الانشقاق التأسيسي في الواقع الإسلامي

الانشقاق التأسيسي في الواقع الإسلامي

إذا كانت بعض العقائد والأفكار تحمل التناقض أو بذور الخلاف والتفرقة في داخلها أو في تكوينها، فإنّ الإسلام على العكس من ذلك تماماً، إذ جاء رحمة للبشرية كافة، جاء ليوحدهم ويلم صدعهم ويردم ما يفصل بينهم من اختلاف وتمييز وتباين، على جميع المستويات. وفي كلمة للإمام علي حول الرسول محمد، يقول: «فصدع بما اُمر به، وبلَّغ رسالات ربّه، فلمَّ الله به الصَّدع، ورتق به الفتق، وألَّف به الشّمل بين ذوي الأرحام»(1).

ولكن بعد وفاة الرسول مباشرة، بدأت بوادر الانقسام الأول بالظهور بقوة في الواقع الإسلامي، بشكل ومضمون غير متوقعين، حيث اجتمع قسم من المسلمين في سقيفة بني ساعدة في المدينة، لاختيار من سيخلف رسول الله، قبل أن يتم دفن الرسول، وحين كان علي بن أبي طالب يقوم بدفن النبيّ ومعه عدد من آل البيت وبعض كبار الصحابة. وهنا بذرت بذرة الانقسام، وبدأ الانشقاق الأساس في الواقع الإسلامي، والذي تمحور حول من سيخلف رسول الله في قيادة المسلمين ورئاسة الدولة الإسلامية، واللتين تلخصتا في منصب (الخلافة).

وقد انقسم المجتمعون في السقيفة ـ ابتداءً ـ إلى ثلاث جماعات، إحداها مالت إلى أبي بكر، وأُخرى إلى سعد بن عبادة (رئيس الخزرج)، والثالثة إلى علي بن أبي طالب، ثم انتهوا إلى جماعتين:

   1ـ أكثرية، بايعت أبا بكر بالخلافة، وفيهم أغلب الصحابة، يتقدمهم عمر بن الخطاب، الذي لعب الدور الأساس في إقناع أغلب الجمع بمبايعة أبي بكر ترغيباً أو ترهيباً، ثم تبلورت هذه الأكثرية ـ فيما بعد ـ بما عُرف بـ (أهل السنّة)، وهي سنة الخلفاء.

   2ـ أقلية، رفضت بيعة أبي بكر، وأصرّت على أنّ علي بن أبي طالب هو صاحب الحق الوحيد بالخلافة؛ لوجود النص عليه من رسول الله. وضمّت الأُسرة النبوية وبني هاشم وبعض المهاجرين والأنصار، ويقف على رأسهم الإمام علي نفسه، وتمخضت ـ فيما بعد ـ عما عُرف بـ (الشيعة)، وهم شيعة علي.

وقد ساهمت رؤوس المعارضة للإسلام، يتقدمهم أبو سفيان عميد الأُسرة الأُموية، مساهمة فاعلة في تعميق الانشقاق والخلاف، إذ كان أبو سفيان يدعو عشيرته إلى سرقة الزعامة والقيادة، وهو ما أعلنه ـ فيما بعد صراحة ـ بقولته الشهيرة: «يا بني أُمية، تلقّفوها تلقّف الكرة»(2)، وكذلك قوله لابن عمه عثمان بن عفان حين صارت الخلافة إليه: «اجعل أوتادها بني أُميّة؛ فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار»(3)، بل إنّه بعد انتهاء اجتماع السقيفة، وخروج القيادة من آل البيت والأُسرة النبوية، ذهب إلى قبر حمزة عم النبيّ (سيد شهداء العهد النبوي) ليركله برجله، ويعلن النصر على الإسلام(4).

وهنا يمكن تسجيل عدد من الملاحظات على هامش مخرجات اجتماع السقيفة والمرحلة التي أعقبته:

   1ـ إنّ الصراع على منصب إمامة المسلمين وقيادة دولتهم، لم يكن ليحدث لو تم الالتزام بنصوص رسول الله على من سيخلفه(5)، وهي نصوص ووقائع ينبغي أن تكون حاسمة وواضحة عند الصحابة.

