نوابٌ يدافعون عن أنفسهم ومصالحهم ونزواتهم، لا عن الشعب ومصالحه! ما أن يجلسون على كرسي السلطة التشريعية؛ حتى يسدلون الستار فيما بينهم وبين جمهورهم الذي أنتخبهم، ويتنكرون لهم!
عضوية مجلس النواب؛ تمثل في حقيقتها، مقاماً تكليفياً لا تشريفي، فالنائب خادم للشعب لا متسيداً ومتسلطاً عليه. قال تعالى عز وجل: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً سورة الإسراء – الآية 37.
بالأمس دار حوار بيننا وبين أحد الأشخاص، رجلٌ لا أعرفه، التقيته في مكان عام. دار بيننا حوارٌ بشأن التصويت على مادة تقاعد كبار المسؤولين في الرئاسات الثلاث، تحدث ذلك الرجل قائلا: مما يثير استغرابنا؛ أن فلاناً خالف أمر المرجعية بتحفظه على قانون تقاعد الرئاسات الثلاث، ولم يصوت بـ (كلا) فالتحفظ يعني أنه يرى أحقية النائب براتب تقاعدي! كان ينبغي عليه أن يرفضه رفضاً قاطعاً.
كان حديث ذلك الرجل مفرحاً، بيد أنه سرعان ما أستدرك قائلاً: مع أنني شخصياً أرى أن النائب ينبغي أن (لايكسر) بعد خروجه من مجلس النواب، فالنائب إذا حضر مواكب عزاء أهل البيت عليهم السلام في المناسبات؛ لا يسعه أن يخرج منه حتى يدفع مبلغاً من المال، يتناسب مع شأنيته كنائب في البرلمان، لا أقل من (250,000 ألف دينار) لكل موكب عزاء، فالنائب ليس كباقي الزائرين، يدخلون المواكب ويأكلون الطعام، ثم يواصلون سيرهم نحو العتبات المقدسة، دون أن يصرفوا فلساً واحداً. كذلك عندما يحضر النائب مناسبة عرس أو عزاء؛ فلا يسعه أن يدفع شأنه شأن بقية الناس، فلا أقل من أن يدفع (100,000 ألف دينار) كذلك عندما يغادر النائب مجلس النواب، ينبغي أن يستمر على نفس المستوى وذات الشأنية.
كان ذلك الإستدراك غريباً جداً ومناقضاً لما سبقه من حديثٍ لذلك الرجل، والذي تبين فيما بعد أنه أحد أعضاء مجلس النواب الجدد، الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة!
يريد ذلك النائب، أن يجعل لنفسه ولأقرانه من النواب؛ مستوىً معيشياً متميزاً عن الشعب، بتكوين طبقة أشبه بالأرستقراطية، سواء إثناء عملهم داخل قبة البرلمان، أو حتى بعد خروجهم منها بإنتهاء الدورة البرلمانية، وكل ذلك على حساب الميزانية العامة، وأموال الشعب المظلوم والوطن المنهوب! ولكم أن تتخيلوا لو أفرز لنا كل أربع سنوات، قرابة (500) من كبار المسؤولين في الرئاسات الثلاث، يتقاضون راتباً تقاعدياً مهولاً، وكيف ستكون تلك الطبقة بعد عدة دورات!
أولئك النواب لا يستحقوا أن يمثلون الشعب، فكل من صوت على تمرير قانون تقاعد الرئاسات الثلاث، وكذلك من تحفظ عليه؛ فهو خائن لشعبه وللمرجعية، يتقمص دور الوجيه والوالي في حكومات الطغاة، ويخلعه على نفسه في حكومة الديمقراطية!
لا يستحق ذلك النائب، أن يكون عضواً في مجلس النواب، لأنه في الحقيقة سوف لن يكون ممثلاً عن الشعب؛ وإنما ممثلاً عليه!
عندما تجتمع العقارب، والأفاعي، والوحوش في جحر واحد، فأنها ستلد هجيناً من المتطرفين، والسراق، وسياسين قتلة، وجميعهم يطلق عليهم داعش!
دعونا نتكلم عن دواعش الساسة، الذين يبدعون في نشر الفساد، والخراب، والضياع، لكن العالم ينظر إليهم، وكأن أحدهم قديس، يتكلم بإسم الفقراء، وهذا هو الوباء الجديد، الذي تعانيه الحكومة، في ظل التداعيات السياسية والإقتصادية الراهنة، فمفاصل الدولة تعاني مفاسد كثيرة، وقلة من المسؤولين المخلصين، يدافعون عن حقوق الشعب المظلوم!
