23 ديسمبر، 2024 12:16 م

الاولويات الإستراتيجية للبرنامج الحكومي:

الاولويات الإستراتيجية للبرنامج الحكومي:

مناقشة هادئة لمواضيع تطوير كفاءة المؤسسات التعليمية والبحثية
طرحت قبل ايام الاولويات الإستراتيجية للبرنامج الحكومي المعلن من السيد رئيس الوزراء للمدة (2014-2018) وبعنوان إستراتيجيات الوزارات تضمنت الاولويات التالية:

1- عراق آمن ومستقر،

2- الارتقاء بالمستوى الخدمي والمعيشي للمواطن،

3- تشجيع التحول نحو القطاع الخاص،

4- زيادة انتاج النفط والغاز لتحسين الاستدامة المالية،

5- الاصلاح المالي والاداري للمؤسسات الحكومية،

6- تنظيم العلاقات الاتحادية-المحلية .

 

ويبدو جليا عند تصفح الوثيقة المكونة من 16 صفحة شمولية الاولويات في التعبير عن مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والامنية بما يؤكد ان واضعي هذه الاولويات الإستراتيجية قد اخذوا بنظر الاعتبار كل ما هو عاجل ومهم من إجراءات وسياسات توجه مسيرة الأداء الحكومي على المدى القصير، وما يسهم في تطوير برامج الدولة ويسرع من عملية البناء والتنمية. ومن دواعي سروري ان هذه الاولويات ستطرح في مؤتمر علمي كبير لإتاحة الفرصة أمام الخبراء والمهتمين من مناقشته وإبداء ما يعن لهم من آراء حوله، وهو ما يعكس اهتمام قيادة البلاد بمشورة اصحاب الاختصاص والخبراء الاكاديميين، فضلا عن اتاحة الفرصة لكل المواطنين من الاطلاع على برنامج الوزارات وبالتالي امكانية تقييم عملها في المستقبل القصير.

 

وإقتصادا للوقت والجهد، واحتراما للاختصاص واهميته في معالجة فقرات الاولويات الإستراتيجية المختلفة فإنني سأحتفظ بعدد من الملاحظات على نصوص المواد التي تضمنتها الاولويات المشار إليها، محاولا التركيز على النقاط  الخاصة بموضوع اهتمامي وخبرتي والمتعلق بتطوير كفاءة المؤسسات التعليمية والبحثية وذلك على النحو التالي:

 

1- فك الازدواج في المدارس واستيعاب النمو الطبيعي لأعداد الطلبة، وتوفير بيئة مدرسية ملائمة وصحية من خلال بناء وتأهيل مدارس جديدة في عموم المحافظات.

 

سيتطلب تحقيق هذا الهدف انشاء الآلاف من المدارس المجهزة بأحدث ما يتوفر من مرافق ومعدات تدريسية بالاضافة الى توفير اعداد كافية من المعلمين والمدرسين لضمان فك الازدواج بكفاءة وقدرة حقيقية. ولربما من المستحيل تحقيق هذا الهدف كاملا في فترة اربعة سنوات لذا فمن المهم هو ضمان توفير معدل مقبول من ساعات دراسية مدرسية يتم فيها تغطية منهج دراسي متكامل في السنة الدراسية الواحدة. لذا فان حساب عدد الوحدات المدرسية اللازمة سيعتمد على عدد الساعات الصفية وهي التي بدورها تحدد عدد الوحدات المدرسية اللازمة، الا انه يبقى توفير ساعات دراسية كافية في السنة بدرجة من الاهمية تعادل او تتفوق على مسألة فك الازدواج.

 

لا تتوفر لي معلومات عن عدد ايام الدراسة وعدد الساعات الصفية في السنة الواحدة في العراق، الا انه من الضروري ان لا يقل العدد عن 220 يوما، أو ما يعادل 1000 ساعة في السنة الدراسية الواحدة، بالاضافة للساعات المخصصة للنشاطات اللاصفية كما هو معمول به في دول مختلفة من العالم. لا بد، ومع ذلك ان يراعى عند إجراء المقارنة بين كافة النظم المدرسية المعمول بها في العالم اختيار ما يتناسب منها مع أوضاعنا الذاتية وظروفنا الخاصة وتطلعاتنا إلى زيادة عدد الملتحقين بالتعليم الاولي والثانوي والجامعي، كل ذلك على ضوء ما هو متاح من إحصاءات سكانية وامكانيات مالية.