   2ـ إنّ الانشقاق تسبب في حرف المفهوم الديني لإمامة الأُمّة بعد رسول الله، وفي اختراع منصب دنيوي عنوانه (الخلافة)، في حين أنّ منصب (الإمامة) هو امتداد للنبوة، وهو منصب ديني ودنيوي، ومصداقه الحصري بعد الرسول هو علي بن أبي طالب. وربما يمكن هنا اعتبار هذا المفصل، بدايةً لتاريخ الممارسة العلمانية عند المسلمين؛ فقد كان الخليفة خليفةً للنبيّ في البُعد الزمني لشخصية النبيّ، أي خليفةً لرئيس الدولة وامتداداً للحكومة الزمنية، وليس خليفة للنبيّ في بُعده الديني، في حين أنّ هذين المنصبين كانا منصباً واحداً في عهد النبيّ، ولم يكن الفصل بينهما بعد وفاة النبيّ، سوى قرار سياسيّ مقابل النص. وهذا الفصل بين المنصبين هو جوهر فصل السياسة عن الدين، بعد أن أصبح حاكم المسلمين حاكماً سياسياً، وليس حاكماً سياسياً دينياً. بينما نصّ رسول الله على استمرار وحدة المنصبين بعد وفاته، من خلال منصب الإمامة، الذي هو إمامة دينية وسياسية، وامتداد للنبوة في بُعدَيها الديني والدنيوي، وكان الإمام علي، وفق نصوص النبيّ، يمثل هذا الامتداد، إلّا أنّ إبعاده عن موقعه، خلق إشکالية الممارسة العلمانية التاريخية في واقع المسلمين.

   3ـ بقيت عملية الفصل مستمرة بين الموقعين الديني والزمني؛ حتى اتحدا ثانیة بانتخاب الإمام علي خلیفة للمسلمین، إذ نصّب هذا الانتخاب الإمام علياً حاکماً زمنياً للمسلمین، ولم ینصبه في موقع الإمامة الدینیة؛ لأنّ موقع الإمامة الدینیة هو موقع منصوص عليه وذاتي وخاص بالإمام علي والأئمة من بعده، وفق العقيدة الإمامية، ولا یفقده الإمام، حتى لو يكن حاکماً زمنياً للمسلمین. أي أنّ الإمام علياً کان في عهد الخلفاء الثلاثة، یمتلك منصب الإمامة والخلافة الدینیة بالقوة والفعل، كما يمتلك منصب الخلافة السياسية بالقوة وليس بالفعل، ما يعني أنّه کان الإمام الشرعي، ولکن لم یکن مبسوط الید. أمّا بعد استلامه زمام الخلافة السیاسیة، فقد اتحد المنصبان بالفعل مرة أُخری، وبالتالي؛ کان انتخابه للخلافة تفعیلاً لموقعه الشرعي ولیس إعطاء الشرعیة له، أو بکلمة أُخری إعطاؤه المشروعیة القانونیة لممارسة السلطة الزمنیة علی المسلمین. وقد استمر هذا الأمر (وحدة المنصب) في عهد الإمام الحسن.

   4- بعد انتقال السلطة السياسية إلى معاوية في الظروف المعروفة تاریخیاً، انفصل المنصبان مرة أُخری؛ فأصبح معاویة حاکماً سیاسیاً للمسلمین، ولکن بقي الحسن بن علي هو الإمام الشرعي للمسلمین، إذ إنّه تنازل عن السلطة السیاسیة ولم یتنازل عن منصب الإمامة، الذي هو منصب خاص وذاتي، وليس بيده أن يتنازل عنه.

   5ـ تعرّض عترة الرسول إلى التدمير المعنوي والمادي، وهي التركة التي أوصى رسول الله المسلمين بالتمسك بها إلى جانب القرآن الكريم، وفق حديث الثقلين: «يا أيّها الناس إني تارك فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي؛ فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»(6).

   6ـ سيطرة المعارضة للإسلام، والمتمثلة بآل أُميّة، على حكم المسلمين، من خلال مروان بن الحكم صهر الخليفة عثمان، سيطرة مباشرة، الأمر الذي مهّد لسيطرتهم النهائية على مقدرات الإسلام والمسلمين فيما بعد.