المنظومة الحكومية بحاجة الى العمل بكامل قوتها، لا أن تنفرد جهات أو شخصيات، بقرارات أو إجراءات، بمنائ عن الأطراف الأخرى المشاركة، في العملية السياسية التوافقية، وهذا العمل الجماعي المتكامل، سيترك إنطباعاً جيداً، على مستوى مَنْ يتعاون معك، في محاربة دواعش الإرهاب والقضاء عليهم، وبين مَنْ يحاول التمويه في المساندة والإسناد، ويكيل في سياسته بمكيالين، ومثل هؤلاء أكثر من أن نسميهم!
بعض من الناس الأحرار والمهمشين، لولا تضحياتهم ومقارعتهم للظلم والإستبداد، لما كان الحق ليولد، على أن الوجهة الأخرى، التي تحاول إقناعك بأن زمنهم الآمن، هو أهم ما ستفقده، لأن المكر السياسي الذي يمارسه ضدك، كرؤوس الإبر إن تحركت تجعلك تتألم، لعمق الجرح الذي تمركزت فيه، وإلا ما معنى أن تشيع الطائفية، في بلاد موحدة منذ الآف السنين، ولم يستطع أحد تفكيكها؟!
سؤال أقف أمامه متحيراً، لا أجد إجابة وافية له، وأراه مثل إمرأة حامل في مخاضها، فولدت سؤالاً: هل القادة الذين تسنموا قيادة البلد، ليس فيهم رجل حكيم بستطيع أن يقودنا، ويسير بنا الى بر الأمان؟!
الحوارات لا تعني شيئاً، إن لم تكن ذكية، وبما أن الشعب أكبر من الطغاة، فلا يمكن التصديق، بأن الأغلبية ليست على قدر كافٍ، من القيادة والحكمة لتحكم وطنها، أفضل من هؤلاء الجبابرة الفاسدين، بل إن مشاعر الضياع، وفقدان التوجه السليم، ينعكس سلباً على قيادته للبلد، فإن كان التسامح والخطاب المعتدل، هو الحاضر مع ساستنا، لبات العراق بمأمن عن الفوضى والعنف!
ختاماً: نحن بحاجة الى مجلس للرجال الحكماء، على مختلف طوائفهم، ودياناتهم، ومذاهبهم، وقومياتهم، للجلوس حول طاولة الحوار، وأن يكون حوار بناءٍ هو أهم ما نحتاجه اليوم، لحلحة الوضع السياسي، المفكك في كل شيء، ولا حلول غير الحوار الموضوعي الجاد، الذي يهدف الى عدم التعامل، مع الوضع العراقي بمبدأ الربح والخسارة، لأن النتيجة التي ترضي العراقيين وبقوة، هي عراق واحد موحد، والإرهاب صفر، ولا مكان له في أرضنا المقدسة!
شُكّل أول برلمان عراقي منتخب بعد إقامة نظام ملكي دستوري في سنة 1925، ودعا دستور سنة 1925 إلى برلمان من مجلسين هما
مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وينتخب مجلس النواب بناء على حق الإقتراع للمؤهلين.
ويعين مجلس الشيوخ (مجلس الأعيان) من قبل الملك. وقد أجريت مابين عام 1925 وانقلاب سنة 1958 عشر انتخابات تشريعية.
وتنشر وكالة الاخبار العربية الاوروبية ( اينا نيوز) الرواتب والامتيازات التي كان يتقاضاها أعضاء البرلمان العراقي عام ١٩٤٥ .
1- يستلم النائب راتب يعادل مايستلمه مدير المدرسة في ذلك الوقت
2- يتم قطع الراتب بعد انتهاء الدورة البرلمانية وهو غير مشمول بالتقاعد ويعود لمزاولة عمله السابق بعد انتهاء الدورة البرلمانية
3- لا يتمتع النائب باي حماية وله الحق بحمل السلاح دون امتلاكه
4 – يتم رفع الحصانة عن النائب ومحاكمته خلال اسبوع في حالة ثبوت ولائه لدولة اخرى
5 – ليس من حق النائب شراء اي عقار او العمل بالاستثمار طوال فترة عمله بالبرلمان
6 – يمنع النائب من السفر دون عمل رسمي خلال فترة وجوده في البرلمان
7 – في حالة غياب النائب بما مجموعه خمس جلسات بدون عذر رسمي يتم فصله من البرلمان
البرلمان العراقي في زمن صدام( المجلس الوطني)
أعضاء المجلس الوطني؛ طليان في مزرعة صدام..!
