{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
ولد الشهيد.. البروفيسور د. رضا محمود فهمي بكر دميرجي، العام 1928، في كركوك، مكملا دراسته الجامعية بأنقرة، حائزا على دكتوراه الهندسة الزراعية والغابات.
عاد إلى العراق، تحت هاجس مثالي، لا صدى له… لأجل خدمة الوطن ومستقبل شعبه التركماني المشرق وبسمة الأطفال، تحثه على ذلك روح وطنية وثابة، إمتاز بها.
فضلا عن تفانيه الجاد في العمل، غرس غابات وعي بين أبناء القومية التركمانية، وسواهم من شباب واعٍ إلتف حوله، من دون ان يعنى بإنتمائه الأثني.. لا طائفيا ولا عرقيا، إنما تماهٍ مع الفكر الحر.
تزوج من ندرت.. كريمة أ. سعيد بسيم، وأنجبا ثلاثة بنين.. محمود و سعيد وأصلان، وبنتاً واحدة.. أوكلر، مقيمون في تركيا.
د. دميرجي من مؤسسي نادي “الاخاء” وأشرف على مكتبته منذ 17 نيسان 1960؛ إيمانا من الهيئة الإدارية بأهمية المكتبة كونها مرفقا حيوياً.
ولأنه ذا عقل راجح التخطيط والبناء والتصورات، التي ينظر لها، ويعمل مع رفاق معارضين لديكتاتورية رجال إنقلاب 17 تموز 1968 الدموي؛ إعتقله أجهزة الأمن البعثية، في تموز 1979؛ فإستشهد تحت التعذيب ولم تسلم جثته إلى عائلته لحد الآن؛ إذ ألقي في حوض (تيزاب) ذاب فيه متلاشي الجسد.. خالد الفكر.
لم يستفد العراق من علمه؛ إذ عاجله البعث الصدامي، الذي يقوده الطاغية المقبور من مواقع عدة في الحكم.. نائبا ورئيسا، مبددا معين مائه الزلال.. صافي العلم، كالسراب في السبخ!
من غرائب المصادفات، أن يوم إعدامه، 16 كانون الثاني 1980 هو نفس يوم استشهاد أخوانه في النضال.. الزعيم عبد الله عبد الرحمن ود. نجدت قوجاق ورجل الأعمال عادل شريف، وكلهم من التركمان.. أعدموا في الليلة ذاتها، من سنوات تالية.. بالتتابع؛ بعد ان ذاقوا عذاباً يفوق الوصف، في دهاليز معتقلات الأمن العامة، من دون تهم واضحة، فقط لأنهم يفكرون بإعتداد إحتراما لذواتهم؛ وهذا ما يستكثره الطاغية صدام وحزبه، على شعب العراق الأصيل، بفئاته المتآخية كافة.. عربا وكردا وتركمانا وسواهم؛ فدولاب الدم البعثي.. ما زال دائرا، يلتهم السنة والشيعة والمسيحيين و… كل نبض شريف؛ لأن أي كريم نفس عالي جناب عزيز قوم، يستفز مهانة الاستقواء البعثي بالباطل.
رحم الله البروفيسور د. دميرجي، خالدا بعطائه وإلتفاف أبناء جيله حول أفكاره التنويرية، التي أخذته الى الموت عزيزا مترفعا، أمام ذعر جلاوزة الأمن العامة، من موقع قوة محبطة.. “إن الباطل كان زهوقا”.