ومع أنّ الإمام علي بقي يرى نفسه أحق بالخلافة الزمنية(7)، إلّا أنّه بذل كل سعيه لتجاوز آثار الخلاف، حفاظاً على وحدة الأُمّة، وكان يردد: «لاُسلِّمنَّ ما سلمت عليه اُمور المسلمين»(8)، ويقول أيضاً: «وليس رجل ـ فاعلم ـ أحرص على جماعة اُمّة محمد وإلفتها مني»(9)، واضعاً بذلك الأُسس الأُولى للتقريب والوحدة بين المسلمين، باتجاهاتهم الفكرية والسياسية المختلفة؛ إذ لم يكن يمانع من مد يد العون والمشورة والنصح للخلفاء الثلاثة، ولم يكن خلافه معهم سبباً في إيجاد الفرقة والنزاع بين المسلمين، وهو ما كان يحمل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على القول أكثر من مرة: «لولا علي لهلك عمر»(10)، و«لولاك لافتضحنا»(11).

والاتجاهات التي كان لها موقف من قضية (الخلافة)، انقسمت حيال محورها (الإمام علي بن أبي طالب) إلى أربع فئات رئيسة:

   1ـ فئة بغت عليه وغالت في عدائه، وهم (الخوارج) و(النواصب)، وفي مقدمهم آل أُميّة.

   2ـ فئة غالت في حبّه، وهم (الغلاة)، بل إنّ قسماً منهم رفعوه إلى مرتبة الأُلوهية.

   3ـ فئة ساوته بأبي بكر وعمر وعثمان، وقدّمتهم عليه في المنزلة، واعتبرت أنّ اتجاهها واقعي وينسجم مع التراتبية التاريخية، وهي مدرسة الخلفاء، أو من يطلقون على أنفسهم (أهل السنّة).

   4ـ فئة عرفت حقّه في النص عليه كخليفة لرسول الله وإماماً دينياً ودنيوياً للأُمّة من بعده، ووالته عقيدياً وواقعياً، وهم (الشيعة)، أي شيعة علي.

وربما لا يكون هذا التقسيم حقيقة مطلقة، بل بين فئاته ثمة تداخل أحياناً، ولكن نذكره هنا لتلخيص الصورة المعقدة التي كانت سائدة آنذاك. وفي هذا المقام يقول الإمام علي: «وسيهلك فيَّ صنفان: محبٌ مفرط يذهب به الحبّ إلى غير الحق، ومُبغضٌ مُفرطٌ يذهب به البغض إلى غير الحقّ، وخير الناس فيَّ حالاً النمط الأوسط فالزموه، والزموا السواد الأعظم فإنّ يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة»(12).

وحين انتخب الإمام علي للخلافة الزمنية، سعى لتجاوز الماضي، ولفت أنظار المسلمين إلى ما يحيق بهم من مخاطر، وإلى واقعهم الصعب، فيقول عندما يسأله رجل عن رأيه بأمر الخلافة بعد وفاة الرسول: «كانت أَثَرَة شحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحَكَم الله، والمعود إليه القيامة. ودع عنك نهباً صيح في حَجَراته.. ولكنْ حديثاً ما حديثُ الرواحِلِ»(13).

وفي سنوات خلافة الإمام علي، وقعت للمسلمين أحداث كبيرة، لم يكن من السهل أبداً جبر الكسر الذي نتج عنها، حتى أصبح السيف هو الفيصل بين المسلمين، وأهمها:

   1 ـ رفض بعض الصحابة مبايعة الإمام علي، برغم إجماع المسلمين على بيعته.

   2 ـ خروج طلحة والزبير ومعهما عائشة بنت أبي بكر على إمام زمانهم، مطالبين بدم الخليفة عثمان بن عفان، ونشوب معركة (الجمل)، التي أحلّت مبدأ القتال بين المسلمين، والصحابة منهم على وجه التحديد.

   3ـ رفع آل أُميّة راية العصيان ضد الخليفة الإمام علي، حتى بعد أن انتخبه المسلمون للخلافة الدنيوية. وكان معاوية هو رمز آل أُميّة بعد أبيه أبي سفيان، إذ رفض معاوية (والي الشام) تقديم فروض الطاعة لخليفة المسلمين، وخروجه عليه فيما بعد، ونشوب معركة (صفين) بين الطرفين.

   4 ـ ظهور فرقة الخوارج خلال معركة صفين، وفي أعقاب خدعة التحكيم، فكانت أحد طرفي معركة (النهروان).

   5 ـ ظهور بوادر الدعامات العقيدية للطوائف والفرق، نتيجة الآراء والمواقف المختلفة، التي اختلطت فيها المفاهيم الفكرية والحوادث السياسية والمصالح السلطوية.