 

كما ان بناء الوحدات المدرسية اللازمة سيتعلق بدرجة كبيرة بعدد المعلمين والمدرسين المتوفرين وعلى اساس نسبة معلم او مدرس لكل 20-25 طالب، وهي نسبة بالرغم من صعوبة تحقيقها اعتبر بلوغها من الاولويات الستراتيجية، لذا فليس هناك فائدة من فك الازدواج مع بقاء نسبة معلم لكل 30 الى 50 طالب في الصف الواحد. ان احدى طرق تطوير التعليم الاساسي هي بالاستفادة من الطاقات الهائلة المتوفرة لدى حملة الماجستير والدكتوراه العاطلين وذلك بتعينهم كمدرسين في المدارس الثانوية والاعدادية كما هو عليه الحال في معظم دول العالم خصوصا في مدارس الدول الغربية.

 

2- تطوير البنى التحتية للتعليم العالي والبحث العلمي وذلك لاستيعاب طلب المحافظات والزيادة المتدفقة وتحديد الطاقة الاستيعابية لكل مؤسسة والالتزام  بالمخطط  التصميمي لها. واستكمال الابنية التعليمية حسب المقرر لها مع ادخال التقنيات ومستجدات المرحلة القادمة مع تطوير كفاءة منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في مجال اسداء الخدمة للجميع وصولا الى كفاءة منظومة التعليم العالي والبحث العلمي.

 

لا غبار عن كون تطوير البنى التحتية كهدف ضروري لتمكين الجامعات من اداء دورها في تدريب كفاءات عالية يحتاجها سوق العمل إلا ان ذلك يجب ان لا يكون بصورة توسع افقي عن طريق استحداث جامعات جديدة وكما يبدو كتلبية لطلب المحافظات والتي بدورها لن تتوقف عن الطلب حتى تكون لكل ناحية وقرية جامعة خاصة بها.

 

طلب المحافظات بجامعات جديدة غير موضوعي ولا يتناسب مع العدد المحدود من التدريسيين ذوي القدرات الملائمة للعمل في الجامعات فليس كل من حصل على الدكتوراه يمكنه ان يصبح استاذا جامعيا ناهيك عن حملة الماجستير والذين يمثلون حاليا 70% من تدريسي الجامعات العراقية ، والذين يجب ان تكون اولويات البرنامج الحكومي هو اما تدريبهم عاليا، او توفير فرص عمل لهم كمدرسين في المدارس الثانوية والاعدادية. ولكي لا يتم وضع العربة امام الحصان، يجب اولا اجراء دراسة حول حاجة مؤسسات الدولة والسوق الاهلي والمحافظات الى التخصصات التي يحتاجها البلد، فنحن، وكما اكدنا عليه مرارا وتكرارا، نحتاج الى اصلاح منظومة التعليم العالي، “لدرء انخفاض الكفاءة التعليمية والتدريبية والجودة، وإيقاف الزيادة في الفاقد التربوي المرتبطة بنشوء الجامعات الحديثة، والذي يتطلب نهجا تربويا وإداريا وتعليميا مغايرا لما هو قائم حاليا، وليتمكن خريج الجامعة في يومنا هذا من ممارسة مهنته بصورة متقنة أو يتمكن من تنمية قدراته وقابلياته لكي يتقن مهنته”.

 

ان استحداث جامعات جديدة في الوقت الذي لازالت فيه الجامعات الحالية تعاني من ضعف مزمن في مناهجها وأساليب تدريسها، وشحة التدريسيين الأكفاء فيها، والنقص الرهيب في تجهيز مختبراتها وأبنيتها، وتوفير المساكن اللائقة لطلبتها، سيؤدي الى مجرد زيادة في المؤسسات التعليمية التي تفتقد فيها شروط البيئة الجامعية المطلوبة، وستزيد من أعداد الخريجين العاطلين، ومن الذين لا يحتاجهم سوق العمل وفي انهيار المهارات الاحترافية والمهنية للخريجين. لذا اعود وأقول نعم تحتاج الجامعات الحالية الى تطوير البنى التحتية من بنايات ومرافق ومختبرات وأجهزة وكتب وانظمة الكترونية لكي تتمكن من توفير بيئة جامعية حقيقية غير مزيفة. الا اني استغرب من التأكيد على تطوير كفاءة منظومة التعليم العالي من دون الاشارة الى ضرورة تطبيق نظام الجودة في التعليم العالي وذلك بإنشاء مؤسسة عليا مستقلة لضمان الجودة والاعتماد، فبدون ضمان الجودة لن تتمكن الجامعات من تطوير وتحسين مخرجاتها، وتلبية احتياجات سوق العمل. كما استغرب التأكيد على الالتزام بالمخططات التصميمية بدلا من التأكيد على ضرورة مراجعة هذه المخططات لغرض تخليصها من التقليدية وانعدام مواكبة روح العصر والتي تحصل نتيجة ضعف المعرفة بالتطورات العالمية الجديدة وعدم معرفة الفروق بين الفضاء المدرسي والفضاء الجامعي.