البرلمان العراقي بعد 70 عاما؛ أي في عام 2015 وما تلاه:
يستلم النائب راتب وزير، كما يستلم رواتب ثلاثين عنصر حماية،لا يُسأل عنها هل أن لديه هذا العدد أم لا، كما يستلم منحة؛ تعادل راتب 80 مدير مدرسة لشهر واحد، ويمنح مخصصات سكن؛ حتى لو كان لديه عشر مساكن، وتتكفل الدولة بمنحه قطعة ارض، في مكان مميز من بغداد، ويمنح مخصصات نفقات مكتب ومخصصات ضيافة مثل تلك التي يتقاضاها الوزير، وهو وبشكل أستثنائي، تتم معالجته خارج العراق على نفقة الدولة، حتى لو قلع ضرسا أو بواسير، كما أن الدولة توفر له “قافلة” من السيارات رباعية الدفع، و.. يتقاضى النائب راتب ومخصصات وتقاعد وزير، طيلة عمره المديد! لا يمكن رفع الحصانة عن نائب، حتى لو قضى حاجته على منصة رئاسة البرلمان! للنائب أن يشتري ما يشاء من عقارات، وله ان يستثمر الأموال ا في اي مجال يرغب، حتى في مجال صناعة الموت..! النائب يسافر متى يشاء، والى أينما يريد، حتى لو الى إسرائيل. لا حدود لعدد الجلسات، التي يمكن للنائب أن يتغيبها، وعدد حظور النواب؛ لم يتجاوز في أفضل الأحوال 250 نائب، من أصل 328 نائب، وهناك 100 نائب متغيبين على الدوام، وبعض النواب لم يحظر سوى جلستين أو ثلاثة، وأحدهم حظر الى جلسة لترديد القسم منفردا، وكانت تلك هي جلسته الأولى والأخيرة، ولم يحظر بعدها قط
ويحتج المتظاهرون على الرواتب الكبيرة التي يتمتع بها اعضاء البرلمان العراقي، والتي تبلغ اكثر من عشرة آلاف دولار شهريا لكل عضو، في الوقت الذي يعاني فيه اكثر العراقيين من ظروف معيشية صعبة، ولا تتمكن نسبة كبيرة من الشباب من الحصول على فرصة عمل.
كما يحصل كل عضو في البرلمان العراقي على مبلغ يصل الى 20 ألف دولار شهريا لمصروفات الأمن، ويحق لكل نائب الاحتفاظ بنحو 80% من راتبه، علاوة على مخصصات الأمن، بعد دورة واحدة من عضوية البرلمان، بالاضافة الى احتفاظه بجواز سفر دبلوماسي.
وعلى الرغم من منع وزارة الداخلية تنظيم هذه المظاهرات، وفرض اجراءات امنية مشددة لمنع الناس من الانضمام اليها، فقد تجمع المئات وسط بغداد، وكان من بين الهتافات “البرلمانيون سراق”، في إشارة إلى المرتبات والامتيازات التي يتقاضاها النواب والأخرى المخصصة للرئاسات الثلاث والتي تصل إلى مليار دولار سنويا.
ونقلت وكالة الانباء الفرنسية في تقرير لها عن عدد من المتظاهرين قولهم انه يجب انفاق هذه المبالغ الطائلة على الصحة والتعليم والكهرباء، وغيرها من الخدمات التي يحتاجها المجتمع العراقي، وانه “لا يحدث في أي مكان في العالم” ان يعمل عضو البرلمان 4 سنوات، ثم يحصل على 80% من راتبه باقي الحياة.
إن امتيازات ومرتبات أعضاء مجلس النواب تجهد موازنة البلاد التي تجاوزت 100 مليار دولار. واضاف قائلاً، أنه “لا يوجد في الدستور رواتب تقاعد لعضو مجلس النواب ولابد أن يعاد النظر في هذه القضية”.
وسط الخلافات المتأججة بين الكتل الشيعية حول تشكيل الحكومة الجديدة والمصير المجهول للعملية السياسية في العراق بالمرحلة المقبلة، انتقد مواطنون بغداديون عمل البرلمان والبرلمانيين مبينين أنهم”يبحثون عن مصالحهم الخاصة” فقط.
و إن هناك “اتفاقيات مسبقة والأمور منتهية”، مضيفاً أن “البرلمان غير مهتم بأمر الشعب ولا يفكر فيه بتاتاً”.
وان “ما يهمهم مصالحهم الخاصة، فالتهديدات التي تصدر من هنا وهناك ليست لأجل الشعب، بل لأجل مصالحهم الخاصة، ونسأل الله ان يجنب الجميع من الأمور السيئة”.
