يصادف يوم (16/8/2023) الذكرى الـ77 لتأسيس البارتي (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) ، في وقت كان شعبنا يواجه العديد من التهديدات الخطيرة، ويعيش مرحلة في غاية الصعوبة عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية. في تلك الأيام، عندما كانت التهديدات متنوعة ومختلفة المديات، والآثار المحتملة لها كانت تهدد المجتمع الكوردستاني ومستقبل الاجيال اللاحقة، دعا البارزاني الخالد، ببصيرة وحكمة متناهية، وأسلوب حضاري جديد في العمل السياسي، وشكل مختلف عن الاشكال السائدة في الساحات السياسية في منطقة الشرق الاوسط، الى تأسيس حزب سياسي كوردستاني يتكفل بمهمة النهوض والدفاع عن حقوق شعب كوردستان وبناء الانسان الكوردستاني الذي يرفض الاستسلام لرغبات الاعداء الطامعين في ارضهم. في مثل تلك الظروف، لم يكن تأسيس حزب سياسي يجتمع حوله كافة الشرائح الكوردستانية بالأمر الهين والبسيط، حيث كان الأعداء يتربصون نخبهم السياسية والثقافية الثورية، ويعتبرون تجمعهم في حزب سياسي ذي قاعدة جماهيرية عريضة أمراً مستحيلاً، ولكن البارزاني الخالد ورفاقه الأوفياء لنهجه الحكيم، جعلوا من المستحيل واقعاً، ومشوا بثبات في سياسة هادئة، وأسسوا البارتي، وعقد الكوردستانيون الأمل بذلك التنظيم الناهض، وآمنوا بإرادة الشعب وأهدافه المشروعة، وتجمعوا حوله بالآلاف، وأصبح البارتي قنديلاً يضيء طريق الكوردايتي…
مر الحزب الديمقراطي الكوردستاني، منذ يوم تأسيسه الى يومنا الحالي، بالعديد من المراحل، وواجه التهديدات والعقبات والمخاطر الكثيرة والمتعددة، لكنه لم يتخل عن النضال والعمل الدؤوب من أجل الكورد وكوردستان، وقاد على مدى ثلاثة عقود متتالية ثورتين عظيمتين، هما ثورة ايلول التحررية، وثورة كولان التقدمية، ولم يخش أو يستسلم لليأس ولو للحظة، لانه كان يدرك بواقعية ووضوح مهام ومتطلبات المراحل، ويواجه المشكلات والمصائب بالمنطق والعقلانية، وقاد بنجاح، مع الاحزاب السياسية الكوردستانية الاخرى، انتفاضة شعبنا في آذار 1991. وفي وقت كانت المنطقة تعاني بشدة من المشكلات وآثار الويلات والكوارث، دعا الرئيس مسعود بارزاني، الى حكم الشعب، واجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وفي عملية ديمقراطية منقطعة النظير، شهد على نجاحها الاعداء قبل الاصدقاء، تم انتخاب أول برلمان كوردستاني، وتشكيل حكومة لادارة الاقليم بعيداً عن سيطرة حكام بغداد، ورفع الاقليم شعار الفدرالية لشكل العلاقة مع حكومة بغداد، وفيما بعد، وبالذات بعد 2003، تغير الشعار وحسب متطلبات المرحلة ومستجدات الاحداث الى حق تقرير المصير والاتحاد الاختياري في العراق الفدرالي التعددي الديمقراطي، وتم تثبيت ذلك في ديباجة الدستور العراقي.
