متخصص من ذوي الخبرة في السياسية الاستيرادية والدورة المستندية في المحافظات , علما بأن وزارة التجارة قادرة على توزيع مفردات البطاقة التموينية وبشكل جيد من الباخرة الى المخزن الى المواطن وفشلها كان محصور بالإجراءات التعاقدية لتوفير الكميات الطلوبة والنوعيات الجيدة وعليه اقترح تنسيب بعض موظفي وزارة التجارة من اهل الخبرة الى المحافظة للاستفادة منهم
3. عدم توزيع مخازن وزارة التجارة بشكل منتظم على المحافظات. وعليه فهنالك محافظات تحتاج الى بناء مخازن وبعض المحافظات سيكون لها فائض مخزني, فاقترح التنسيق بين المحافظات المتجاورة مع وزارة التجارة لتنظيم العمل المخزني
4. كلفة نقل مفردات البطاقة التموينية ستزداد اذا ما تم تجزئتها على المحافظات وهذا ما ينعكس على المبالغ المخصصة , ولتخلص من هذه الحالة اقترح استيراد جميع او اغلب مفردات البطاقة من بلد واحد بسفينة كبيرة بدلا من استيراد كل مفردة على انفراد بسفينة صغيرة والاستفادة من الخبرة البحرية لوزارة النقل وامكانياتها
5. نظرا لعدم توفر معلومات دقيقة لدى مجالس المحافظات حول السلة الغذائية واسعار البورصة العالمية اقترح تشكيل لجنة مختصة لدراسة اسعار المواد وفقا للدولة المنتجة الرئيسية واسعار البورصة العالمية والتعاقد مع استشاري دولي مختص
6. النظام المصرفي الروتيني واطلاق الصرف قد تعرقل المحافظات بهذه المهمة وكذلك روتين تعليمات تنفيذ العقود الحكومية وايضا الفساد وذوي النفوس الضعيف قد يتواجدون في المحافظات كما هو الحال في وزارة التجارة وربما يكون ذلك في مجالس المحافظات على نطاق اوسع
فعليه اقترح تشكيل مجلس مصغر مماثل للوارد اعلاه ويكون برئاسة المحافظ وثلاثة اعضاء من وزارة التجارة و وكيل وزارة المالية ومدير عام مصرف العراقي للتجارة وممثل عن ديوان الرقابة المالية و رئيس اللجنة المختصة في مجلس المحافظة
ملاحظات اخرى :
اولا : اقترح نقل مفردات البطاقة التموينية من الموانئ الى بغداد بالقطار حصرا علما باني اقترحت ذلك على وزير التجارة السابق “ولكن تم تفعيله بالحد الادنى” لنقل مفردات البطاقة التموينية من الموانئ الى محافظة بغداد حصرا عبر القطار ويمكن الاستفادة من مخازن الشالجية وكذلك يمكن توسيعها وللأسباب التالية :
1. كلف النقل بالقطار اقل من كلف النقل بالشاحنات
2. الجانب الامني ولاسيما بأن شبكة السكك مراقبة الكترونيا بالأقمار الاصطناعية اضافة الى تسيير عربات كاشفة قبل القطار
3. تجنب شوارع العاصمة من الزخم المرورية الكثيف بسبب دخول كم هائل من الشاحنات يوميا ولاسيما تشهد نقاط السيطرة وقوف طوابير كبيرة من الشاحنات عند مداخل المدن
4. تقليل اضرار الطرق بسبب عدم التزام الشاحنات بالحمولة المحورية
5. تقليل ظاهرة تكدس الشاحنات داخل الموانئ
6. سرعة التحميل والتفريغ والنقل في القطار افضل
ثانيا :لغرض تقليل كلف النقل والتوزيع والجهود المبذولة لتوزيع مفردات البطاقة التموينية شهريا اقترح جعل الدورة التوزيعية كل شهرين وليس شهريا اسوة بتوزيع الراتب التقاعدي
ثالثا : لغرض تقليل المواد المستوردة اقترح دعم الصناعة والزراعة الوطنية ولاسيما المعنية منها في مفردات البطاقة التموينية مثل المنظفات والرز والحنطة والبقوليات والسكر وزيت الطعام
رابعا : اذا كانت المبالغ المخصصة غير كافية لتحسين نوعية مفردات البطاقة التموينية اقترح زيادة السعر الرمزي المحدد من قبل وزارة التجارة بشكل تدريجي والفارق بالسعر يمكنه استخدامه لدعم تحسين نوعية المواد
خامسا: اذا ما اتخذ قرار بنقل مسؤولية البطاقة التموينية الى المحافظات اقترح الاستفادة من مقترح تشكيل مجلس العقود الطارئة وصلاحياته التعاقدية الوارد اعلاه لتوفير المواد المطلوبة على ان تقوم المحافظة بالتعاقد ايضا مع شركات وزارة التجارة المعنية بالنقل والخزن والتوزيع وبإشراف المحافظة لحين تسليمها الى المواطن
سادسا: اذا ما اتخذ قرار بنقل مسؤولية البطاقة التموينية الى المحافظات وعدم الاقتناع في المقترحات الوارد اعلاه اقترح التعاقد مع شركة تجارية خاصة تتبنى تجهيز مفردات البطاقة التموينية وتوزيعها على المواطنين مع وضع شروط جزائية صارمة بخصوص الكميات والنوعيات للمواد المتعاقد عليها مع نفاذية صلاحياتها ومواعيد تجهيزها للمواطنين على ان يتم اشراك وزارتي التجارة قدر تعلق الامر بتامين بعض مخازنها للشركة المتعاقد معها وكذلك وزارة النقل لتأمين النقل بأقل كلف سواء في كان النقل بالباخرة او في القطار او الشاحنات مع تأمين بعض مخازن وزارة النقل في الشالجية.
وفي الختام اتمنى دوام التوفيق والتسديد لخدمة بلدنا الحبيب وابناء شعبنا العزيز في مرضاة الله