وتعتبر الخلافات السياسية الحالية كنسخة مكررة عن الخلافات السابقة بالأعوام الماضية، بقوله: “اعتقد ان الخلافات السياسية هي نسخة مكررة عن الخلافات السابقة في الانتخابات الماضية، في النهاية لابد من حصول تسوية سياسية بشكل او بآخر، وتعود الأمور الى مجراها الطبيعي”، وأن “العملية السياسية عملية ديمقراطية، وبالتالي هناك مكاسب انتخابية وسياسية، وكل طرف سياسي يعتقد انه على حق”، مبيناً انه “بالنهاية الأمور لا تحتاج كل هذا التضخيم والتهويل”.
أن التوقعات للمستقبل “محبطة للغاية ونحو الاسوء”، مضيفاً أن “هذا ما نراه ونسمع به كل يوم”.
واستشهد الكثير من المواطنين بجلسة البرلمان الأولى لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، لافتاً الى أنها “لم تبشر بخير للشعب العراقي”.
وأعرب المواطن عن يأسه من تحسن الاوضاع، بقوله: “هناك صراعات سياسية بحتة، وما سبقها من خلافات كانت بذات الشكل، فماذا تتوقع بأن ننتظر للأفضل؟”.
وسوءالأوضاع التي تعيشها في البلاد، متسائلة: “ما هو ذنبنا ان يضعنا السياسيون وسط خلافاتهم وصراعاتهم على الكراسي والمناصب، متى تنظرون لنا ومتى تقولون ان هذا الشعب مسكين ويجب ان نحول حياتهم من الجوع والفقر الى الرفاهية؟”، مؤكدة أنه “نريد ان نعيش كما تعيش شعوب الدول الأخرى، والتي كانت معيشتها أقل من معيشتنا والان اصبحت في تطور وتقدم وازدهار”.
وعن الحل الذي من شانه حلحلة الخلافات بين الكتل السياسية ونقل العراق الى بر الأمان، عبّر المواطنون على اختلافهم عن وجهات نظر مختلفة، ففي حين أظهرت توجهات البعض اليأس من حدوث أي تغيير، أكد آخرون ان الحلّ يكمن في تغيير سلوكيات صناع القرار الذين يقودون دفة الحكم، لا بل عبَر البعض الى تغيير النظام السياسي بكامله.
وعندما تكون هنالك مصلحة خاصة يجتمع البرلمانيون جميعهم، لكن عندما تكون المصلحة تخص الشعب العراقي فتجدهم كل واحد في زاوية يبحث عن مصالح شخصية وحزبية مهملين حياة الشعب، فالحكومة والبرلمان بوادٍ والشعب بوادٍ اخر”.
و ان الحلول تكمن في “تنازلات من بعض الأطراف، لاسيما من تحاول زعزعة استقرار البلد خلف الكواليس”، مؤكداً: “يجب ان يحجّم دورها حتى يستقر الوضع في نهاية المطاف بشكل عام وهذا ما نتمناه”.
و “الحل الأنسب لنا كشعب عراقي هو حل البرلمان وتحويل الحكم من نظام برلماني الى رئاسي، لان هذه الصراعات لن تنتهي مع وجود نظام برلماني، فالشعب العراقي لا يزال غير معتاد على هذه الانظمة السياسية”.
: “نحن لا نريد نظاماً دكتاتورياً بل نظام موحد عادل”.
أن الحل بأن يفضّل السياسيون مصلحة الشعب العراقي على مصالحهم الشخصية والحزبية”، لافتة بنفس الوقت الى ان ذلك مستبعد.
“لا في الوقت الحالي ولا مستقبلاً سيهتمون بأمور المواطنين، فلا يهمهم غير مصالحهم ومكاسبهم الشخصية، وخدمة أحزابهم وكراسيهم والجهات الخارجية التي جاءت بهم”.
تتنافس الاحزاب عادةً للوصول الى مواقع ادارة الدولة. ولذلك تعرض برامج مختلفة أمام خيارات المواطن للانتماء والدعم وللتصويت عند الانتخابات. وبظل غياب احزاب مركزية تشمل مساحة البلد بمختلف تنوعات مكوناته العرقية والدينية والطائفية, وبوجود احزاب كثيرة جداً, تلجأ الاحزاب لتكتلات قبل الانتخابات. ورغم ذلك فلم تشهد الانتخابات السابقة في العراق (ومن غير المتوقع ان تنتج أي انتخابات قادمة وفقاً للقوانين السائدة) حصول أي حزب او تكتل لوحده على الأغلبية الكافية لتشكيل حكومة في البرلمان. ولذلك تقوم هذه التكتلات لتشكيل تحالفات متنوعة لغرض تشكيل الحكومة. لا تقوم هذه التحالفات بالضرورة على تقارب البرامج الحزبية او الكتلوية التي عرضت على الناخبين. بل تتميز هذه التحالفات بالهشاشة وعدم وجود هوية برامج جامعة. مما يؤدي لتشكيل حكومات ضعيفة وغير منسجمة. ولا تتمكن الحكومات في كثير من الاحيان من تنفيذ برامجها المعلنة او شعاراتها بسبب تقاطع المصالح للكتل والاحزاب الكثيرة التي تتشكل منها.