 

3- الارتقاء بالبحث العلمي من خلال بناء قاعدة مادية ومختبرات علمية تخصصية في مجالات:

بحوث الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، قياسات التراكيز الواطئة جدا لليورانيوم، وباعثات الفا وبيتا وكاما، تصنيع وتشخيص المواد المتقدمة والنانوية، توفير احتياجات الوزارة من الابنية الادارية والمختبرات والورش وتأهيل البنى التحتية لتمكين الدوائر العلمية من القيام بأعمالها البحثية.

 

يبدو ان هذه الاولويات هي خليط من مواضيع يعتبر البحث العلمي ضرورة لتطويرها وتوطينها في العراق ومواضيع تكنولوجية بحته لا نحتاج الا الى استيرادها وتطبيقها في العراق، وهي اولويات يبدو انها ملائمة لوزارة العلوم والتكنولوجيا بالرغم من عدم الاشارة مباشرة للوزارة، وهنا لابد لنا في هذا السياق ان نأخذ بنظر الاعتبار الدور الكبير الذي يمكن لهذه الوزارة ومنتسبيها من الكفاءات العلمية في بناء صرح شامخ للبحث العلمي والابتكار هذا اذا ما توفرت المرافق العلمية والمختبرات الحديثة وتم ضخ دماء علمية شابة جديدة ومن المبتعثين لجامعات الدول الغربية، علما انه تتوفر للوزارة حاليا اكثر من 1000 عالم عراقي متمرس يمكنهم في حالة توفر البيئة البحثية الملائمة والمدعومة من قبل الدولة من حل مشاكل عديدة في الصناعة والزراعة والصحة ورفع شأن العراق في المحافل الدولية والادبيات العلمية.

 

برأينا، لابد للاولويات الاستراتيجية للتنمية الوطنية ان تأخذ بنظر الاعتبار ما يلي:

1- واقع البحث العلمي والتكنولوجي والتطوير من حيث عدد ومستويات القدرات العلمية في كل فرع من فروع المعرفة العلمية، وليس استنادا لأهمية الموضوع واهتمام العالم به فقط كما يبدو من بعض المواضيع المدرجة في الاولويات ومواضيع اخرى اهملت لأنها ليست مثيرة، بالاضافة الى اعتبار ما يمكن ان تقدمه مؤسسات البحث العلمي خارج وزارة العلوم والتكنولوجيا كالجامعات من مساهمات في تطوير وتنمية الاقتصاد العراقي وحل مشكلات البلد الصحية والزراعية وارتباطها بالتنمية وإغناء المعارف العلمية والتكنولوجية على الصعيد العالمي.

2- العلاقة الادارية والعلمية بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة العلوم والتكنولوجيا ودورهما في الاشراف على البحث العلمي وتطويره لان الاولويات الإستراتيجية للبحث العلمي بواقع الحال في العراق تتعلق بعمل الالاف الباحثين في هاتين الوزارتين والوزارات الاخرى بضمنها وزارات الزراعة والبيئة والنفط والمياه.

 3- الامكانيات المالية المخصصة للتربية والتعليم الاساسي والعالي ونسبة الانفاق الحكومي على البحث العلمي.

 

غرض هذه الاولويات الإستراتيجية يجب ان يشمل تطوير بيئة متكاملة لتمكين الجامعات والمؤسسات العلمية من بناء هيكلية للبحث العلمي بالاستناد إلى الاجهزة الحالية بعد تطويرها لتتلاءم مع التطورات العالمية في اساليب وطرق وأغراض البحث العلمي اخذين بنظر الاعتبار شحة الموارد المالية وظروف العراق المرحلية والتي تتطلب برنامجا جذريا وسريعا وقابلا للتطور والعطاء.

