23 ديسمبر، 2024 1:10 ص

البحر أمامكم والحكام وراءكم

البحر أمامكم والحكام وراءكم

خوض المخاطر، والإرتماء في الأمواج المتلاطمة، ليست نزهة، ولا برنامجاً مسلياً للمجازفات الأكثر مشاهدة في العالم، وإنما هو هروب من واقع مخيف صنعه الحكام بعناية لإسكاتنا وسلب إرادتنا، ومن إنتفض أو إعترض كان خائناً وعميلاً لدولة أجنبية، وهذه التهمة عقوبتها الموت لسابع ظهر، ثم توسع الحكام في عمليات القتل والتنكيل بشعوبهم بذريعة محاربة الإرهاب الى حد الإبادة الجماعية بالقصف الجوي، والبراميل المتفجرة، والصواريخ ، والمدفعية، وكل الأسلحة الأخرى التي تتسلح بها الدول لمواجهة عدو خارجي، لكن حكامنا، كما يبدو، يفضلون ذوي القربى، حتى لايقول قائل ” وين راحت فلوس السلاح”، ويتحقق المثل القائل” مركتنه على زياكنه”!!.
تدفق المهاجرين ، ومن جميع الأعمار، يعبر عن حالة يأس من إصلاح الأوضاع في أوطانهم، والا كيف تفسر تعريض أطفال ونساء للموت غرقاً، في بحر لجيّ، على أمل العبور الى الضفة الأخرى، التي باتت تمثل الحاضر والمستقبل معاً، من دون حسرة، ولا حسفة على ماوراءهم، مع أنه وطن، لكن الحكام نجحوا في إنتزاع حبه والإنتماء اليه، ولاسيما بعد أن تبرقعوا به، فأصبحوا هم الوطن، وسواهموا العدو فاحذروهم.
وإزاء حركة الهجرة، خشى الحكام الا يبقى في الأوطان غيرهم، وشرذمة المنتفعين، وأدوات القتل والترويع، فمن يحاكمون ياترى، وبمن يبطشون ؟ !، لذا بدأوا بسلسلة إجراءات، لعل أولها التضييق على السفر، ثم عقد إتفاقات مع الدول على عدم إستقبال اللاجئين أو المهاجرين، وأخيراً المطالبة بإصدار فتاوى تحرّم الهجرة، مع أن الطبقة العليّة، كانت في أغلبها في الخارج، ووارد أمريكا وأوربا، لكن شر البلية مايضحك.
لكن، مالدليل على حرمة الهجرة ؟، ربما هناك شروط لها، غير أن الهروب من الظلم جائز شرعاً، وقد أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه بالهجرة الى دولة كافرة، وهي الحبشة، وعلل ذلك بوجود ” ملك لا يُظلم عنده أحد”، ويعني ذلك أنه حيث وجد العدل، فمن حق المظلوم أن يهاجر اليه، ليس من أجل الحفاظ على النفس فقط، وإنما الدين أيضاً، لأن العدل كفيل بحماية حقوق الغير، من دون ملاحقة أو خوف، وهذا واقع يشهد عليه كل من عاش في بلاد الغربة، بمن فيهم حكامنا اليوم.
الغريب أن بعض المتسلطين أخذ بالتباكي على الكفاءات الوطنية التي غادرت الوطن، محذراً من مؤامرة أنكلوا – أمريكية – صهيونية، لإفراغ البلاد من عقولها، مع أن تلك الكفاءات المهاجرة، عانت طويلاً قبل أن تهاجر، الإهمال والإضطهاد من الجهال والأميين، كما عانت الفقر والفاقة والعوز، فما سر هذا الحنين والخوف على العقول المهاجرة.
أرى الحل في غاية اليسر، إذا كان هناك خوف حقيقي على الكفاءات، بصراحة ومن غير زعل، ولا نرفزة، عودوا الى منافيكم أيها الحكام واتركوا لنا الكفاءات.
أخيراً، أرجو الا تفهموني خطأً، فأنا لست من دعاة الهجرة، وأرفضها جملة وتفصيلاً، لكني أذكر فقط بأسبابها، ومن كان وراءها، حتى كنا بين نارين، الحكام والبحر.