ومن أهم تلك الدعامات العقيدية، ما ظهر من آراء متناقضة حيال معركة صفين. فأحدها رأى: أنّ كلا الطرفين المتحاربين كافر، ورأى الآخر: أنّ كليهما فاسق، وآخر: كلاهما تأوّل فأخطأ، ورابع قال: أحدهما فاسق والآخر مؤمن، وخامس: أرجأ وأمسك القول(14). كما كان خروج الزبير بن العوام في معركة الجمل من جهة، وقتل عمار بن ياسر في صفين من جهة أُخرى؛ أبرز عاملين في ظهور بعض الأُسس المذهبية، التي يقف في مقدمتها: (الاجتهاد مقابل النص). ففي تسويغ قول النبيّ للزبير: «ستقاتل علياً وأنت له ظالم»(15)، و«عمّار تقتله الفئة الباغية»(16)؛ قال بعضهم: «كلا، ما بغى من قتل عماراً، ولا ظلم الزبير حتى لو قاتل علياً، بل اجتهدا فأخطآ، والمجتهد المخطئ مأجور ومغفور له»(17). وقال آخرون: بأنّ «الذي تسبّب في قتل عمار هو علي»(18)، وإن كان أهل الشام قد قتلوه بالفعل.

واستمرت هذه الفترة حافلة بالمفاهيم الجديدة التي حُمّلت على الإسلام، والتفسيرات والاجتهادات الخاصة والكيفية بشأن القرآن الكريم والسنّة النبوية. فكان الكثيرون يبتدعون الآراء والمدارس الفكرية، ثم يفرضونها على القرآن والسنّة، لتسويغها وتثبيتها، بدلاً من استلهام أفكارهم من القرآن أو عرضها عليه. وامتدت أيدي دعاة التفرقة والعصبيات المذهبية والسياسية إلى القرآن الكريم، «وأخذوا يوجهون العقول في فهم وجهات تتفق وما يريدون… فأصبحنا نرى من يؤوّل الآيات لتتوافق مع مذهب فلان، ومن يخرجها عن بيانه الواضح، وغرضها المسوقة له؛ لكيلا تصلح دليلاً لمذهب فلان، وبهذا أصبح القرآن تابعاً، بعد أن كان متبوعاً، ومحكوماً عليه، بعد أن كان حاكماً»(19). وهنا يقول الإمام علي: «فاجتمع القوم على الفرقة، وافترقوا على الجماعة، كأنّهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم»(20).

وعلى رغم كل حالات التفرقة والتمزق التي شهدتها فترة خلافة الإمام علي، إلّا أنّه كان يبذل جهده للمّ الصدع، والحيلولة دون اتساع رقعة الشقاق والخلاف، وكان يحث المسلمين على ذلك. ففي إحدى خطبة يقول: «واحذروا ما نزل بالاُمم قبلكم… فالزموا كل أمر لزمت العزّة به شأنهم، وزاحت الأعداء له عنهم، ومُدّت العافية به عليهم، وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الكرامة عليه حبلهم، من الاجتناب للفرقة، واللّزوم للاُلفة، والتحاضّ عليها، والتواصي بها، واجتَنِبوا كل أمرٍ كسر فقرتهم، وأوهن مُنّتهم، من تضاعن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي… ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين، وملوكاً على رقاب العالمين، فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر اُمورهم، حين وقعت الفرقة، وتشتتت الاُلفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعّبوا مختلفين، وتفرّقوا متحاربين، قد خلع الله عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته، وبقي قصص أخبارهم فيكم عبراً للمعتبرين»(21).

وفي الخطبة ـ أيضاً ـ تفاصيل عن الأكاسرة والقياصرة وغيرهم، وتأكيد الاعتبار بمصيرهم، ونبذ الطائفية والنزاع. بيد أنّ عمق الخلاف والظروف المريرة التي كانت تسيطر على الأُمّة حينها، لم تدعم الإمام في مساعيه، الأمر الذي جعله يعاني طوال تلك الفترة من الفتن وعدم طاعة أوامره في هذا المجال وغيره، حتى قال للناس في إحدى خطبة متبرماً: «يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أنّي لم أركم، ولم أعرفكم معرفة ـ والله ـ جرّت ندماً، وأعقبت سدماً. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرّعتموني نُغبَ التهمام أنفاساً، وأفسدتم عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان… ولكن لا رأي لمن لا يطاع»(22).