 

اما اهم مرتكزات هذه الاولويات الستراتيجية فيجب ان تشمل ما يلي:

 
1- استحداث منظومة مالية متوازنة ومستقرة لتمويل البحث العلمي.

2- تدريب وتأهيل قيادات فاعلة لتسيير وادارة المؤسسات البحثية الوزارية والجامعية.

3- خلق اجواء علمية ايجابية لتنمية القابليات الابتكارية للباحثين والاكاديميين.

4- تركيز مصادر البحث العلمي والامكانات من بنى تحتية و تجهيزات و موارد بشرية في عدد اقل من المؤسسات العلمية والجامعات.

5- تشجيع البحث العلمي المشترك الداخلي والتعاون العالمي.

6- وضع منظومة تقييم بالاستناد الى معاييرالجودة العالمية.

4- تزويد الطلاب والهيئات التعليمية بالمصادر العلمية للتعليم والتعلم، وانشاء المكتبة الالكترونية.

 لربما يقصد هنا تدريب الهيئات التعليمية ببيدوغوجيات التعليم والتعلم الحديثة، وتغير أساليب التدريس باعتماد نهج جديد يضع الطالب في المركز ويهدف الى تعليمه مهارات التعلم والقابليات، وادخال تكنولوجيا المعلومات والاتصال وطرق التعليم عن بعد.  في مدارس وجامعات الدول المتطورة تتمحور مخرجات التعلم حول المتعلم اي الطالب، وليس حول المدرس، وتركز على التعليم الناتج عن فعالية ما، لا على الفعالية نفسها، وعلى المهارات والقدرات الرئيسية،  كما تعبر عن الرسالة التعليمية للمدرسة وللجامعة وعن القيم التي تمثلها. ويعبر عن هذه المخرجات افعال يجب على التلاميذ تفعيلها فتقوم بعملية الربط بين الاهداف والنتائج ومنها يتم معرفة مدى تفهم التلاميذ لمادة المقرر.

 

ومن المؤسف انه لم يذكر هنا اهمية توفير الحوافز فهي مهمة جدا لتحقيق الاهداف المتوخاة من مخرجات التعليم، فكما يقول المثل الانكليزي “يمكنك ان تقود الحصان الى النهر ولكنك لن تستطيع اجباره على شرب الماء”، فاذا لم تتوفر الحوافز للطالب فان تعليمه سيكون مضيعة للوقت. ومن الطبيعي ان تكون القدرة على تحفيز الطالب على التعلم احدى المهارات الرئيسية لكل مدرس لذا يكون تدريب المدرسين بالبيدوغوجيات الحديثة للتعليم والتعلم واستخدامها بصورة صحيحة اهم من تزويدهم بمصادرها. كما ان ادخال المكتبة الالكترونية يحتاج الى تدريب الهيئات التعليمية ليس فقط على طرق استخدامها، وإنما على ضرورياتها في عملية التدريس التي تستند على تعلم وتفهم الطلاب للدروس وليس على التلقين والاجترار. ادخلت المكتبة الالكترونية في التعليم العالي في العراق منذ فترة طويلة ومن دون تحقيق الفائدة القصوى واستخدامها بالصورة الصحيحة حيث لا تتوفر اية ادلة حاليا على مساهمتها في تحسين مستوى البحث العلمي، انها اصبحت مجرد اداة سريعة في الاقتباس من الادبيات العالمية. هذه حالة شائعة في دول العالم النامي حيث يتم ادخال التكنولوجيا الحديثة من دون مراقبة مفعولها وكفاءة استخدامها ودرجة الاستفادة منها.

5- مواكبة التطورات الالكترونية والتكنولوجية في التعليم والتعلم وإدخال مادة الحاسوب ضمن المناهج التعليمية.

