رسمت معركة تكريت وضعاً يمكن اعتباره جديداً يتسم بشيء من التوازن في الواقع الاجتماعي العراقي, واذا ما اعُتبرت الحرب حين وجوب خوضها عندما تفرض “شر لابد منه” فان اقسى ما يمكن ان توصف به هذه المعركة مقولة (رب ضارة نافعة).
فبعد ان وحّدة بين الكثير من الفصائل والوجوه التي لم يعرف عنها التعاون فيما بينها من قبل وكشفت عن مقدرة الخيرين من العراقيين على صد التهديد مهما كان مصدره حينما يتناخون في سبيل تادية واجب الوطن وخصوصاً ان جاء النداء من جهة يثقون بها كما حصل التعامل مع سماحة الامام السيستاني الذي اثبت هو بدوره من خلال هذه المواجهة انه الرقم الاصعب والانجح والاكثر التصاقاً بالارض العراقية والاوفى لها ولجماهيرها الذي حباه الله حكمةً قل نظيرها، في الوقت الذي كشفت فيه سقوط الاقنعة عن وجوه كالحة كما عبر عن ذلك كاتبنا المحترم الدكتور عبد الخالق حسين في مقالته الرائعة ( سقوط الاقنعة عن الوجوه الكالحة ).
ولم يعد امر هذه الوجوه مخفياً امثال رافع الرفاعي والموتور طه اللهيبي وعلي حاتم السلمان والقائمة تطول, يخرج الينا من كان الى الامس القريب يتستر وراء كلام متوازن كي لايكشف حقيقة امره ومنهم المدعو مصطفى العاني ومقدمة البرامج في فضائية العربية منتهى الرماحي حيث اسهموا بنفث سموم طائفيتهم ضد الشيعة في لقاء على فضائيتهم قبل يومين بحيث وصلت الصلافة بالعاني بقوله وبكل وقاحة بان الحشد الشعبي عبارة عن دواعش الشيعة ناهيك عن توصيفاتهم للصفويين الايرانيين, ولم يكن اقل منهم ما نراه من شريحة زنيمة تحسب على العراقيين من الذين وصفناهم في مقالات سابقة بعرب 48 وشدة التزامهم للدواعش والدعوة الى عدم محاربتهم وتعديهم على الجانب الايراني والامام السيستاني والنيل منه ومن مكانته العالية بالذات وهو ما مارسه ويمارسه اتباع المدعو الحسني الصرخي بكل وقاحة وفي مقالات تافهة عديدة.
واليوم وبعد ان ارتفعت الكثير من الشبهات والتساؤولات حول الموقف الكردي من العراق ووحدته عموماً وموقف السيد مسعود البارزاني خصوصاً بعد تصريحاته النارية عن رسم الحدود بالدم والمطالبة جهاراً بانفصال الاقليم وصدور تصريحات من قادة اكراد آخرون حول عدم مشاركة القوة الكردية ( البيشمركة ) الا في حدود اقليم كردستان، يبرز الينا السيد مسعود ومن خلال مؤتمر زمار الذي جمعه بالعشائر العربية التي تقطن تلك المناطق بثوب جديد، ثوب لاتبرزه الوان الملابس الكردية المعروفة بزركشتها اللماعة بل بوقاره وجودة خياطته وحنكة تصميمه وروعة اناقته وهو ما يعد بدوره احدى بركات معركة تكريت كما اسلفنا.
فقد تالق بظهوره علينا بتصريحات اقل ما يقال عنها انصافاً بانها وضعت النقاط على الحروف في توضيح مستقبل التعامل مع وضع ما بعد هذه المعركة.
فبعد ان صرح الدكتور العبادي راسماً الموقف الرسمي من العفالقة الذين تعاملوا مع الدواعش ضد بلدهم في واحدة من اكبر الخيانات التاريخية من خلال تاكيده على رفض التعامل مع كل من تعاون مع هذه الجراثيم الفتاكة, جاء كلام السيد مسعود البارزاني في زمار مصححاً للكثير من الارهاصات المشككة التي شابت تعامل الكرد مع الاحداث ومشاركتهم في المعارك ضد الدواعش وفتحهم فضاء الاقليم امام الخونة واقامة الكثير من مؤتمراتهم هناك .
فالمواطن لايشعر الا بالامتنان والارتياح حينما يسمع السيد البارزاني وهو يؤكد على شراكة البيشمركة مع قوى الامن العراقية بما فيها الحشد الشعبي لتحرير مدينة الموصل وكل الاراضي العراقية وهو بذلك يظهر بثوب عراقي وطني وبامتياز.
ليس هذا فحسب انما اسهب الرجل في حث العشائر على الاحتفاظ بمناطقهم المحررة وعدم اثارة المشاكل ووجوب تكاتفهم فيما بينهم لنصرة بلدهم وطرد الدواعش الى الابد في سبيل العيش بكرامة والعمل على تقدم البلد.
والاهم من هذا كله هو وضعه النقاط على الحروف كما قلنا في تاكيده لتصريح الدكتور العبادي معاضداً اياه وبكل صرامة ووضوح حين قال ( لايمكن التعامل مع من وقف الى جانب الدواعش ولامجال لعودتهم الى ديارهم ) وهو بذلك يحسم امراً مهماً راح الكثير ومايزال يراهن على تحقيقه وهو عودة العفالقة الدواعش الى وضعهم السابق من اجل اعادة البلد الى ماكان عليه قبل العمليات وابقاءه في دوامة الفوضى الخلاقة التي لايمكنه الخروج منها.
لهذا وجب علينا تحية هذا الموقف التاريخي النبيل لاننا لانريد ولا نهدف من كل ما نقوم به وندعوا اليه الا لرفد المصلحة العامة وما فيه خير العراق ومستقبل اطفالنا.