والمهم اصلاح ركيزة النظام السياسي وهي الاحزاب السياسية, وبشكل يغير قواعد اللعبة ليحقق هدف أساس وهو تشكيل حكومة كفوءة وفاعلة ومسنجمة وقادرة على تحقيق برامج اصلاحية جوهرية. بإجراء تعديل طفيف على قانون الأحزاب رقم 39 لسنة 2015, واشتراط وجود الاحزاب بكل المحافظات , وبتنفيذ المواد المتعلقة بشفافية تمويل الاحزاب واعلان تقرير الحزب الدوري المطلوب رفعه لديوان الرقابة المالية, و بمنع الاحزاب التي تمتلك اجنحة مسلحة, و بضمان وجود انتخابات دورية شفافة داخل الاحزاب التي تكون مفتوحة الانتماء لكل المواطنين المؤمنين بأهدافها بدون شروط سيتوفر نظام حزبي مختلف يقود لنظام سياسي جديد.
الحل المقترح يوفر فرصة لحسم الاشكالات الاساسية داخل كل حزب قبل الانتخابات, ليصوت المواطن على برامج واضحة ومرشحين محددين للمواقع التنفيذية. يتم حسم القضايا الكبرى والمهمة بالانتخابات المباشرة بدل اللجوء لمساومات غير شفافة, وتأثيرات من جهات خارجية او داخلية غير منتخبة. بدون اصلاح النظام الحزبي, سيؤول النظام السياسي الواهن الى استمرار الضعف والتآكل ثم الانهيار.
رغم الاختلافات الكبيرة ظاهرياً بين الاحزاب المتنافسة في مواقفها من القضايا, خاصة أثناء الحملات الانتخابية, يبدو أن هذه الخلافات تختفي مؤقتاً خلال فترة تشكيل الحكومات و توزيع المقاعد الوزارية و المناصب التنفيذية العليا. ثم تعود هذه الخلافات الى الظهور بشكل مفاجئ, خاصة عندما تتعلق بتوزيع مغانم الريع والسلطة والمنافسة عليها. ليس من السهولة على الباحث ايجاد فوارق كبيرة بين حزب الدعوة الاسلامية (وجميع الجماعات المنشقة عنه) وبين المجلس الاسلامي الأعلى (للثورة الاسلامية سابقاً) وبين التيار الصدري ( الاحرار , سائرون, الكتلة الصدرية) و تيار الحكمة (عراقيون), وحزب الفضيلة و باقي الاحزاب الاسلامية الشيعية. في القضايا المتعلقة بتوزيع الثروة او العلاقة بين المركز والاقاليم, لم تختلف الأحزاب اليسارية والقومية عن الأحزاب الإسلامية عندما يتعلق الأمر باختيار شركائها في التحالف ، بغض النظر عن الاختلافات الكبيرة في أجنداتهم. في انتخابات 2018 ، لجأ الحزب الشيوعي إلى التحالف مع حزب ديني له جناح مسلح لأغراض انتخابية ، رغم التناقض الكبير في وسائله وأساليبه. في الساحة الكردية ، جرت الأمور بطريقة مماثلة ، حيث إجتماع الأحزاب وانقسامها ليس على أساس أهداف مشتركة ، ولكن لتأمين التمثيل أثناء عملية تشكيل الحكومة. في المحافظات الغربية كما في أماكن أخرى ، تتنافس الأحزاب والتجمعات الانتخابية تحت شعارات محلية ووطنية ، لكن هذه الشعارات تختفي عند تشكيل الحكومات ، وتتحول إلى منافسة شخصية أو عائلية على المناصب وحصص المكون الطائفي في الحكومة ومؤسسات الدولة. مجمل الاحزاب السياسية النشطة, وعلى الرغم من شعاراتها الانتخابية وبرامجها الحكومية المقترحة, فإنها بنهاية المطاف تتوافق كأحزاب بعناوينها الطائفية والعرقية كاحزاب شيعية وسنية وكردية. يتم تشكيل الحكومات على أساس عدد ونوع الوزارات الممنوحة لكل حزب. لكن بمجرد تشكيل الحكومة ، تبدأ الخلافات حول جدول الأعمال في الظهور ، وبعد بضعة أسابيع أو أشهر تتحول معظم الأحزاب في الحكومة عادة إلى أحزاب معارضة في البرلمان.
