27 نوفمبر، 2024 7:59 ص
Search
Close this search box.

البرلمان يتضخّم!

البرلمان يتضخّم!

جاء في المادة (٤٩) من الدستور العراقي: “يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة…” وبهذا يصبح عدد أعضاء مجلس النواب في دورته المقبلة (السادسة) بعد التعداد العام للسكان (٤٥٥) نائبًا وفق المعادلة الدستورية. لكن، هل هذا العدد منطقي وفق تجربة المجلس النيابي العراقي، أم يتضمن مبالغة كبيرة؟

إذا أخذنا نشاط ممثلي الشعب بنظر الاعتبار، نجد أن في كل دورة يبرز عدد محدود من الأعضاء، لا يتجاوز في أفضل الحالات خمسين نائبًا، بينما يبقى الثقل النيابي الأكبر في حالة من “البطالة المقنّعة”. هؤلاء يكملون أربع سنوات ويحصلون على التقاعد دون أي أثر يذكر. بمعنى أن العدد الأكبر (الخامل) لا يستحق أن يمثل مائة ألف نسمة، في حين أن الجزء النشط منهم يستحق تمثيل محافظة كاملة، لأن نشاطه لا يقتصر على دائرته فقط، بل يتجاوز المناطقية ليمارس دورًا رقابيًا فعالًا. هذا الدور قد يزعج السلطات التنفيذية، لكنه “إزعاج إيجابي” يؤدي إلى استقامة الممارسة الحكومية ويحد من استغلال النفوذ.

هنا نقف أمام صنفين من النواب: الأول لا يقدم شيئًا للآلاف الذين يمثلهم، ويتقاضى رواتب وامتيازات لا يستحقها، والثاني يمارس عمله بما يتناسب مع طبيعة النظام البرلماني، ويمثل إرادة الشعب بكفاءة.

تفرض علينا هذه التجربة التفكير في تحسين النوعية بدل الزيادة الكمية. وفي المقابل، يفرض علينا الواقع السكاني والدستور زيادة عدد أعضاء مجلس النواب بنسبة تصل إلى 38.29%، وهي نسبة مبالغ بها.

المبالغات، مهما كانت غير منطقية، ستستمر لأنها مدعومة بالنص الدستوري. وهنا يبرز السؤال: هل معادلة نائب لكل مائة ألف نسمة معمول بها في جميع البلدان؟

في بريطانيا، كل نائب يمثل مائة ألف نسمة. أما في أمريكا، فكل نائب يمثل سبعمئة ألف نسمة. هذه النسبة في أمريكا مرتبطة باعتبارات محددة، أبرزها معدل الولادات، حيث تبلغ 11.4 لكل ألف نسمة في أمريكا مقابل 11 في بريطانيا. عدد سكان أمريكا يبلغ 331 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد سكان المملكة المتحدة 67 مليون نسمة.

إذا قارنا هذه الأرقام بمعدل الولادات في العراق، الذي يصل إلى 29.5 لكل ألف نسمة، نجد أن نسبة تمثيل النائب للشعب في العراق غير منطقية. فعدد النواب قد يتجاوز ألف نائب بعد خمس دورات، وهنا تبرز الحاجة الملحة لتغيير المادة (٤٩) من الدستور. بدلاً من أن يكون النائب ممثلًا عن كل مائة ألف نسمة، يمكن مضاعفة هذا الرقم مرة أو أكثر، خاصة وأن المجلس النيابي بحاجة إلى تغيير نوعي لا زيادة كمية.

وعند التساؤل عن الآليات الممكنة للتغيير النوعي، يمكن تضمين الفقرة المعدلة إلزاما لمفوضية الانتخابات اجراء اختبار “قبول ترشيح” فضلا عن فرض تقييم سنوي لجميع النوّاب من قبل المفوضية وإسقاط عضوية غير المنتجين منهم او حرمانهم بعض الامتيازات. والعراق ليس استثناءً فبعض البلدان، ومنها امريكا والدول الإسكندنافية تجري وبشكل دوري تقييما للأداء النيابي والحكومي، اما كوريا الجنوبية فلدى برلمانها تقريرا دوريا عن اداء النواب يشمل الحضور ونوعية المداخلات.

أحدث المقالات

أحدث المقالات