23 ديسمبر، 2024 12:15 م

البصرة أخر خنادق الخليج

البصرة أخر خنادق الخليج

ليس غريبا على من يتابع الأحداث الدائرة رحاها في العراق، وليس مستغرباً ان تؤول الأحداث الى ماهي عليه من تفريغ المجتمع العراقي من مكونات معينة وفي مناطق معينة بالتحديد ، فالعملية التي كرسها الإحتلال لإدارة العراق بنيت على مبادىء المحاصصة والطائفية ، وأريد لها أن تستمر وفق هذا النهج دون غيره لإحداث تغيير ديموغرافي على مساحة الجغرافية العراقية للذهاب نحو تقسيم العراق بهدوء ودون معانات أو منغصات ، وخير من ينفذ هذا النهج أو الأسلوب هي إيران ،لما لها من باع طويل في اللعب على أوتار الطائفية وإستغلال مشاعر البسطاء نحو تأجيج هذا النهج وتحريك مفرداته كلما شعر القائمون على الطائفية المذهبية أنهم بحاجة لذلك نتيجة حصار أو تعطل لمصالحهم ، أو حتى خوفهم من فقدان بعض المواقع هنا أو هناك فتراهم يلجأون الى بنود أقرت في طيات دستور أعد ليكون مفخخ ينفجر حال الحاجة بوجه العراقيين ، وليؤسسوا من خلاله كانتونات تبيح لهم الإستمرار والتواجد على الساحة من أجل تحقيق مأربهم الشريرة، وهو مايترجم اليوم الى أفعال لاتخرج عن هذا الوصف في محيط بغداد وديالى وبشكل واضح مؤخراً في البصرة وذي قار ( الناصرية).
الشعور الذي يتملك الفرس اليوم بخسارة مواقعهم في الشام ( سوريا) ، وتفكك مشروعهم الطائفي المقيت الذي طال عليه الزمن عبر الحلف المتين مع الأسد الأب ومن ثم ابنه بشار من بعده ، هذا الشعور دفع بأولئك الأشرار الى البحث عن بدائل تعوضهم خسارتهم التي باتت وشيكة اليوم أكثر من أي وقت مضى، حتى بعد تأجيل الضربة المزمعة والتي تعد لها الولايات المتحدة ضد نظام الأسد في سوريا بعد ان مارس هذا النظام القمع والقتل والتشريد بحق أهلنا بالشام ، وكان اخرها استخدام الأسلحة الكيمياوية لأحداث أكبر تأثير على ساحة العمليات الدائرة هناك لصالح نظامه ، والتي انعكست نتائجها عليه ، وبات التهديد بزواله على قائمة الأولويات التي يدعوا لها المجتمع الدولي ، على الرغم من التواطؤا الروسي وطرحه لمبادرة تعرقل الجهود الرامية لإزالة هذا النظام المجرم وتأثيراته القمعية ضد شعبنا العربي السوري الشقيق.
هذا التصور دفع بالفرس الى البحث عن بدائل لتلك الخسارة المحتملة على الرغم من زجه لقوات حزب الله الطائفي للتأثير على مجريات الأمور فنيا وعسكرياً، إلا ان هذا لم يأتي بما يكرس بقاء الأسد بل زاد من نقمة المجتمع الدولي ، ودفع الى تصعيد الأمور نحو ما نتج عنها من استخدام السلاح المحرم، وخير البدائل المتوافرة واسهلها بكل تأكيد هو ماتوفره الساحة العراقية المسيطر عليها إيرانياً وبشكل دقيق بتاثير أدوات أعدتها إيران من التابعين لها ، وأستخدمت الأجتياح الأمريكي كمطية تحقق لها ماتصبوا اليه وبأقل الخسائر، فكان أن دفع الأمريكان الأمور الى احتلال العراق وتسليمه بإرادتهم الى الفرس على طبق من ذهب  (والتعبير للأمير سعود الفيصل) وزير الخارجية السعودي المخضرم.
الورقة الرابحة التي تلعب بها إيران الشر اليوم ، هي ورقة السيطرة على القرار العراقي وتبعيته، ومن خلالها تحرك مليشياتها كيف تشاء واينما تريد نحو خلق هذا التغيير في التركيبة السكانية بالمدن العراقية وفق تصوراتها دون رادع أو رقيب ، وبمساعدة القوات الحكومية التي هي أصلاً مليشيات دمجت في تلك القوات منذ تأسيسها وفق منظور طائفي ، لتكون الغلبة لمن أسس وكرس ودرب وجهز وهي إيران بكل تأكيد ، حتى جاء وقت الحصاد ، جنوب مغلق على طائفة واحدة يستبعد منه بقية الطوائف ، والتي هي أصلاً مستبعدة من عملية القرار والتأثير بحكم الدستور المسخ الذي فرضه الأمريكان واستغلت إيران نقاط الضعف فيه لصالحها دون سواها.
