مصطلح «الانسداد السياسي» هو آخر المصطلحات التي جرى تداولها في الأوساط السياسية العراقية منذ ظهور نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة خلال شهر (تشرين الأول) 2021.
يُرجع العراقيون سبب الانهيار الحاصل في البلاد إلى فشل النخبة السياسية الحاكمة التي تواجه إشكالية في شرعيتها السياسية، فعلى مدار أكثر من 18 عام من ممارسة هذه النخبة السياسية لم يتلمس المواطن سوى البؤس والجوع والذل.
هذا الواقع أوجد حالة من الغضب الشعبي، الذي تحول إلى احتجاجات عارمة اجتاحت بغداد وعدداً من المحافظات العراقية وشلت العملية السياسية.
هذا الانسداد لم يكن الأول فقد وصلنا لهذه الحالة عدة مرات في صراع علني على مراكز القوة والنفوذ والسلطة بين الأحزاب الحاكمة ، لذلك كانت هذه الجهات تضع العراقيل أمام تشكيل الحكومات المتعاقبة، ووضع شروط للمشاركة في الحكومة.
وكادت تصل العملية السياسية الى الفشل بعد احداث عام 2019 بعد التظاهرات التي عمت ارجاء العراق بما فيها العاصمة بغداد، وانقسمت الكتل السياسية فيما بينها بشكل حاد انتهاءً بسقوط حكومة السيد عادل عبد المهدي وتكليف حكومة السيد الكاظمي بعد صراعات طويلة وحالات انسداد سياسي امتدت لأشهر عديدة قبل انبثاق الحكومة الحالية.
ويأتي الانسداد السياسي هذه المرة من إصرار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، على تشكيل حكومة أغلبية وطنية يواجه عراقيل من أقرب منافسيه، وهم “الإطار التنسيقي” الذي يرفض تشكيل حكومة من الأغلبية الوطنية أو إقصاء أي طرف من قوى الإطار في تشكيل الحكومة الجديدة، الذي يشدد الصدر على أنها “لا شرقية ولا غربية… حكومة أغلبية وطنية”.
أما الاطار التنسيقي وهم الكتل الخاسرة في الانتخابات الأخيرة يدعون إلى حلحلة هذا الانسداد من أجل المشاركة في الحكومة حيث قال الإطار في بيان، “بعد أن تسببت الخلافات السياسية في تجاوز المدد الدستورية التي نحرص جميعاً على عدم استمرار أو تكرار تجاوزها من أجل خدمة أبناء شعبنا العراقي والتعاون الجاد في النهوض بمؤسسات الدولة، وإزالة العقبات التي تعترض طريق البناء والإعمار، فإننا نطرح هذه المبادرة الوطنية للخروج من هذا الانسداد السياسي وفتح آفاق التعاون والشراكة لخدمة الوطن”.
أجمل ما في البيان خاتمته (التعاون والشراكة لخدمة الوطن)، الحقيقة أن هذا البيان هو الدعوة إلى العودة للتوافقية أو المحاصصة التي حكمت العراق منذ 2003 ولحد الآن، وهذا الاصرار لم يأتي من فراغ، لأن عدم المشاركة في الحكومة يعني فتح ملفات الفساد لأغلب أعضاء الاطار الذين شاركوا في الحكومات المتعاقبة، واصرار السيد مقتدى على فتح هذه الملفات ومكافحة الفساد في مؤسسات الدولة.
وهذا هو السبب الرئيس لإصرار الإطارين بعدم الذهاب إلى المعارضة، لأن المعارضة في النظام البرلماني تواجدت في كل الدول التي تبنت هذا النظام إلا في العراق، لأن المشاركة في الحكومة غنيمة ما بعدها غنيمة، حيث الاستحواذ على المشاريع والمال العام، والأهم من هذا الحصانة عن كل مسائلة قانونية.
السؤال المهم أيهما أهون والأحب للمواطن العراقي الانسداد السياسي التي تمر بها العملية السياسية أم العودة إلى التوافقية؟.
يقيناً أن العودة إلى التوافقية يعني استمرار بؤس المواطن وانهيار الدولة مهما طال الأمد، والكل يردد ما قاله السيد مقتدى “التوافقية يعني نهاية البلد، والانسداد أهون من التوافق وتقاسم الكعكة، ونار الانسداد ولا جنة التوافق” وقطعاً لا توجد جنة توافقية، إنما نهب الدولة بطريقة مشرعنة، وهذا التأييد للخلاص من المحاصصة والبدء بمرحلة جديدة خالية من التوافق، حتى نكون أما جهة واحدة تتحمل مسؤولية قيادة البلد، يحسب لها النجاح وتتحمل الفشل في حالة حصوله، أما التوافقية فهناك فشل بدون تحمل مسؤولية، وهذا غير مقبول من المواطن العراقي بعد الآن.
بعد ما قدمناه هل هناك حل سياسي غير التوافق؟، نعم على الكتلة الصدرية التوجه إلى المحكمة الاتحادية، لأن الأخيرة وإن سكت الدستور عليها مسؤولية وطنية لإيجاد حلول بالعودة للقواعد العامة التي تحكم النظام البرلماني، أما حل البرلمان أو أن يكون نصاب الجلسة الثانية لاختيار رئيس الجمهورية غير نصاب الجلسة الأولى وكفى الله المؤمنين شر القتال.