ان تنفيذ مثل هذه الاولوية الإستراتيجية سيكون مرهونا بتطوير قابليات المدرسين في مجال تقنية المعلومات، كشرط لادخال مادة الحاسوب بنجاح ضمن المناهج التعليمية. اني استطيع القول ان غياب الرقمنة في المدارس، هي احد التحديات التي تحتاج الى جهد كبير وتعاون كبير فيها بين الجامعة والمدرسة، ولان تكنولوجيا المعلومات وتطويرها يعني بشكل او بأخر تطوير التعليم لأنه يوفر ادوات التواصل المختلفة بين بيئة التعليم والمتعلمين. برأي ان مواكبة التطورات الالكترونية لابد ان تشمل توفير خدمة الانترنت للمدارس، وتوظيف الخدمات الالكترونية في هذا الصدد، وتوفير كوادر بشرية على قدر كبير من التدريب والتأهل لاداء رسالة التدريس على اكمل وجه. ولابد للأولويات الإستراتيجية ان تجيب عن اسئلة مشروعة وهي كيفية تحفيز الطلاب على المضي قدما في التعليم والدراسة برغبة وبمسؤلية كاملة، وما هو نوع التعليم الذي نحتاج اليه في السنوات المقبلة؟

 

نحن ايضا نحتاج الى ادخال اللغات العصرية وخاصة الانكليزية الى مناهج الدراسة الابتدائية ومن السنة الاولى، لمعالجة الضعف اللغوي عند الفرد العراقي، وكإيمان بأهمية تعلم اللغات منذ سن مبكرة. أما الجامعة فدورها في تعليم اللغات يتركز في تأهيل مدرسي اللغات ومن يحتاجهم سوق العمل. وكما اكدت عليه سابقا بأني مقتنع بأن تخلفنا العلمي والتكنولوجي يعود بدرجة كبيرة الى تخلفنا في اللغات العالمية، لأنها الوسيلة الأساسية في اقتباس المعلومات وكسب العلوم ونقل التكنولوجيا، وبها أيضا ننقل علومنا وابتكاراتنا واكتشافاتنا وكل ما يمكن ان نساهم به لتطوير الحضارة الانسانية الى العالم. ان المشاكل البيداغوجية التي تعاني منها المدرسة والجامعة حاليا والتي تزداد استفحالا هي التي تعيق تطوير تدريس اللغة الانكليزية، ومعالجتها بصورة صحيحة تجعل المدرسة مؤهلة للاستجابة لمتطلبات المجتمع في مجال العلم والمعرفة والمهارات. لذا ولغرض بناء شخصية متكاملة للشاب العراقي منفتحة على ثقافات وحضارات العالم وذات قابليات وامكانيات لغوية تخلق علاقة تفاعلية بين الاندماج الاقتصادي الذي تفرضه العولمة وواقع الارتباط العلمي والثقافي، يتطلب ذلك استراتيجية تربوية لها اهداف كبرى منها تمكين طالب المرحلة الاعدادية من التحدث والمواصلة باللغة الانكليزية بطلاقة كما هو عليه طالب المرحلة الاعدادية في عدد كبير من الدول كألمانيا وهولندة والسويد.

 

6- تشجيع مؤسسات التعليم الخاص في المجالات كافة وتحفيز الاستثمار في هذا المجال مع ضمان الارتقاء بمستوى التعليم.

 

التعليم الخاص سلاح ذو حدين فهو رسالة احيانا وتجارة احيانا اخرى. في الوقت الذي يجب ان تعمل الدولة على تحفيز الاستثمار وتشجيع انشاء المدارس والجامعات الخاصة ضمن اسس معايير ضمان الجودة ومتطلباتها في الاعتماد، لابد أن نكون هناك رقابة شديدة عليها بحيث تضمن غلق المدارس والجامعات التي لا تكون مستوياتها مساوية، او افضل من المدارس والجامعات الحكومية. التعليم الخاص يجب ان يتمم التعليم الحكومي، وان لا يقتصر على المدارس والجامعات الصباحية التي تعني بالتعليم الاكاديمي، بل يجب ان يمتد ليشمل المعاهد التطبيقية والمهنية والفنية مثل معاهد تعليم الحاسوب واللغات والفنون وإعطائها اهتماما خاصا. ويشمل التعليم الخاص ايضا المدارس والمعاهد والمراكز والجامعات التي تنشئها الدول الاجنبية استنادا الى اتفاقيات ثقافية بين العراق وبين هذه الدول.  وفي هذا المضمار اقترح ان يتم مراجعة اللوائح التنظيمية للتعليم الخاص بحيث تنص وبوضوح على هدف اللوائح في تحقيق المعايير الوطنية في الجودة بما يضمن تشجيع التنافس بين المدارس الخاصة، والعمل على ربط التعليم باحتياجات المجتمع ورفع مستوى التعليم والتعلم في الوطن عموما.