اليوم ونحن نستذكر يوم تأسيس البارتي الذي قاتل بشرف وفاوض بمصداقية وترفع عن العنف والإنتقام وأذهل الكثيرين وما زال يؤرق غيرهم، يعتبر الحريصون المخلصون من ابناء شعبنا، الثبات على المبادئ والوفاء للقيم الإنسانية والتقاليد الحضارية والتمسك بنهج البارزاني الخالد والحفاظ على المكاسب المتحققة واجباً وطنياً وقومياً وديمقراطياً وانسانياً، ويعتبرون حماية هذه المكتسبات وتطويرها تتحقق بوحدة صف القوى السياسية الكوردستانية والخطاب الوطني والقومي الموحد، وتحمل المسؤوليات المشتركة والتضحية في سبيلها لاتقل أهمية عن تحقيقها، وفي ظلها تتمكن جميع القوى السياسية، وفي هذه المرحلة المفصلية المهمة في تاريخ شعبنا، من مواصلة النضال لأداء المهام التاريخية والوطنية والقومية، وايصال قضيتنا العادلة الى برالأمان وتحقيق أهدافنا المشروعة، والتمكن من مواجهة التهديدات والتحديات، واستغلال الفرص المؤاتية لتفعيل الدستور وتنفيذ الاتفاقات بين الاقليم وبغداد، لان خلاف ذلك سيعرض مستقبلنا الى الخطر والتهديد، ويمزق علاقاتنا الدستورية القائمة مع بغداد، وسيستغل (طبعاً) أعداء العراق الاتحادي الديمقراطي الوضع، ليخلقوا ظروفاً أمنيةً خطرةً ومعقدةً بهدف انجاح مخططهم الذي يرمي الى إفشال الديمقراطية في العراق خاصةً والمنطقة بشكل عام .
في هذه الايام ونحن نحتفل بهذه الذكرى العزيزة الزاخرة بالأمجاد لحزبنا، نقول:
أن مشاكلنا مع بغداد، والتوترات في المناطق الكوردستانية الواقعة خارج الاقليم، يمكن أن تشهد انفراجاً بتطبيق الدستور والاتفاقات السياسية، وبالتفاهم والمرونة والتوافق الوطني. والنقاشات والتجاذبات بين الاحزاب الكوردستانية حول كافة المواضيع والملفات، يمكن أن تتجه نحو الحل والتفاهم، لان البارتي اعتاد على التسامح والتضحية وسعة الصدر وقبول الآخر المختلف، ويؤمن ايماناً راسخاً بالأسس الديمقراطية والمبادئ الانسانية، وينظر الى المرحلة الحالية كمرحلة تحول، ويؤكد على ضرورة استعداد شعب كوردستان لكل الاحتمالات على ضوء المستجدات الدولية والاقليمية .
هذه الذكرى المجيدة بطبائعها التنظيمية، أكبر من أية ذكرى، لذلك يقف عندها الكورد ليستذكروا عقلانية مؤسس الحزب ورئيسه البارزاني مصطفى، وجرأة قيادته، وعظمة مسيرته، وجسامة تضحيات بيشمركته، وغزارة دماء شهدائه، واننا لا نبالغ حينما نقول بأن المرحلة الحالية والمستقبلية تستمدان الشرعية ومعاني النضال من المرحلة البارزانية التي كانت أعظم مرحلة في التاريخ الحديث والمعاصر للأمة الكوردية فمؤسس البارتي (البارزاني الأب) الحاضر بيننا والذي لم يغب أبداً، جعل بيت الأمان الكوردستاني حصناً منيعاً في وجه أعداء الكورد، وأسس مدرسة تعلّمنا كيف نسالم من يسالمنا، ونعادي من يعادينا ونصفح عند المقدرة عن الذي يطلب العفو منا، ونحترم الجوار ونبادلهم السلام، ولا نعتدي على أحد ولا نقبل اعتداءات الآخرين، وكيف نصنع العزة والكرامة لأمتنا، وكيف نضحي بمصالحنا الخاصة من أجل المصلحة العامة، وكيف نعمل من أجل تعزيز شخصيتنا القومية والوطنية بوحدتنا وإرادة شعبنا، وكيف نوفر أسس ومقومات وديمومة نضالنا حتى الحصول على حقوقنا القومية المشروعة إسوة بباقي الشعوب الأخرى.