في كل عام ، توافق هذه الأحزاب على إقرار قانون الموازنة بعد مساومة لا علاقة لها ببرامج الحكومة أو الأولويات الاقتصادية أو الرؤية النظرية للأحزاب لتوزيع الثروة. بدلاً من ذلك ، ينصب التركيز على الحصول على الفوائد ، إما شخصيًا أو لدوائرهم الداخلية أو شبكات المحسوبية أو الدوائر الانتخابية. وتتكرر نفس الادعاءات لتغيير القانون وتشويهه – لدرجة أن الحكومة في بعض الأحيان تتحدى القانون في المحكمة الاتحادية بعد مصادقة مجلس النواب عليه. وفي أكثر من حالة ، فشل مجلس النواب في الموافقة على الموازنة خلال عام كامل (كما في 2014 و 2020).
عند إجراء مراجعة تفصيلية لكيفية تشكيل التحالفات الحزبية لجميع حكومات ما بعد 2003 وكيفية تعاونها, نجد انها تركز عادةً على المصالح الشخصية او الفئوية وليس على البرامج المعلنة. ولذلك لا غرابة أن تتقاعس هذه الأحزاب عن تنفيذ برامجها الحكومية ووعودها الانتخابية
قادت طبيعة التوزيع المحاصصي للوزرات خلال جميع الادارات التي تولت الحكم بعد 2003 الى ضعف هيكلي أثر على طريقة أصدار الأنظمة والقرارات التنفيذية من مجلس الوزراء. وفقاً للدستور فإن مجلس الوزراء يمارس صلاحية “تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة, والخطط العامة, والإشراف على عمل الوزرات والجهات غير المرتبطة بوزارة. ويقترح مشروعات القوانين, بالاضافة لإصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات لتنفيذ القوانين” (مادة 80). عادة ما يتزامن توزيع الوزارات على الأحزاب بعد الانتخابات, لغرض تشكيل الحكومات, وليس وفقاً لبرامجها وتفضيلاتها. ولغرض أكمال نصاب تشكيل الحكومة يضطر المكلف لرئاسة الوزراء, في احيان كثيرة, للقبول بخيارات هذه الاحزاب لإشغال الحقائب الوزارية, بغض النظر عن توافقهم مع برنامجه وخططه, وبغض النظر عن مقدار كفاءتهم لشغل الحقيبة الوزارية. شكا معظم رؤساء الوزراء لحكومات ما بعد 2003 في مناسبات كثيرة من أداء وسلوك بعض وزراءهم. كانت الوزارات تمثل إقطاعات شبه مستقلة للحزب الذي رشح الوزير حتى لوكان شخصية مستقلة. يعزى ضعف الحكومات في كثير من الأحيان بسبب تشكيلها من ممثلي لأحزاب متقاطعة سياسياً وبرلمانياً, بدل كونهم اعضاء منسجمين في كابينة حكومية واحدة. التناشز الحكومي وعدم التطابق لم يؤدي الى اضعاف قدرة الحكومات على اتخاذ قرارات قوية فحسب, بل أثر على طريقة تنفيذها أيضاً. من خلال دراسة داخلية أجراها مكتب رئيس الوزراء قبل سنوات, أظهرت ألغاء 68 قراراً من القرارات التي أصدرها مجلس الوزراء في فترة اقل من عامين من اصدارها, بسبب ضعف دراسة موضوع القرار, أو بسبب الضغوطات السياسية المنعكسة على المجلس.
أدى تداخل سلطة اتخاذ القرار وتعارض السلطة بين الوزارات أو الأجهزة الحكومية المختلفة إلى ظهور أزمات في كثير من الأحيان، ومن الأمثلة على ذلك: التقاطعات المتكررة بين وزارة المالية والوزارات الأخرى, وبين وزارتي النفط والكهرباء, وبين الوزارات والجهات الأمنية المختلفة التي قد تصل لصدامات او تقترب من مواجهات في بعض الاحيان. يتولى مجلس الوزراء, وفقاً لمهامه الدستورية, إعداد مشروع الموازنة العامة والحسابات الختامية وخطط التنمية. تحاول وزارة المالية عادة إقناع (أو فرض) الخطوط العامة للإنفاق المخطط للعام القادم قبل نهاية شهر اكتوبر من كل عام, ليتم التصويت عليه في مجلس الوزراء.ثم يتم ارساله لمجلس النواب لإقراره قبل نهاية العام. منذ سنوات عديدة, وبسبب ضعف التوافقات الحزبية وتشتت المشهد السياسي, تأخرت عملية اقرار الموازنة لشهور عديدة, او تغيرت مسوداتها (المقترحة من الحكومة) بشكل كبير داخل مجلس النواب, بطريقة مخالفة لتوجهات الانفاق الحكومي والتزاماتها, أو قد يتعذر اصدارها لتلك السنة, مما يربك الاوضاع الاقتصادية والمالية ويؤثر على الاستقرار الأمني والإجتماعي.
