18 ديسمبر، 2024 9:39 م

من الملاحظات المتكررة , أنك عندما تجالس ذوي العمائم واللحى والمدعين بأنهم يمثلون دين ما , تجدهم قد تيقنوا بأنهم المثل الأعلى والآخر دونهم , ومن واجبهم هدايته إلى صراطهم المستقيم , لأنه في عوج وبهتان يقيم.

أي أنهم يتمنطقون بالهداية ويضعون على عاتقهم العمل على إخراج الآخرين من ضلالاتهم , والأخذ بأيديهم إلى حيث يعتقدون ويتصورون وفقا لرؤاهم المطلقة المتمترسة , التي عليها أن تسود وتمحق وتدوم.

وهذا السلوك من صلب معاني الأصولية الفاعلة بالبشر والآخذة به إلى ميادين سقر , فالأصولي يرى أن ما يعتقده هو الحقيقة المطلقة وما عداه كفر وضلال , ومن واجبه أن يترجم مطلقه الإعتقادي إلى فعل مهما كلف ذلك من جهد وخسران , لأن ما يراه هو طريق الحق المطلق , والدرب المعبد بالورود إلى جنات النعيم والرغد الرغيد.

ويبدو أن الأصولية ليست خاصة بالمعتقدات الدينية , وإنما هي وباء يتوطن العديد من الحالات الحزبية والثقافية والفكرية , وأي تجمعات بشرية ذات رؤية تلتف حولها وتدين بها.

فالأصولي مطلق محّاق , ويتعبد في محراب أوهامه , ويندفع بشراسة نحو ما تمليه عليه هذه الأوهام الفاعلة فيه والمستحوذة على حواسه ورؤاه , فتجده مندفعا نحو التعبير عنها بعنفوان الكلمة , واليد وما تمكنت من الإمساك به من آلة عدوان وخراب وخسران.

ولا يمكنك أن تتحاور مع الأصولي , لأن الحوار لا وجود له في قاموس وعيه , وإنما كلمته هي الكلمة , ورؤيته هي اليقين المطلق والحق المبين , وما غيرها عدوان مهين.

ولهذا فأن الدعوات التفاعلية مع الأصولية فاشلة , وتزيدها تخندقا وتمترسا وإمعانا بالتمسك بما تراه , وتملؤها حقدا وكراهية وعدوانا على الذي يحاورها , ومن الأفضل تجنبها وإهمالها وصناعة الوعي الجمعي المعاصر , الذي يسد الأبواب بوجهها حتى تذبل وتذوي وتغيب , أما الوقوف المباشر أمامها فأنه يقويها ويجلب لها أنصارا ومدافعين ويحفز قدراتها على التجنيد.

وكأنها حالة قائمة في دنيا البشر , فتراه يعبّر عنها في ميادين نشاطاته المتنوعة , كالثقافية والأدبية والسياسية والفكرية , وما أكثر الأصوليين المدعين بالثقافة والمتوهمين بأنهم يملكون مطلق المعرفة بما يقدمونه من كتابات ونصوص , وما هم إلا من الأصوليين وفي غفلة يعمهون , لأنهم يتصورون حيازتهم للمطلق , وينكرون نسبية الوجود وضرورات التغيير الفاعل في نهر الحياة الجاري.

فهل أن الأصولية داء مستطير؟!!