18 ديسمبر، 2024 6:11 م

البحث عن طفولة آمنة

البحث عن طفولة آمنة

تزايد الحديث في الفترة الأخيرة بين الأشخاص من مختلف الفئات والطبقات عن صعوبات التربية التي يواجهها الكثير من الآباء والأمهات، والتي لا تقتصر مشكلاتها عليهم بل تمتد لتشمل جميع الأشخاص الذين يتعاملون معهم حتى وإن كانوا غرباء عنهم، فكما نؤكد دوماً فإن وجود مشكلةٍ ما سيؤثر على الجميع بشكلٍ أو بآخر، لأن كل ما نواجهه في حياتنا اليومية من أوضاع متصلٌ ببعضه على شكل شبكةٍ معقدة يستحيل أن يتأثر جزءٌ منها دون تضرر البقية ولو جزئيا ً، فالمشكلة اليوم أشمل وأكبر من الأعباء المادية التي أصبحت هاجساً يؤرق الجميع، حيث أصبحت المفاهيم التي تضخ للأطفال عبر ما يفترض أنها قنوات أو برامج مخصصة له مصدر قلقٍ بالغ، وبطبيعة الحال لم يكن من الممكن الحكم على الأمر قبل أن أتابعه بنفسي لأتأكد من صحة ما يتم تداوله بين الكثيرين ووجدت ذلك صحيحاً، حيث يوجد هنالك دس لأفكار وايحاءات جنسية في العديد من الرسوم المتحركة الحديثة والتي ينتج بعضها أيضاً شركاتٌ عملاقة في عالم الترفيه، وهو ما أثار استياء الآباء في الغرب حيث أطلق العديد منهم أكثر من مبادرة لحماية أطفالهم خاصةً وسط تغول تشريعات تتستر بحقوق الإنسان والحرية الشخصية وبدأت تمهد للطفل كإنسان واعي ومسؤول وقادر على الإختيار وهذه القدرة تعطيه الحق في إقامة علاقة جسدية مع أشخاص بالغين، ما جعل الكثير من العائلات تشعر بتهديد حقيقي ووجودي للطفولة والمجتمع والعمل على استصدار تشريعات تجرم كل هذه المحاولات، وهذه الأصوات بدأت في التزايد رغم عدم وجود تغطية إعلامية لها وبدأت تشمل كل ما يتعلق بالطفل حيث بات هناك مطالبات بوجود بيئة آمنة له من خلال توفير مشاريع وأعمال بدأ العمل عليها وتسمى (بالرسوم المتحركة الآمنة) والتي بدأ بعضها فعلياً بإعادة عرض أعمال كارتونية كلاسيكية مستوحاة من القصص الشعبية والمرتبطة بالحيوانات والأخلاق والطبيعة، لتكون في الواجهة مجدداً بعد زحف الكثير من الأعمال الملغومة والمشبوهة والمدسوسة في الآونة الأخيرة..

ومما يجعل هذه الأعمال خطيرةً أيضاً هو وجودها ضمن مختلف مستلزمات الأطفال من ملابس وأدوات مدرسية وألعاب ترسخ مكانتها لديهم وتزيد من تعلقها بهم وهو ما يجب إيقافه، وقد أثارت الجدل مؤخراً حملة إعلانية قامت بها دار (بالينسياغا) للأزياء العالمية واستخدم المصور الفوتوغرافي الخاص بها الأطفال بشكلٍ مقزز مع رموز جنسية سادية ومازوشية وهو ما دفع الكثير من الوجوه المعروفة لمقاطعتها والدعوة ليحذوا حذوهم، وما دفع أيضاً هذه الدار لإصدار بيان يتضمن اعتذاراً رسمياً وهو غير كافي، حيث أننا اعتدنا تمرير هذه الأفكار بطريقة بالون الإختبار عبر طرحها أولاً على الجمهور ثم تكرارها لتعزيز الفكرة ثم اعتيادها ومن ثم مناقشتها وتجنيد أبواق تروج لها، وصولاً إلى تقديمها كحرية شخصية وجزء من تنوع السلوك البشري عبر نظريات مفتعلة وتنسب زوراً وكذباً إلى علم النفس والطب النفسي الذي يتعرض إلى هجمات شرسة..

وهو ما يجعل مهمة الآباء والأمهات والمجتمع بأكمله شاقة، حيث يجب أن تتم التوعية بالأخطار التي تترصد بالطفولة والتي ستؤدي إلى انهيار المجتمعات وزيادة الإنحرافات السلوكية والأخلاقية وارتفاع معدلات الجريمة والرذيلة، وإذا كان أحدنا يعتقد أنه بمنأى عن هذه الأخطار فهو مخطئ وعليه مراجعة حساباته قبل فوات الأوان فالمجتمعات التي لا تحمي الطفل تفرط في مستقبلها لذا لا تتجاهلوا هذه الأصوات التي تحاول أن تحافظ على ما تبقى لنا من حياة..