23 ديسمبر، 2024 3:02 م

البطاقة التموينية بعهدة الحكومات المحلية العراقية !!

البطاقة التموينية بعهدة الحكومات المحلية العراقية !!

“من فساد كثير الى فساد اكثر, ومن ضياع كبير الى ضياع اكبر” هذا ادقُّ ما يمكن ان نصف به عملية ترحيل البطاقة التموينية من يد الحكومة المركزية الى ايدي الحكومات المحلية في المحافظات العراقية . قد يبدو هذا الوصف او الكلام مجافيا لحقيقة النظام الديمقراطي اللامركزي وخاصة في دول العالم المتحضرة, ولكنه – بلا ادنى شك –  وصفاَ يصيب كبد الحقيقة حين يدور حول نظام الحكم الراهن في العراق , منذ سنوات ومفردات البطاقة التمونية تتناقص باضطراد كبير , وما بقي منها يتغيّب كثيرا وطويلا , اذ تمرّ شهور وشهور, ولا يطل السكر بحلاوته على المواطن بعد ان أضاع والى الابد, حبيبه الذي يذوب فيه ” الشاي” الشاي الذي ضاع ملتحقا بالصابون, الذي رأت الحكومة المركزية ان المواطن العراقي ليس بحاجة اليه , فلا ثمة أكلات دسمة تسحق الغسل, ما دامت ولائم البلد محصورة على من يتعاطى الفساد, من المسؤولين والمقاولين والتجار والنافذين في الدولة العراقية وذويهم ومقربيهم, فهؤلاء الفاسدون يشترون المناديل والصابون الفرنسي والالماني الناعم والمعطّر . ومن موجعات البطاقة التمونية ان مفرداتها تعاني الفراق المرًّ الطويل فلا الرز ” الصلب الفحل ” يلتقي “حبيبه الرقيق” الزيت , ولا صلصة الطماطم الحميراء الناعمة تلتقي حبيبها العدس , فقد غابا الاثنين معا والى الابد, في قبلة وداع المواطن العراقي, وهكذا الحال مع بقية مفرادات البطاقة التموينية .
واذا كانت مفردات البطاقة التمونية على هذه الحال المتردية “منذ سنوات” حتى وصلت اليوم الى اسوء حالاتها وهي بيد الحكومة المركزية , وهي تحت رقابة الشعب كله ووسائل الاعلام العراقية كلها  وكل المؤسسات الرقابية الرسمية وغير الرسمية من البرلمان العراقي الى منظمات المجتمع المدني مرورا بالمجالس المحلية والهيئات والطنية المختلفة والمتعددة . واذا كانت البطاقة تشهد كل هذا التردي وهي في عهدة  وزير التجارة الحالي القادم من الكتلة السياسية في كردستان العراق – التي تتباهي بنزاهة شخصياتها السياسية وكفاءاتهم – اذا كانت الحال هكذا وادارة البطاقة التموينية بيد الحكومة المركزية , اذن كيف ستكون حال هذه البطاقة حينما تصبح بيد الحكومات المحلية ومجالس المحافظات !!؟؟  الحكومات المحلية التي يشهد الجميع بهزالتها وفسادها وضعفها وتغليب افرادها لمصالحهم الشخصية والحزبية على حساب المصلحة العامة ! كيف سيكون حال هذه البطاقة وهي في عهدة مجلس محافظة وديوان محافظة لم ينجحا حتى بمراقبة وادارة البناية التي يعملان فيها ؟ كيف سيكون حال هذه البطاقة وهي بيد اشخاص اشباه اميين في السياسة والادارة , اشخاص شغلوا مناصبهم محاصصة واعتبروا المنصب او المقعد في المجلس غينمة تدر عليهم المال وتمنحهم السلطة والجاه !؟ فكان مدرس الرياضة معاونا اداريا للمحافظ , ومدرس الانكليزي معاونا لشؤون التخطيط الستراتيجي ومدرس الفنون التشكلية معاونا للشؤون المالية والمستشارون السبعة للمحافظ خمسة منهم بلا شهادات معتمدة واثنان آخران, احدهم بكالوريوس زراعة والآخر هندسة !!؟؟ كيف سيكون حال هذه البطاقة وهي بيد اشخاص وظّفوا السياسة والمال العام وادارة المحافظة لمصالحهم ومصالح ذويهم وبطانتهم واتباعم !؟ كيف سيكون حال هذه البطاقة ” مثلا” وهي في عهدة عضو او عضوة مجلس محافظة تركت انتمائها السياسي والعقائدي فقط, من اجل الحصول على الكرسي , ودفعت بزوجها لافضل منصب ممكن على حساب الكفاءات وبعثت وتبعث به في كل ايفاد خارج العراق مهما كان نوعه !؟ كيف سيكون حال هذه البطاقة وهي في عهدة مجلس وديوان محافظة فشلوا في جميع المشاريع التي اشرفوا عليها او نفذوها !؟ كيف سيكون حال هذه البطاقة التمونية بلا رقابة البرلمان وبلا رقابة الهيئات الوطنية ووسائل الاعلام العراقي المختلفة !!؟؟   كيف وكيف وكيف !!؟؟ 
ربما نجد اسبابا ومبرارت  للحكومة المركزية في عملية نقل ادارة البطاقة التمونية الى الحكومات المحلية, ومن هذه المبررات  رفع الضغوط الادارية والمالية عن كاهلها والتفرغ للعملية الامنية التي يعصف بها الارهاب . ومنها ايضا تطبيق النظام اللامركزي واسترضاء المؤسسات المالية والتجارية الدولية , والحكومة المركزية قد حاولت من قبل التخلص من اعباء البطاقة التمونية بدفع بدل مالي عنها للمواطنين ولكنها تراجعت امام الضغط الجماهيري الذي رفض مقترحها, ولكننا والحال هذي لا نجد اي مبرر او سبب يدفع الحكومات المحلية القبول بنقل ادارية البطاقة التمونية الى عهدتها , الا الجهل بخطورة هذا الملف , وحب التحكم بحاجات وحقوق المواطن لاغراض ومصالح شخصية اقلها انتخابية , وتحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب المادية والمعنوية . والا كيف سيكون اختيار المواد الغذائية الجيدة وغير الرديئة وغيرالفاسدة من قبل الحكومات المحلية ووكيف تستطيع تحقيق السيطرة النوعية عليها , اذا كانت الحكومة المركزية ” بجلالة قدراها” لم تستطع فجلبت لنا موادا غذائة رديئة وفاسدة وباهضة الثمن , بسبب فساد الموردين والتجار والوسطاء من الجهات الرسمية وغير الرسمية, واذا كان التجار والوسطاء استغفلوا الدولة المركزية او اشتروا مسؤوليها برشى – مع وجود كل تلك الرقابات – فكم هو سهل عليهم شراء المسؤولين المحليين واستغفال حكوماتهم المحلية الامية المشغولة بالتصارع , والتي لا يطالها  الا القليل من عمل الجهات الرقابية الضعيفة والمخترقة ” اصلا” من قبل الفاسدين .