والمنظومات الحزبية لم تنجح في ترسيخ صيغ مؤسساتية للتعاون بين الائتلافات على المستوى الحكومي أو البرلمان
على المستوى الفكري فإن الاطار المرجعي والفكري لكثير من الاحزاب العراقية و مساحة عملها واهدافها غير منحصرة بالعراق, وتظهر البعد غير العراقي في الشعارات والاهداف , بما في ذلك الإسلاميين الشيعة والسنة والقوميين العرب والأكراد والتركمان وغيرهم, بإعتبارها عابرة للحدود. المفارقة هنا أن هذه الاحزاب غير عابرة للطوائف والطبقات والمناطق داخل العراق الواحد نفسه.
و تتركز جغرافية انتشار الأحزاب العراقية و انتماءاتها وقياداتها في مناطق معينة من العراق. بمراجعة لتوزيع الاحزاب الفائرة في الانتخابات التي جرت بعد عام 2005 نجد أن الاحزاب الكردية الرئيسية تحتكر التمثيل الانتخابي للمحافظات الداخلة في اقليم كردستان. و تحتكر الاحزاب الشيعية التمثيل الانتخابي لمحافظات الوسط والجنوب. وتمثل الاحزاب السنية معظم التمثيل الانتخابي في المحافظات الغربية مع استثناءات قليلة. لم يسبق أن فاز أي حزب عراقي بممثلين في جميع المحافظات العراقية خلال أي من الدورات الانتخابية الخمسة التي جرت بعد اقرار الدستور. ولم يفز أكثر من 4 أحزاب او تحالفات بأصوات 10% من الناخبين في اي دورة انتخابية سابقة. في انتخابات 2005 ، كان هناك ثلاثة تحالفات فقط حصلت على أصوات تمثل 10٪ أو أكثر من الناخبين ، بينما في عام 2010 كان هناك أربعة ، في عام 2014 كان هناك واحد فقط ، وفي عام 2018 كان هناك ثلاثة. ومع ذلك ، حتى في هذه الائتلافات ، كانت الأحزاب الممثلة بشكل رئيسي في مناطقها الطائفية والعرقية مع استثناءات قليلة جدًا.
وتميزت الأحزاب العراقية بعدم وجود تغيير في قياداتها. معظم القادة الكبار للاحزاب والحركات السياسية الرئيسية لم يتغيروا نتيجة انتخابات داخلية الا في حالات نادرة. يمثل رأس كل حزب علامة بارزة يمكن ان يختصر فيها الحزب في كثير من الاحيان. وتسمت بعض الاحزاب بأسماء عوائل أو مناطق او طوائف أو أثنيات وبشكل غير موارب.
ساعد غياب الحوكمة والمأسسة في هياكل الاحزاب,على تفسير ضعف المسائلة الحزبية او التقييم للقيادة, وقد أدى لزيادة الاتهامات بالفساد. و رغم أن المادة 33 من قانون الاحزاب السياسية قد حصرت مصادر تمويل الاحزاب بالاشتراكات الداخلية والتبرعات والاستثمارات الداخلية, فإنها اشترطت الإعلان عن كل موارد الحزب في جريدة الحزب والتصريح بها أمام ديوان الرقابة المالية في تقريرها السنوي الذي يفترض رفعه لمجلسي النواب والوزراء ودائرة الاحزاب. كما أنها منعت من السماح للتمويل الخارجي (مادة 37/ثانياً). من جانب آخر منعت الاحزاب من استغلال نفوذها في مؤسسات الدولة وشركاتها ( مادة37/أولاً) أو ممارسة أي نشاط سياسي في الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة واستغلالها لتحقيق مكاسب حزبية او سياسية ( مادة 24/خامساً ), كما حضرت من التنظيم والاستقطاب الحزبي في صفوف الجيش والمؤسسات الأمنية الاخرى والقضاء والهيئات المستقلة (مادة25/خامساً).
لسوء الحظ, فإن تقارير ديوان الرقابة المالية حول الاحزاب (في حال وجودها) غير متاحة للجمهور. ومع ذلك فإن ملفات هيئة النزاهة و إعترافات النواب والسياسيين اتهاماتهم المتبادلة المعلنة لخصومهم تشير لتغلغل غير خاف للاحزاب وقياداتها في مفاصل الدولة والاستفادة من مواردها من عقود وتعيينات وعمليات غسيل اموال وبطرق غير مشروعة.)
