البشر قد يتحول إلى بضاعة يتاجر بها بشر تابع راتع , ومُستعبَد بقوةٍ تُأسّده على الآخرين , ليفترسهم ويتاجر بهم في سوح الخسران والدمار.
والمجتمعات التي تعاني أتعس الأحوال , وتنوء من خطوب الكراسي ونوازع السلطان , هي التي إرتضت لنفسها مصير البضاعة البشرية , التي تُباع وتُشترى في أسواق المصالح والمشاريع , والتطلعات العدوانية الهادفة لإستلاب وجود الناس ومصادرة ثرواتهم وممتلكاتهم , ولهذه الغايات تُختَرع المُسميات والتوصيفات التي تغرر البضائع البشرية , وتدفع بها إلى أتون النيران والغياب في أفواه التراب.
ويقوم بدور الفتك بالمجتمعات أشخاص من أبنائها تم إعدادهم وتأهيلهم وتوريطهم , والقبض على مصيرهم ووضعهم في دوامة التفاعلات الإهلاكية , التي عليهم أن ينفذون فيها الأوامر وحسب , ويرددون المعاذير والمسوغات المُلَقنة لهم أو المفروضة عليهم , وكلما قاموا بتأدية مهمة تدميرية يحصلون على مكافآت مالية وسلطوية , تساهم في تعزيز وتكرار السلوك التدميري الخلاق لأوطانهم وشعوبهم.
والأدلة على هذه الحالات معروفة وفاعلة في العديد من المجتمعات , التي فقدت أمنها وعمرانها وشرّدت إنسانها , وخرّبت كل ما يشير إلى معالم مدنها ودورها الحضاري.
إنها لعبة متوحشة شرسة لا يُعتب فيها إلا على أبناء المجتمعات الذين تحوّلوا إلى أدوات , أو روبوتات تحت التصرف المطلق لعدو الشعب والطامع بأرضه , وهم يؤدون المهمة بأروع ما يمكن أن يكون عليه التنفيذ والإخلاص لسيدهم المُطاع أبدا.
فلا يمكن لأية قوة مهما تمكنت أن تنال من شعب أو وطن , إلا بتعاون أبنائه ومشاركتهم في إفتراسه وتدميره ومحق وجوده , والمثال الواضح كوبا وفيتنام وكوريا وغيرها من المجتمعات , التي خلت من الذين يتآزرون مع أعداء بلادهم لتحقيق نوازعهم الفردية والفئوية والعاهية , والتحول إلى سلاح بأيدي عدو الشعب لتدمير الشعب.
وما أكثر هؤلاء في مجتمعاتنا وما أسعد المستعينين بهم لأنهم يكتفون بهم أروع الإكتفاء , ولا يكلفهم الوصول إلى أهدافهم سوى برمجتهم وتوفير السلاح والعتاد لهم , وتقديمهم على أنهم الأنبياء والأولياء والقادة الأفذاذ , وعلى البضائع البشرية أن تذعن لهم وتلبي أوامرهم وتموت في سبيلهم , ففي ذلك جوهر الشهامة والقوة والشجاعة والبسالة.
ويبقى المأجورون يتاجرون بالبضائع البشرية , التي علّبوها بالدين وغلفوها بأغلفة براقة ذات مسميات مكتوبة بمداد الإنفعالية والعاطفية , وبقدرات التأهيل السلبي والتدمير الذاتي والموضوعي الإقراني , ويمضي البشر المرهون بهم إلى حيث الوجيع المتفاقم المتراكم.
فهل سينتصر البشر على الذين يتاجرون به , أَمْ أنه إستلطف مصير البضاعة؟!!