7- اعادة هيكلية المؤسسات التربوية التي تخرج المعلمين والمدرسين لضمان جودة العملية التربوية.

انا ممتن لرئيس الوزراء لشمول هذا الهدف في برنامجه، فهو هدف كثيرا ما دعوتُ اليه وطالبتُ الجامعات بالنظر في الهيكلية التنظيمية و الاكاديمية لكليات التربية ومعاهد اعداد المعلمين. ان احد اسباب انخفاض مستوى التعليم في المدارس هو ضعف تدريب المدرسين، والذي يعود بدرجة كبيرة الى عدم قدرة الجامعات على تغيير هيكلية الكليات لانعدام الاستقلالية وهذا يعد اخطر تحدي يواجه الدولة لتنفيذ الاولويات الإستراتيجية، ويعد ايضا من مكامن الخلل الرئيسية في النظام التربوي العراقي، والذي يكمن في المشاكل الادارية التي يعاني منها الهيكل التنظيمي لوزارة التربية ووزارة التعليم العالي، والمتمثل باتباع التنظيم العمودي والمركزي، والمتسبب بانعدام مرونة القوانين، وعدم مواكبتها للتغيرات السريعة في القطاعات التعليمية الدولية مما يشكل عائقا امام عمل الجامعات. من الضروري ان تعمل الجامعات على الغاء بكالوريوس كليات التربية وان تحل محلها نظام الدبلوم العالي للتربية بحيث يسمح لكل حاصل على شهادة البكالوريوس او ما يعادلها وفي البرامج العلمية والإنسانية والطبية والهندسية والاجتماعية وغيرها ممن يرغب ان يصبح مدرسا ان يسعى للحصول على الدبلوم العالي في التربية. كما انه من المهم ان يتم تشجيع اصحاب الشهادات العليا من الماجستير والدكتوراه لان يمتهنوا التدريس لما في ذلك فائدة كبرى للتعليم الاساسي وعلى غرار ما هو حاصل بصورة طبيعية في الدول الغربية.

8- اعادة تفعيل العمل بقانون التعليم الالزامي ورفع مستواه لغاية نهاية الدراسة المتوسطة.

ينص الدستور في المادة الرابعة والثلاثون على: 1- التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة وهو الزامي في المرحلة الابتدائية وتكفل الدولة مكافحة الامية . 2- التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله. بالرغم من ذلك لا اعرف بانه يوجد حاليا قانون ينظم عملية التعليم الالزامي كما هو عليه عملية التعليم الخاص، بحيث تهدف الاولويات الى تفعيل العمل به وبحيث تضمن الدولة كل المستلزمات لنجاحة خاصة وان طموحات واضعي الاولويات الإستراتيجية تتعدى المرحلة الابتدائية في التعليم الإلزامي إلى مرحلة المتوسطة مما قد يتطلب ذلك تعديلا دستوريا. كما انه من المحتمل ان تواجه الدولة صعوبات كبيرة في تطبيق القانون في ظل انعدام الامن وانتشار الارهاب.

وأخيراً، مع شديد الاسف، لم تتطرق الاولويات الستراتيجية الى موضوع استقلالية الجامعات، ويبدو واضحا عدم رغبة خبراء وزارة التعليم العالي في وضع توجهات استراتيجية واضحة في هذا المجال. كان بالأحرى تقديم اهداف واضحة عن هيكلية التعليم العالي، ومؤسساته بالاعتماد على رؤية جديدة لمستقبل التعليم العالي، وعلاقة الجامعات بالوزارة لغرض ترشيد المؤسسات القائمة، واستحداث مؤسسات جديدة انطلاقا من الأسس العامة لأسلوب الحكم الذاتي المتمثل في استقلالية المؤسسات التعليمية، واعتبار كل جامعة حرم ذو حصانة تتمتع بشخصية اعتبارية.

هذا ما احببت طرحه في هذه المناسبة، وسأعود الى الموضوع اذا ما طرحت هذه الاولويات الإستراتيجية للمناقشة العامة لغرض إثراء الحوار حولها، وهدفي هو تطوير الرؤية المستقبلية لقطاع التربية والتعليم والبحث العلمي والابتكار وردف عملية التخطيط والتنفيذ.