وكان التآمر على الإسلام ورمزه الحاضر الإمام علي، وكذا ظهور الأُسس العقيدية المنحرفة في أوساط المسلمين بشكل مبكّر؛ السبب المباشر في مقتل الإمام علي على يد أحد الخوارج، بقرار مشترك من معاوية والخوارج(23). وحتى حين بايع المسلمون من بعده ولده الإمام الحسن، فإنّ التآمر على الإسلام ممثلاً بالتمرد الأُموي بقيادة معاوية، دخل مرحلة أكثر تشدداً؛ الأمر الذي اضطر الحسن بن علي للتنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، وحينها بدأت مرحلة جديدة من تاريخ الانشقاقات والخلافات.

ولعل أهم العوامل التاريخية التي ساهمت في سقي بذور الخلاف والتفرقة بين المسلمين، ونمائها:

   1 ـ المصالح الشخصية والفئوية التي تحكمت بكثير المسلمين، والتي دفعت بعضهم إلى العصيان والتمرد على خليفة المسلمين ورئيس الدولة الإسلامية، سواء في عهد الإمام علي أو عهد الإمام الحسن.

   2 ـ تآمر الفئات التي بقيت متمسكة بجاهليتها وعدائها للإسلام، وبينها فئة المنافقين، إضافة إلى يهود الجزيرة وصليبيو الشام، والذين لم يتركوا يوماً محاولات الفتك بالإسلام وتمزيق وحدة أبنائه.