كما أن غياب مشروع وطني للتحديث وبناء الدولة, أعطى سبباً لأحزاب كثيرة لتبرير انخراطهم ودورهم في الفساد, وتبني أنماط متغولة على الدولة ومضادة لأطرها الحديثة والدفاع عن ذلك بتبريرات مختلفة. من الاشكاليات التي حاول كاتبي الدستور وضع خطوط دقيقة لها هي علاقة الدين ومؤسساته بالدولة. غير أن معظم الأحزاب السياسية كانت تحاول الاستفادة من الغطاء الديني بشكل مباشر او غير مباشر, لدرجة أن بعض الاحزاب السياسية هي مجرد واجهات مباشرة لرجال دين محددين, أو ممثلين لتوجهات دينية محددة. وزاد هذا التماهي بين الديني والسياسي من صعوبة عملية تقويم واصلاح الاخطاء السياسية, إذ خلق سبباً اضافياً للصراع بين هذه الاحزاب لتقاطع التوجهات المرجعية لها. كما أدى الى بروز ظاهرة لجوء القيادات السياسية والحزبية للجوء لرجال الدين لحسم الخلافات السياسية لفقدان او تغييب المؤسسات الحزبية التي يفترض انها مصممة لحسم مثل هذه الخلافات.
ورغم أن للعشيرة والقبيلة دور تقليدي في المجتمع العراقي, فإن دور العشيرة قد شهد تذبذباً في حضوره وتأثيره في الساحة السياسية والحزبية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة قبل قرن. فكان زيادة نفوذها في مؤسسات الدولة وتأثيرها مؤشراً على ضعف الدولة والاحزاب السياسية عادة . وبعد عام 2003 كان للعشيرة حضوراً بسيطاً, ازداد بعد تأسيس ما سمي مجالس الاسناد والدعم العشائري والصحوات خلال مواجهات الدولة للمليشيات والتنظيمات الارهابية بعد 2007. غير أن اللافت للنظر هو زيادة حضور الشخصيات العشائرية في هياكل الاحزاب التي ترفع شعار تعزيز الدولة وسيادة القانون. إن حقيقة إضطرار بعض قادة واعضاء الاحزاب للجوء لسلطة القبيلة عند الاحتكام في النزاعات بين السياسيين هو مؤشر آخر من مؤشرات ضعف مؤسسات الدولة والاحزاب معاً.)
أعلنت معظم الاحزاب التي كانت تمتلك اجنحة مسلحة لمعارضة النظام السابق أنها قد حلتها بعد 2003 وتحولت لأنشطة مدنية. على اية حال عندما تهددت الدولة وإنهارت بعض مؤسساتها, بعد سقوط الموصل ومدن اخرى في صيف 2014, على يد تنظيم داعش, توفر سبباً لبعض هذه الاحزاب القديمة, بالاضافة لأحزاب اخرى جديدة تشكلت بعد 2003 وكانت تمتلك اذرعاً عسكرية, لمزوالة أنشطة عسكرية علنية وصريحة. وفقاً للمادة 32 من قانون الاحزاب السياسية, يجب حل أي حزب عند قيامه بنشاط ذي طابع عسكري او شبه عسكري, أو عند استخدامه العنف في ممارسة نشاطه السياسي. كما منع القانون الاحزاب من امتلاك أو حيازة أو تخزين الاسلحة الحربية أو النارية او المواد القابلة للانفجار.
وقد كانت أحد المشاهد المتكررة في العاصمة بغداد والكثير من المدن العراقية خلال السنوات الاخيرة, استعراض الاجنحة العسكرية لجهات سياسية بالسلاح, و دخولها احياناُ في معارك وصدامات وإستعراضات خارج سلسلة القيادة والسيطرة للمؤسسة الامنية الرسمية, مما يشكل ظاهرة واضحة للتناشز بين الدولة وعناصر اللادولة. لعبت صراعات النفوذ وتقاسم الريع دورات من التهدئة والتصعيد في التنافس والخلافات التي تعقب تحالفات تكتيكية بين الاحزاب واجنحتها المسلحة.
ومن خلال مراجعة جميع السمات التي تم مناقشتها أعلاه, والنظام الحزبي المشتت بعيد كل البعد عن أن يكون قادراً على الوصول بشكل مستمر لأهداف وطنية جامعة تستجيب للتحديات والمشاكل الكبيرة التي تواجه النظام السياسي العراقي.