عندما تقرا الاسلام بعمق تجد انه دين ينبض بالرحمة ، واعظم شواهد هذه الرحمة هي قوله تعالى ، الذي تستفتح به سورة الفاتحة وغيرها من سور القران الكريم ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فالرحمن والرحيم اسمان يتضمنان كل معاني الرحمة ، وقد افاضت التفاسير في شرحهما ، ومن اراد الاستازده يستطيع مراجعة التفاسير ، وهي متوفرة على مواقع الانترنيت ، والشاهد العظيم الثاني على رحمة الاسلام هي سيرة رسول الله (ص) الذي كان يقابل الاساءة بالدعاء للمسئ ، بقوله الشريف : اللهم اغفر لقومي انهم لا يعلمون ، واذا ما كان الاسلام يقوم عقيدة وشريعة على القران الكريم والسنة الشريفة ، فان الرحمة واجبة على المسلم بالكتاب والسنة . ولكن هذه الرحمة لا تجدها في فتاوى بعض الفقهاء ، ومن كل المذاهب الاسلامية ، وتحديدا اؤلئك الذين تعلقوا بالجهاد واغفلوا عن كل الاركان الاخرى ، فهم على سبيل المثال قد توقفوا عند قوله تعالى {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} فراوا ان هذا القول الكريم ، وهو قول جاء على لسان نوح عليه السلام ، يفسر على انه دعوة لقتل الكفار صغارا وكبارا ، ولكن هذا التفسير بنتزع الاية من سياقها ، وذلك لان القول الكريم قد جاء في سياق صراع نوح عليه السلام مع قومه ، وهو صراع مرير، جعله يسال ربه ان يستاصل شأفة الكفر ، وهو سؤال من المنطفي والطبيعي يسأله كل عباد الله ، الذين بفطرتهم يحبون ان يروا شافة الكفر مستاصلة ، ونعمة الاسلام بادية على الخلق كلهم ، ولكن بشرط الرحمة التي استفتح الله كتابه الكريم بها ، وجاءت سيرة المصطفى (ص) حاثة عليها ، فما يرويه المفسرون واصحاب السير عن معركة حنين التي اوجعت المسلمين ان جبريل عرض على رسول الله (ص) ان يدعو ربه لينتقم من الذين قاتلوه ، فدعا الرسول الكريم فقال : اللهم اغفر لقومي انهم لا يعلمون ، فلماذا نعرض عن سنة سيدنا خاتم الانبياء ونتوقف عند تفسير اية انتزعت من سياقها وتركت لواحقها ، فنوح نبي مرسل وهو رحيم من دون ادنى شك ، وانه دعا ربه لاسئصال شأفة الكفر وليس لقتل الكفار صغارا وكبارا ، لانه يعلم بوصفه نبيا مرسلا ، ان لا مسوغ شرعيا لقتل الصغار ، بل ان الاسلام لا يجرم عملا الا بعد وقوعه ، فلا جريمة ولاعقوبة في الاسلام الا بنص شرعي من الكتاب او السنة ، بل ان الاسلام يؤكد على ان المرء اذا حدث نفسه بالاثم لا يأثم الا اذا وقع منه فعل الاثم ، وان نوح عليه السلام رسول الله وجه الكلام الذي ورد على لسانه في القران الكريم توجيها ، يقطع الطريق على اي فهم يذهب الى انه دعوة لقتل الكفار صغارا وكبارا ، عندما استغفر ربه بقوله تعالى { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا } فكانه استدرك فاستغفر ، اذ ركزه دعاءه على الظالمين ، والظلم لغة هو وضع الشيء في غير موضعه ، سواء أكان بزيادة أم بنقصان ، او بعدول عن وقته أو مكانه ، ومن أمثال العرب في الشَّبه مَنْ أَشْبَهَ أَباه فما ظَلَم ، أي ما وضع الشَّبَه في غير مَوْضعه ، والظلم يكون على النّاس ويكون على النّفس، وقد يحصل الظلم بالضرر المادّي والمعنوي ، فقد قصر نوح دعاءه على الظالمين ، الذين يعرفون الشئ ويعرفون موضعه الا انهم يضعونه في غير موضعه ، وهذا ليس في مقدور الصغار الذين لا قدرة لهم على تمييز الشئ وتمييز موضعه ، وعليه فالذين يفسرون الاية الكريمة على انها دعوة لقتل الجميع ، صغارا وكبارا ، ظالمين وغير ظالمين ، محاربين وغير محاربين ، انما ينتزعون الاية الكريمة من سياقها ، ويقترفون جريمة موصوفه يزيدونها شناعة عندما بقترفونها باسم الاسلام. المشكلة ان هؤلاء الذين يقتلون الناس في الطرقات والساحات وفي كل مكان باسم الاسلام ، وعلى وقع صيحة الله اكبر ، وهي اعظم صيحة يطلقها المؤمن في سياق كفاحه من اجل الحرية والانصاف والعدل وحقن دماء الناس وصون كرامتهم ، ولكن الذين يقتلون تطلقونها لغير اهدافها وبغير مكانها ، انما ينطلقون من فتاوى فقهاء ، يسقطون شرط الرحمة ، في تفسيرهم للكتاب الكريم والسنة الشريفة ، فتاتي فتاواهم خالية من رحمة الله التي وسعت كل شيء ، الايخشى اؤلئك الفقهاء الذين تفوح فتاواهم برائحة الدم والقتل ، ان اسقاطهم لشرط الرحمة المؤكد في الكتاب والسنة ، قد يؤدي بهم الى ان يحشروا آيسين من رحمة الله ، فيحاكمون بعدله ، ويساقون الى جهنم زمرا