23 ديسمبر، 2024 3:14 م

البحث عن الهوية المفقودة ؟

البحث عن الهوية المفقودة ؟

كان عام 2003م عاما ليس ككل عام مر على العراق والعراقيين قبله او بعده انه عام استثنائي بكل ماتعنيه الكلمة لا لمجرد سقوط نظام ديكتاتوري على يد الغزاة فحسب وانما انه العام الذي دمرت فيه منظومة الدولة العراقية الحديثة ففتحت بذلك الابواب على مصراعيها امام التدخلات الاقليمية والدولية والتي تعكس ايدولوجيات ومصالح سياسية شتى ادت بنهاية المطاف الى تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي وبالتالي افتقادنا للهوية الوطنية العراقية واستحضار للهويات طائفية ومناطقية وقومية المستحدثة على مجتمعنا عبر احياء النعرات القديمة والمتاجرة الرخيصة بالمظالم التي تعرض لها عموم ابناء الشعب طوال الفترات السابقة .
فرق تسد هو مصطلح سياسي عسكري أقتصادي الأصل اللاتيني له”divide et impera”. ويعني تفريق قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة وهي غير متحدة مع بعضها البعض مما يسهل التعامل
معها كذلك يتطرق المصطلح للقوى المتفرقة التي لم يسبق أن اتحدت والتي يراد منعها من الاتحاد وتشكيل قوة كبيرة يصعب التعامل معها.
ان هذه السياسة كانت هي الوصفة السحرية الانجليزية تحديدا للولايات المتحدة في تعاطيها مع الشان العراقي عبر الدعم الاقليمي المتمثل بدول الجوار لمجموعة من الاحزاب والتيارات الدينية والميلشيات المسلحة والتي اسهمت بتمزيق المجتمع مبررة ذلك بدعاوى باطلة اسهمت في نهاية المطاف الى اغتيال صريح للهوية الوطنية العراقية والاعلان عن ميلاد هويات مستحدثة تعكس الانتماءات الطائفية البغيضة . والعراق منذ تأسيسه فى بداية عشرينات القرن الماضي ولحد الآن يشكل مثالا ميدانيا لهذا السياسة الاستعمارية بحيث يمكن استنباط صحة نظرية فرق تغزو من هذه التجربة العراقية.فإن الاستعمار البريطانى في بداية تأسيسه لهذه الدولة اعتمد على الطائفية كما جاء من رسائل المسز بيل عميلة المخابرات البريطانية التي لعبت الدور الرئيسي في تأسيس الدولة العراقية ورسم حدودها الدولية بشكلها الحالي. هذا الأساس الطائفي وطريقة رسم الحدود ما كان إلا أن تؤدي إلى نشر الكراهية بين الطوائف الدينية والعرقية والمذهبية في العراق وإشعال حروب ونزاعات داخلية وخارجية مستمرة.وفعلا نجحت سياسة فرق تغزو إذ انغمس العراق فى حروب داخلية وخارجية مع بعض دول الجوار لعدة عقود أنهكت قواه العسكرية والاقتصادية، وثم تم فيما بعد وكنتيجة لهذه الحروب فرض حصار على العراق كان هدفه الرئيسي إنهاك قوى الشعب العراقى من خلال الجوع والمرض، لكسر شوكة المقاومة في روحه وتدجين الإنسان العراقي للعيش في حياة العبودية كما خططت لها وتمهيدا لتحقيق خطة غزو العراق الذى أجل بسبب الحرب الباردة، وتم تطبيقها أخيرا عام 2003 لأن القوى الاستعمارية الطامعة في أرض وثروات العراق لم تكن تعتبر النظام العراقى السابق عائقا في طريقها، لأن القدرة العسكرية لهذا النظام لم تكن فى يوم من الأيام تشكل حاجزا فعليا يحول دون تحقيق خطة غزو العراق من قبل أعظم قوة في العالم وان كان جارا مزعجا للمصالح الغربية واسرائيل في المنطقة، بل خوف هؤلاء كان من الشعب العراقي العريق بحضارته وحبه للحرية والكرامة وكرهه للمحتل.
ان استرداد الهوية الوطنية العراقية مرتبط بادراكنا لمفهوم الدولة الوطنية ولمدى خطورة افرازات المرحلة الحالية من تاريخ العراق على مستقبل اجياله القادمة تحديدا عبر مناقشة جادة لازمة الهوية التي يمر بها العراق والتي قد تؤدي الى نشوء عراقات متعددة في نهاية المطاف.