العدوان الإيراني الفارسي, ابتدأ منذ شباط 1979 بأشكال وأساليب مختلفة, وكان ذلك العدوان مبيّتاً ومختمراً في ذهن خميني وهو في مقر لجوئه في فرنسا, وقبل أن يحطّ رحاله في طهران, بمؤامرة غربية – صهيونية. فالنيّة الإيرانية؛ والتي اقترنت لاحقاً بإجراءات ميدانية كلها تقود الى استنتاج واحد لا ثاني له, وهو إن العدوان الإيراني على بلدنا العزيز, قادم لا محالة.
وتأكيداً لذلك يذكر الكاتب مؤيد عبد القادر, في مقال نشره سنة 2016,بعنوان؛(هذا ماقاله الخميني عن صدام حسين), وهو ينقل روايته عن المصدرالذي يصفه بأنه؛(صديقه),وهو؛(علي رضا باوه)البعثي القديم والمسؤول السابق في مكتب العلاقات العامة لغاية 1973, حيث استدعاه صدام حسين, وطلب منه الذهاب الى باريس بمهمة سرّية لمقابلة خميني, بحكم معرفته الوثيقة السابقة به عندما كان لاجئاً في النجف, لجسّ نبضه حول ما يضمره للعراق, وممّا جاء في ذلك المقال ما نصّه :((…لكن الخميني انفجر, وهو يتحدث بحنق عن (النائب) صدام حسين, وقال بالحرف: علي..اسمع, لن أنسى موقف صدام وتآمره مع الشاه بوساطة بومدين على المعارضة الايرانية في اتفاقية الجزائر 1975, ولمجرد أستقر في طهران, لن أتركه يحكم العراق, وأنا أعرف بأنه هو الحاكم الفعلي لبلادكم وليس سواه.. وأنت يا علي ,تعرف مواقفه ))!!!.
في الرابع من أيلول 1980 قصفت القوات الإيرانية بمدفعيتها الثقيلة وسلاح طيرانها, مدن ومخافر حدودية ومنشآت نفطية عراقية، وكان ذلك هو بداية العدوان الإيراني الفعلي الواسع. وقد بلغت الاعتداءات الإيرانية (244) اعتداءاً, و(249) خرقاً للأجواء قبل بدء الرد العراقي في 22-9-1980. كما بعث العراق (293) مذكرة احتجاج خطيّة إلى يران حول تلك الانتهاكات, ونسخ منها للأمم المتحدة لغرض التوثيق. وبعد احتلال العراق في 2003, قام المدعو حامد البياتي, وهو الإيراني (طالب أصفهاني), والذي عيّنته سلطة بغداد مندوباً لها في الأمم المتحدة, بسحب وإتلاف تلك الوثائق للحيلولة دون إدانة النظام الإيراني ببدء العدوان!!.
كانت مساحة المناطق العراقية المتجاوز عليها من قبل إيران تبلغ (٣٢٤) كم2. قامت القوات العراقية في الثامن من ايلول بإزالة الاحتلال الإيراني عنها واسترجاعها ورفع العلم العراقي عليها وهي؛ زين القوس وسيف سعد. واستمرت الأعمال العدوانية على العراق مع استمرار النظام الإيراني في تجاهله للمذكرات الرسمية العراقية التي أرسلت إليه للكفّ عن العدوان, وثبت بما لا يقبل الشك إن هذا النظام, يحشد قواته للقيام بهجوم شامل على العراق, وفي خطوة تصعيدية خطيرة, قرّرت السلطات الإيرانية إغلاق مضيق هرمز بوجه الملاحة العراقية خلافاً للقانون الدولي, ثم أعلنت النفير العام. كما اصدرت السلطات الإيرانية اربعة بلاغات عسكرية أذيعت من راديو طهران اعتباراً من 18 أيلول وأعلنت في إحداها ,إنها استخدمت سلاح الجو في عملياتها العسكرية، وفي البيان الرابع الصادر يوم 19 ايلول, أعلنت السلطات الإيرانية إن قواتها أشعلت النيران في حقول النفط العراقية في منطقة نفط خانة .