   3 ـ الاختلاف في تفسير القرآن وضبط السُنّة النبوية ورواتها ودلالاتها، والاجتهادات الخاصة، التي تجاوزت ما نص عليه النبيّ من العودة إلى العترة في التفسير والاختلاف(24)، والتي انتقلت من الصعيد النظري إلى المجال العملي، ثم تحولت إلى أنواع مخيفة من التعصب الأعمى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) «نهج البلاغة»، تحقيق، صبحي الصالح، ص 353،الخطبة (231).
(2) الطبري، «تاريخ الطبري»، ج 8 ص 185 وفيه: يا بني عبد مناف؛ المسعودي، «مروج الذهب ومعادن الجوهر»، ج 2 ص 343؛ والعديد من المصادر التي يطول بذكرها المقام. أذكر منها: البلاذري في «أنساب الأشراف»؛ والجوهري في «السقيفة وفدك»؛ وأبو الفرج الأصفهاني في «الأغاني»؛ وابن حمدون في «التذكرة الحمدونية»؛ وابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»؛ وأبو الفداء في «المختصر في أخبار البشر»؛ والمقريزي في «النزاع والتخاصم»، وغيرهم.
(3) ابن عبد البر، «الاستيعاب»، ج 4 ص 1679؛ المقريزي، «النزاع والتخاصم»، ص 60؛ التذكرة الحمدونية، ج 9 ص 171 ح 380؛ ابن أبي الحديد، «شرح نهج البلاغة»، ج 2 ص 45، وج 9 ص 53، وج15 ص 175.
(4) ابن أبي الحديد، «شرح نهج البلاغة»، ج 16 ص136 الكتاب 32.
(5) وهو الإمام علي بن أبي طالب، وفق عشرات الأحاديث والوقائع الثابتة، وفي مقدمتها واقعة الغدير وحديثها. أُنظر: علي المؤمن، «احتجاج الإمام علي بحديث الغدير على أحقيته بالخلافة»، وكالة براثا، بغداد، 20/6/2024.
(6) الصفار، «بصائر الدرجات»، ص 433؛ ابن أبي شيبة، «المصنّف»، ج 7 ص 418 ح 41؛ ابن أبي عاصم، «السنة»: ص 630 ح 1555؛ الترمذي، «سنن الترمذي»، ج 5 ص 328 ح 3874. والحديث ورد بألفاظ متعددة تبعاً لتعدد رواته، وتعدد المناسبات التي صدح رسول الله فيها بهذا الحديث المتواتر، فمرة في منى، وأُخرى في يوم عرفة، وثالثة في غدير خم عند عودته من حجة البلاغ، ورابعة في مسجد الخيف، وفي غير موضع.
(7) ورد هذا المعنى في العديد من خطبه وكلماته ورسائله، ومنها خطبته الشهيرة بـ (الشقشقية). أُنظر: «نهج البلاغة»، ص 48 ـ 50 الخطبة (3)؛ وانظر أيضاً: علي المؤمن، «احتجاج الإمام علي بحديث الغدير على أحقيته بخلافة رسول الله»، وكالة براثا، 20/6/2024.
(8) «نهج البلاغة»، ص 102 الخطبة (74).
(9) «نهج البلاغة»، ص 466 الكتاب (78).
(10) ابن عبد البر، «الاستيعاب في معرفة الأصحاب»، ج3 ص 1103؛ عضد الدين الإيجي، «المواقف»، ج 3 ص 627و636؛ الكليني، «الكافي»، ج 7 ص 424 ح6.
(11) «نهج البلاغة»، ص 523 ذيل الحكمة 270.
(12) «نهج البلاغة»، ص 184 الخطبة (127). وقد رواه ابن كثير في «البداية والنهاية »، ج 7 ص 392 بنحو آخر: «ألا وأنّه يهلك فيَّ اثنان، محب مطري مفرط، يقرظني بما ليس فيَّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني».
(13) «نهج البلاغة»، ص 231 الخطبة (162). والبيت لامرئ القيس.
(14) أسد حيدر، «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة»، ج1 ص 97.
(15) الحاكم، «المستدرك على الصحيحين»: ج 3 ص366؛ ابن عبد البر، «الاستيعاب»، ج 2 ص 515 واللفظ له.
(16) «صحيح البخاري»، ج 3 ص 207 وفيه: ويح عمار.
(17) انظر: محمد جواد مغنية، «بدعة التعصب والاجتهاد في مورد النص، دعوة التقريب بين المذاهب»، ص116.
(18) الطبرسي، «الاحتجاج»، ج 1 ص 268؛ «مسند أحمد»، ج 4 ص 199؛ الحاكم، «المستدرك على الصحيحين»، ج2 ص156، وج 3 ص 387 وقال: صحيح على شرط الشيخين. ورواية أحمد بسنده قال: «دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قُتل عمار، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتله الفئة الباغية، فقام عمرو بن العاص فزعاً يُرجّع حتى دخل على معاوية، فقال له معاوية: ما شأنك؟ قال: قُتل عمار، فقال معاوية: قد قُتل عمار فماذا؟! قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال له معاوية: دُحِضْتَ في بولك، أَوَنحن قتلناه؟ إنّما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بين رماحنا. أو قال: بين سيوفنا».
(19) انظر: الشيخ محمود شلتوت، «مقدمة تفسير البيان للشيخ الطبرسي، دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية»، ص 24.
(20) «نهج البلاغة»، ص 296 ـ 297 الخطبة (192).
(21) «نهج البلاغة»، ص 296 ـ 297 الخطبة (192).
(22) «نهج البلاغة»، ص 70 ـ 71 الخطبة (27).
(23) بلغت فرقة الخوارج مبلغاً غريباً من النصب والعداء لعلي بن أبي طالب، فشاعرهم عمران بن حطان (ت 84 ه‍) يقول في عبد الرحمن بن ملجم وضربته التي اغتال بها الإمام علي بن أبي طالب:

«لله در المرادي الذي سفكت ‍
يا ضربة من تقي ما أراد بها ‍
إني لأذكره يوماً فاحسبه ‍

كفاه مهجة شر الخلق إنساناّ
إلّا ليبلغ من ذي العرش رضواناً
أوفى البرية عند الله ميزاناً».

أُنظر: عبد القادر بن عمر البغدادي، «خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب»، ج 2 ص 436.

(24) حديث القرآن والعترة والتمسك بهما متواتر مع اختلاف ألفاظه. أُنظر: «صحيح مسلم»، ج 4 ص1873 ح 2408 ولفظه: «ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فاُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» ـ فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال ـ: «وأهل بيتي، اُذكركم الله في أهل بيتي، اُذكركم الله في أهل بيتي، اُذكركم الله في أهل بيتي»؛ وانظر: الكليني، «الكافي»، ج 2 ص 415 وفيه: «وعترتي أهل بيتي، فإنّ اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين ـ وجمع بين مسبحتيه ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين المسبحة والوسطى ـ فتسبق إحداهما الاُخرى ، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا».

أحدث المقالات

أحدث المقالات