18 ديسمبر، 2024 6:16 م

كان المجلس الاعلى الاسلامي من اهم القوى السياسية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي، وكان لرأيهم اثر كبير فيه، كما يعتبرون قوة فاعلة لا يمكن لأحد ان يتخطاها في اهم القرارات المصيرية، على العكس مما هم عليه اليوم، فلقد اصبحوا عدد حاله حال الإعداد المنسية، التي تذكر فقط في التعداد.

بعد تزايد الصراع السياسي بين القوة السياسية الفاعلة في العراق، جعلها تبحث عن الدعم المالي الذي يؤهلهم للهيمنة السياسية، فتارة تكون حاجته لصناعة جيش إعلامي كبير يؤثر على القرارات السياسية ويغير مجراها، واُخرى لصناعة مؤيدين مؤثرين انتخابياً لتغيير الحجم السياسي داخل البرلمان والحكومة, واُخرى لتأسيس فصيل مسلح يكون الأداة الضاربة للحزب او التيار او غيرها من المسميات كما هو اليوم.

بعد احداث داعش، استغلت الكتل السياسية التي تملك اجنحة عسكرية (فتوى الجهاد الكفائي) ودفعت بها للمشاركة في تحرير العراق من الارهاب، حيث ابقت على تابعيتها لحماية مصالحها السياسية، واداة للضغط من اجل تمرير القرار السياسي، مستغلين بذلك الفتوى التي أطلقتها المرجعية الدينية في النجف الاشرف.

المجلس الاعلى حاله حال بقية الاحزاب والكتل السياسية الاخرى، شكل عدة فصائل مسلحة للمشاركة في تحرير المناطق الغربية المحتلة من داعش، لكن معاناتهم كانت اكبر من الحرب مع الارهاب، لمعاناتها من نقص المالي, والسلاح والعتاد، وهم الأضعف دعماً من بين الفصائل الاخرى المدعومة من الخارج، والأخرى المدعومة من بعض الاحزاب ذات النفوذ المالي القوي، مشابهين في ذلك الفصائل التابعة للعتبات المقدسة.

بعد تلك التجربة التي خاضها المجلس الاعلى، اصبحوا بين أمرين اما بقائهم على حالهم، والتفرج على فصائلهم وهم يتجزؤون ويستقطعون لإلحاقهم بفصائل اخرى مدعومة، او التسليم المطلق والذهاب للبحث عن داعم خارجي قوي، يجعلهم بمستوى قريب من الآخرين.

كان قادة المجلس الاعلى ومن ضمنهم (بيان جبر) يعتقدون بذلك، ويعتبرون الدعم المالي والسياسي الخارجي هو من سيؤهلهم لحكم العراق، فأخذوا يضغطون على (عمار الحَكِيم) بقوة من اجل التنازل والخضوع للإرادات الخارجية، بحجة الدعم وقلة الاموال اللازمة لتحقيق مبتغاهم.

رفضه ذلك الامر الذي جعله بين أمرين: اما ان يترك زعامة المجلس ويتنازل عنها, او يوافقهم الرأي ويبقي عليها، لكنه رفض الخياران وترك الزعامة والمجلس الذي يعتبر ارث آبائه ونتيجة تضحياتهم، وذهابه صوب تشكيل تيار جديد كاد يخلو من غالبية الوجوه القديمة المؤسسة له والملتحقة اليه قديماً.

الزبيدي كان من الأساسيين الساعين الى عزل الحكيم او استبداله بعد التنازل، ويعتبرها الفرصة الثمينة التي لابد ان يستغلها ليعتلي كرسي الزعامة التي طالما استقتل من اجل الحصول عليها.

انتخاب (الشيخ همام حمودي) رئيساً للمجلس بدد احلام صولاغ، وجعلها في مهب الريح، وخسارتهم الاخيرة في الانتخابات اعتبرها القشة التي قسمة ظهر البعير، وأنهت جميع احلامه الوردية في ذلك، وأصبحت لديه زعامة المجلس وتركه على حدٍ سواء، اَي لا تغني ولا تفقر، فزعامة حزب او تيار ميت اشبه بشي خ عشيرة بلا أفراد عشيرة يسيرون خلفه.

إعجابه بنفسه, وتعاليه على رفقاء دربة, والأنا الذي يعاني منه, والغرور الذي يرافقه، جعله متخبطاً في قراراته, ومشوشاً في تفكيره, وغير مسيطر على كلامه، الذي ينال به من الجميع دون روية وتأني، وسكوتهم عن الرد عليه جعله يتصور انه حقاً الزعيم والقائد الفذ، لكنهم يسكتون ترفعاً عن النزول الى مستواه، ومعرفتهم الحقيقية به وبما يقوم به من تصرفات غير محسوبة ومدروسة، كذهابه الى دولة مجاورة والطلب منهم ان يمنحوه رئاسة الحكومة، دون الرجوع الى رفقائه، وكانت تلك الحركة هي بداية الخلافات الحقيقية فيما بينهم التي دفعته الى تأسيس (حزب البيان) الذي من خلاله سيحصل على وزارة في حكومة عبد المهدي، التي تلوح في الأفق، تحت عنوان وزير مستقل.

فحتماً عندما يكون هم السياسي الزعامة والرئاسة، سيهدم حينها كل شيء لأجلها، فما تشكيل حزب البيان الا لتهديم البنيان الذي مرت عليه سنون طوال.