وبتفريغ الجنوب عامة ، والبصرة خاصة من المكون السني الذي كان يميز طابعها المعروف ويطغى على وصفها، بأعتبارها ملاصقة للخليج وتشبه طبائع أهلها ماعليه أهل الخليج العربي بحكم الإمتداد والتصاهر، وبحكم الإنتشار الذي عليه عوائلها في كل مناطق الخليج ودوله ، تكون إيران قد حققت مبتغاها من عملية التهجير القسري للسيطرة على البصرة وعمقها في الناصرية ، وتحويل المدينتين بالإضافة الى مدن ديالى وحزام بغداد الى مناطق مغلقة بالكامل (شيعية المذهب ، إيرانية الهوى)، مع الإعتذار لأهلنا الشيعة في كل العراق الرافضين لهذا النهج التوسعي الفارسي المقيت.
وبحكم هذا التصور ستكون أطراف الخليج عرضة للتوسع الفارسي العنصري عبر البصرة التي ستكون مفتاحاً للإنتشار في تلك البلدان ، إن لم تستبق بلدان الخليج هذه الأحداث لتقف بوجه المشروع الفارسي التوسعي والذي يسعى علانية لإبتلاع الخليج ودوله وضمها الى حدود الدولة الفارسية، هذا إن لم نستبعد الإحتلال الفارسي للأحواز العربية المحتلة منذ عشرينيات القرن الماضي وما تبعها من السيطرة على مقدرات تلك المناطق الغنية بالبترول ، والذي تستغله الدولة الفارسية المارقة منذ قرن مضى للتأمر على الأراضي العربية وسكانها ، وافتعال الأزمات تلو الأزمات نحو جعل المنطقة تعيش على برميل بارود لايهدأ ، والحال منذ الشاه مرورا بالخميني وحتى يومنا هذا.
عروبة الخليج اليوم أكثر من غيره مهددة بالزوال والخطر، والواضح من قراءة المشهد السياسي الذي تعيشه المنطقة منذ إحتلال العراق وقبله منذ تسعينات القرن الماضي ، إن هناك اتفاقاً ضمنياً بين القوى الكبرى متمثلة بالغرب وأمريكا مع إيران بالضد من المصلحة العربية ، وهو ما لمسناه في أكثر من موقف ، وليس أخرها موضوع النووي الفارسي وتفاصيله التي مر عليها سنين من الحوار والنقاش ، لم توفره تلك القوى للعراق أبان أزمة مايسمى ( باسلحة الدمار الشامل) بل سعت تلك القوى الى استصدار حزمة من القرارات تقيد العراق وتدفع به الى الدمار وبمساعدة العرب ، حتى بانت النوايا واتضح فيما بعد كذب الإدعاءات وزيفها ، وأعترف بها بوش نفسه ، إلا أن الحلف الفارسي الأمريكي أستمر بالضد من المصالح العربية حتى بعد أن تم تدمير العراق وتسليمه لقمة سائغة للفرس.
إن الحدود الخليجية اليوم تحت مرمى نيران الفرس بعد أن سيطروا على البصرة، وهذه المدينة العربية ، والتي تعد أولى الأمصار الإسلامية ستكون معبراً يستغله الفرس نحو الانتشار في كثير من مدن وبلدان الخليج ، والحديقة الخلفية التي يعتمد عليها الفرس كبعد إستراتيجي للمناورة والمطاولة بما تملكه من إحتياطي نفطي هائل بالإضافة الى إحتياطيات الغاز المتوافرة فيها، وكلنا يعلم أن إيران بهذا التصرف تحاول أيضا كسر الحصار الإقتصادي المفروض عليها منذ زمن ، لذلك تسعى جاهدة لإستغلال مخزون البصرة للتعويض عما أصابها من ضرر نتيجة ذلك الحصار، ناهيك عن اتخاذها كرافد يدعم اقتصادها الحربي ويساعد في عمليات المطاولة والمناورة إن هي أضطرت لفتح جبهات جديدة غير السورية، ولمد آلتها العسكرية بماتحتاج اليه ، واستمرار الدفع لحزب الله ومرتزقته بعد ان ايقنت أنهيار اقتصادها وعدم قدرتها على مواصلة ضخ الإموال من الخزينة الإيرانية.
الإيرانيون اليوم على مرأى من الكويت ، وعلى أعتاب البحرين ، ثم أن الحدود السعودية ليست ببعيدة عن البصرة ، بل سيشكل تواجد الفرس في البصرة إستكمالا للطوق الذي ستحاصر به السعودية ، فهي من جهة تسيطر على النجف وكربلاء ومن ضمنها الحدود الطويلة مع السعودية ،ومن جهة ثانية فهي تتحكم بمفاصل البصرة وحدودها ، وهنا سيكون بأمكانها تهديد مؤانى السعودية على الخليج وصولا الى هرمز الذي تسيطر عليه بالكامل ، بعد ان تغافل العرب مجتمعين لأمنهم القومي وتركوا ( الأحواز العربية) محتلة من قبل الفرس طيلة هذه السنين ، والتي منحتهم القدرة والسيطرة التامة على مدخل الخليج ومخارجه المتعددة بأستكمال سيطرتهم على البصرة.
البصرة اليوم تمثل أخر الخنادق التي تدافع عن الخليج ، وهي بسقوطها بايدهم سيتم من خلالها تحكيم السطيرة على مدنه وموانئه ، ومن ثم تحقيق الحلم الفارسي الذي طالما تمنوه لإطلاق مسمى ( الخليج الفارسي) وبشكل رسمي ، بعد سيطرتهم التامة على ضفتيه.