23 نوفمبر، 2024 5:40 ص
Search
Close this search box.

الا يخشى فقهاء القتل ان يساقوا الى جهنم زمرا

الا يخشى فقهاء القتل ان يساقوا الى جهنم زمرا

عندما تقرا الاسلام بعمق تجد انه دين ينبض بالرحمة ، واعظم شواهد هذه الرحمة هي قوله تعالى ، الذي تستفتح به سورة الفاتحة وغيرها من سور القران الكريم ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فالرحمن والرحيم اسمان يتضمنان كل معاني الرحمة ، وقد افاضت التفاسير في شرحهما ، ومن اراد الاستازده يستطيع مراجعة التفاسير ، وهي متوفرة على مواقع الانترنيت ، والشاهد العظيم الثاني على رحمة الاسلام هي سيرة رسول الله (ص) الذي كان يقابل الاساءة بالدعاء للمسئ ، بقوله الشريف : اللهم اغفر لقومي انهم لا يعلمون ، واذا ما كان الاسلام يقوم عقيدة وشريعة على القران الكريم والسنة الشريفة ، فان الرحمة واجبة على المسلم بالكتاب والسنة .   ولكن هذه الرحمة لا تجدها في فتاوى بعض الفقهاء ، ومن كل المذاهب الاسلامية ، وتحديدا اؤلئك الذين تعلقوا بالجهاد واغفلوا عن كل الاركان الاخرى ، فهم على سبيل المثال قد توقفوا عند قوله تعالى {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} فراوا ان هذا القول الكريم ، وهو قول جاء على لسان نوح عليه السلام ، يفسر على انه دعوة لقتل الكفار صغارا وكبارا ، ولكن هذا التفسير بنتزع الاية من سياقها ، وذلك لان القول الكريم قد جاء في سياق صراع نوح عليه السلام مع قومه ، وهو صراع مرير، جعله يسال ربه ان يستاصل شأفة الكفر ، وهو سؤال من المنطفي والطبيعي يسأله كل عباد الله ، الذين بفطرتهم يحبون ان يروا شافة الكفر مستاصلة ، ونعمة الاسلام بادية على الخلق كلهم ، ولكن بشرط الرحمة التي استفتح الله كتابه الكريم بها ، وجاءت سيرة المصطفى (ص) حاثة عليها ، فما يرويه المفسرون واصحاب السير عن معركة حنين التي اوجعت المسلمين ان جبريل عرض على رسول الله (ص) ان يدعو ربه لينتقم من الذين قاتلوه ، فدعا الرسول الكريم فقال : اللهم اغفر لقومي انهم لا يعلمون ، فلماذا نعرض عن سنة سيدنا خاتم الانبياء ونتوقف عند تفسير اية انتزعت من سياقها وتركت لواحقها ، فنوح نبي مرسل وهو رحيم من دون ادنى شك ، وانه دعا ربه لاسئصال شأفة الكفر وليس لقتل الكفار صغارا وكبارا ، لانه يعلم بوصفه نبيا مرسلا ، ان لا مسوغ شرعيا لقتل الصغار ، بل ان الاسلام لا يجرم عملا الا بعد وقوعه ، فلا جريمة ولاعقوبة في الاسلام الا بنص شرعي من الكتاب او السنة ، بل ان الاسلام يؤكد على ان المرء اذا حدث نفسه بالاثم لا يأثم الا اذا وقع منه فعل الاثم ، وان نوح عليه السلام رسول الله وجه الكلام الذي ورد على لسانه في القران الكريم توجيها ، يقطع الطريق على اي فهم يذهب الى انه دعوة لقتل الكفار صغارا وكبارا ، عندما استغفر ربه بقوله تعالى { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا } فكانه استدرك فاستغفر ، اذ ركزه دعاءه على الظالمين ، والظلم لغة هو وضع الشيء في غير موضعه ، سواء أكان بزيادة أم بنقصان ،  او بعدول عن وقته أو مكانه ، ومن أمثال العرب في الشَّبه مَنْ أَشْبَهَ أَباه فما ظَلَم ، أي ما وضع الشَّبَه في غير مَوْضعه ، والظلم يكون على النّاس ويكون على النّفس، وقد يحصل الظلم بالضرر المادّي والمعنوي ، فقد قصر نوح دعاءه على الظالمين ، الذين يعرفون الشئ ويعرفون موضعه الا انهم يضعونه في غير موضعه ، وهذا ليس في مقدور الصغار الذين لا قدرة لهم على تمييز الشئ وتمييز موضعه ، وعليه فالذين يفسرون الاية الكريمة على انها دعوة لقتل الجميع ، صغارا وكبارا ، ظالمين وغير ظالمين ، محاربين وغير محاربين ، انما ينتزعون الاية الكريمة من سياقها ، ويقترفون جريمة موصوفه يزيدونها شناعة عندما بقترفونها باسم الاسلام.    المشكلة ان هؤلاء الذين يقتلون الناس في الطرقات والساحات وفي كل مكان باسم الاسلام ، وعلى وقع صيحة الله اكبر ، وهي اعظم صيحة يطلقها المؤمن في سياق كفاحه من اجل الحرية والانصاف والعدل وحقن دماء الناس وصون كرامتهم ، ولكن الذين يقتلون تطلقونها لغير اهدافها وبغير مكانها ، انما ينطلقون من فتاوى فقهاء ، يسقطون شرط الرحمة ، في تفسيرهم للكتاب الكريم والسنة الشريفة ، فتاتي فتاواهم خالية من رحمة الله التي وسعت كل شيء ، الايخشى اؤلئك الفقهاء الذين تفوح فتاواهم برائحة الدم والقتل ، ان اسقاطهم لشرط الرحمة المؤكد في الكتاب والسنة ، قد يؤدي بهم الى ان يحشروا آيسين من رحمة الله ، فيحاكمون بعدله ، ويساقون الى جهنم زمرا 

أحدث المقالات

أحدث المقالات