وخلال الأيام التي تلت الشروع بالعدوان, قامت قوات نظام خميني بعمليات أدّت إلى إعاقة الملاحة في شط العرب واعتدت على السفن والبواخر والزوارق العراقية والأجنبية، وفي يوم 17 أيلول 1980 وبعد ان ثبت للعراق إن النظام الإيراني مُصرّ على عدم الاعتراف باتفاقية الجزائر 1975, اضطرَّ إلى إعلان إلغاء الاتفاقية من جانبه. فالنظام الإيراني هو الذي أشعل الحرب وأعدَّ لهجوم واسع وشامل على العراق والذي لم يكن أمامه سوى الدفاع عن النفس وتوجيه الضربة لمركز العدوان لإجهاضه بضربة استباقية. وهو ما حدث في 22 ايلول 1980,بعد 18 يوماً من الصبر.
وأهم الوثائق التي تدين إيران ببدء العدوان, هو اعترافات إبراهيم يزدي؛(1931-2017),وزير خارجية إيران في 1979,فيقول يزدي في مقابلة متلفزة: كنا نستفزّالعراقيين.. جميع برامج التلفزيون الإيراني كانت استفزازية وتحريضية ضد العراق, وذلك بتوجيه من صادق قطب زادة المشرف على الإذاعة والتلفزيون, وحسب أوامر وتعليمات من خميني نفسه. لدرجة إن السفير الايراني في العراق؛(محمود دعائي),لمّا عاد الى طهران ذهب الى مجلس شورى الثورة, وقال لهم: إذا كنتم تريدون حرباً مع العراق, فأنا سوف أستقيل ولن أذهب الى بغداد, وإن هذه الأفعال؛ معناها المواجهة والدعوة الى الحرب, وإذا خضنا الحرب مع العراق, فسوف تكون هناك عواقب وخيمة وتكلفة كبيرة.
ويضيف يزدي: كان خميني يعتقد إن صدام حسين لن يتجرأ على الرد, ولكني وآخرين لم نكن نعتقد ذلك. وخاطب يزدي خميني: إن صدام سوف يردّ علينا, وإذا كنتَ تريد الحرب, فاستمر بما تفعله, لأنه لا توجد دولة تستطيع أن تتحمل مثل هذه الأفعال والاستفزاز والتحريض, ولكن للأسف استمرينا في ذلك.
ويقرّ يزدي؛ بأن ايران كانت تقدم الدعم لمعارضي صدام, من الاكراد والشيعة معاً. [المقابلة مع ابراهيم يزدي, في الرابط الذي في أسفل المقال].
والطيار الإيراني؛(حسين علي رضا لشكري), الذي أسقطت طائرته داخل الأراضي العراقية, هو دليل دامغ آخر, وحدثت هذه الواقعة قبل خمسة أيام من يوم الردّ العراقي، وبقي طيارها أسيراً لدى العراق، حتى إطلاق سراحه في العام 1998، لأنه الدليل السافر على الطرف البادئ بالعدوان، رغم إن العراق أطلق جميع أسرى الحرب الإيرانيين، بينما تحتجز إيران آلافاً من أسرانا.
فهل بعد هذه الأدلّة القاطعة والباتّة, يأتي من يأتي, مشكّكاً بالحقيقة الصارخة؛ بأن إيران ودجّالها خميني, هم من ابتدأوا بالعدوان, وهم من أصرّوا على استمراره لثماني سنين متواصلة, وانتهى بتجرّع الدجال الأكبر, لكأس السمّ في 8-8- 1988؟!!.
في المقال القادم, إن شاء الله؛ سأفصّل أهمية ودلالات ودوافع القرار الاستراتيجي العراقي الخطير بالردّ على العدوان الإيراني.
) اعترافات إبراهيم يزدي الخطيرة والمهمة, على هذا الرابط؛https://www.youtube.com/watch?v=QlKbTCCb3pM(