ربما سيظهر الاجتماع المهم الذي عقده رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني مع قادة الأحزاب الكردستانية، كردية وتركمانية ومسيحية وأرمنية في يوم 7 يونيو من هذا العام والذي حددوا فيه يوم 25 سبتمبر من العام الجاري موعدا لإجراء استفتاء لانفصال الاقليم عن العراق كعلامة بارزة ومنعطف تاريخي في النضال الكردي الطويل المليء بالدم مع الحكومات العراقية المتعاقبة. وبغض النظر عن دوافع الاستفتاء الواضحة في الانفصال عن دولة لم تنصف الكرد منذ تأسيسها، ولم تقر بحقوقهم الطبيعية المشروعة بل استخدمتهم دائماً كفئران تجارب لأسلحتها المحظورة دولياً مثل قنابل النابالم والأسلحة الكيمياوية، فإن إعلان الاستفتاء بحد ذاته تنبيه وتحذير للمجتمع الدولي من الأساليب السياسية الملتوية والممارسات غير القانونية التي تمارسها الأحزاب الشيعية الحاكمة منذ توليها السلطة عام 2003 مع المكونين (السُّنة والكرد) اللذين لن يكون للعراق وجود بدونهما والمفترض أنهما شريكان سياسيان في الحكم، ولكن هذه الأحزاب الطائفية دأبت على تهميشهما وإبعادهما عن مراكز السلطة، الأمر الذي أدى إلى التفرد بالحكم ونشوء دكتاتورية طائفية مدعومة بجيش ميليشياوي (الحشد الشعبي) ستكون له الغلبة السياسية والعسكرية على المشهد العراقي في الأيام القادمة، عقب مشاركته في الانتخابات العامة، عام 2018، كما أعلن زعماؤه ذلك مراراً.
والقرار الكردي بإجراء الاستفتاء، في حد ذاته، إدانة صريحة وقوية لتلك الأحزاب لخرقها المتواصل مواد الدستور وعدم تطبيقها، ومن أهمها وأخطرها على الإطلاق المادة 140 التي تعالج قضية المناطق الكردية التي استولت عليها الحكومات العراقية المتعاقبة عن طريق حملات التعريب والتهجير والتبعيث ومن ضمنها مدينة كركوك الاستراتيجية والتي بموجبها دخل الكرد في العملية السياسية في بغداد بعد أن كانوا منفصلين عنها نتيجة قرار السلطة المركزية في بغداد سحب مؤسساتها الإدارية في الإقليم عام 1992… والاستفتاء أيضاً شجب واستنكار للحصار الجائر الذي فرضته السلطة في بغداد على الشعب الكردي منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتحذير للعالم من تداعياته السلبية الخطيرة على وجوده، ربما لم يكن سهلاً على بارزاني أن يلجأ إلى الخيار الأخير والنهائي بالانفصال عن العراق ووضع حد للعلاقة غير الطبيعية معه لولا الضغط النفسي الهائل الذي رزح تحته نتيجة تجاوزات حكام الشيعة على حقوق الأكراد طوال السنوات الأربع عشرة من حكمهم، وفي النهاية توصل إلى نتيجة مفادها أن الحل عن طريق الحوار والاتفاقات مع هؤلاء لن يفضي الى شيء وقد جرب كل الطرق الدبلوماسية الهادئة وعقد اتفاقات لاحصر لها معهم ولكن لا فائدة، الحل الوحيد للمشاكل العالقة والأزمات القائمة هو الافتراق والانفصال، ويذهب كل واحد إلى حال سبيله ويختار الحكم الذي يناسبه مادام التوافق معدوماً بينهما ولا توجد أي بارقة أمل لالتقائهما على أرضية مشتركة.
ولم يأت القرار الكردي الحاسم بإجراء الاستفتاء للانفصال اعتباطاً أو مفاجئاً، فقد سبق لرئيس الإقليم في مناسبات عدة طرح فكرة الانفصال عن العراق وتشكيل الدولة الكردية المستقلة كحق من الحقوق الطبيعية المشروعة للشعب الكردي أسوة بباقي شعوب العالم، وباستحالة العيش المشترك في بلد واحد؛ فالجانب العراقي لم يترك منفذاً للتصالح والتوصل إلى اتفاق وعمل كل ما بوسعه للنيل من مكاسب الكرد الوطنية والقومية ونسف العلاقة معهم. وعبر قناة BBC البريطانية تحدث عن بعض معاناته مع زعماء بغداد وتساءل بحسرة كيف أعطوا لأنفسهم الحق في قطع الخبز عن مواطني كردستان، وكيف أداروا ظهورهم للتعهدات والقرارات والاتفاقيات؟!.