23 ديسمبر، 2024 2:08 م

الانسان مركز الكون !!

الانسان مركز الكون !!

الانسان لم يكن يوما” ميدان لصراع النفس وشياطينها مع الله فقط. وليس بوتقةً للعقل والعاطفة، وليس كذلك احتوائات لا تنتهي بين الذات العليا والذات السفلى، او بين البهيمية والحضارة , وحتى ليس تجليات التوفيق بين جنون الرغبة وحدود المباح في المجتمع. بل انه كل ذلك معا “في صيرورة و ديناميكيه لم ولن تتوقف، فبالانسان تجلت العظمة السماوية ، وسحر الحضارة ونبل لانهاية لوصفه، الانسان أعظم خلق الله جميعا” , خلقه على صورته, ميزه ان جعله يدرك ذاته, ويحقق وجوده العاقل. هو ( الّا حلم راود الظل) كما يقول بينداروس, وهو اله” فالله تجلى فيه عند الحلاج, ووضيعا” في عيون الانبياء ان فرط في انسانيته.
تشترك الأديان و النظم الإصلاحية الحديثة كالشيوعية في نظرتها الخاصه للإنسان، حيث يغيَّب الفرد , وتُقهر أرادته, وتُقتل ملكة الإيداع والتحري, وان لم ينصهر في دائرتها الاخلاقيه يتم اقصائه و أفنائه, وهذا ما تفعله الحركات المتطرفة, وما وجده غورباتشوف في الكلاسنويت و البيروستوريكا . في الأديان مثلا” تبنى الثوابت الأخلاقية والدينية على المطلق، الثابت، فلا قيمة للمراجعة و الجدل مع السماء , طالما انها نزلت بنص , و ان كل بدعه ظلاله وكل ظلاله في النار . فالتحديد القديم لقيمة الانسان ظلّ كما هو، لا يجرأ احد على تغيير ثوابته , لذلك تصبح دعوات مثل الحريات الديمقراطية, وحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني مجرد عبث انفعالي ممل في عيون القائمين على الدين, فرجل الدين لديه مرجعيه تحكم النشاط الواعي للإنسان فأي ابتكار جديد, يتم عرضه على الكتاب والسنه, فأن لم يتوافق معها, يتم رفضه, فان لم ينتهِ تمارس بحقه لعبة التعذيب والتغييب, وهذا احد اكبر الأسباب التي عطلت انتاج الحضارة في بلاد المسلمين. فطبيعة الإسلام رغم صدقيتها المفرطة في تخصيص حياة الانسان للعبادة وتقديس الله، الا أنها صفرت قيمة الحياة في وعي المسلم, فالدنيا فانية, وواجب الانسان الأول هو ان يتعبد وينتظر فرج الأخرة فقط، من دون ان تُفَعِّل العقائد في أعماقه روح الابداع والابتكار، فأورثته الكسل والخمول والاحتقان والتعصب، وتطور عقله الأسطوري في بناء وهمي للتفسير ودلالات النصوص القرآنية فأنتج الغلو، والإرهاب. حتى التعايش مع الاخر أصبح مستحيلا” عندما يتم اقصاء الاخر, وان من يبتغي غير الإسلام دينا” فلن يقبل منه، او تصنيف الجماعات البشرية بين مغضوب عليهم وضالين , وبين من يستحقون القتل حتى عندما لا يدركون حقيقة ختم الرسالات الإلهية بالإسلام.
ان أحد اهم الأخطاء المنهجية التي ارتكبتها النخب العربية، والتي درست الثقافة الغربية، انها اعتمدت مفهوم المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع في قياس المسافات التي تفصل الانحطاط والسمو في الحضارات الأخرى، فبدت لديهم الليبرالية الغربية بمظهر الماسخ لروح الانسان وفضائه الأخلاقي. وان الليبرالية هي عقده حضارية عطلت مراتب السمو العليا في الغرب، فالإنسان في اوربا برأيهم مجرد خنزير مستهلك، اباحي، يتعاون مع الشيطان لهزيمة الإسلام والمسلمين, ويحمل بندقيه, وهو من اغتصب فلسطين ومنحها لليهود, لذلك فما عليهم الاّ ان يرفضوا ثقافته ومعطياته الحضارية , وكأنهم يعيدون كتابة رواية (كونستانتان جيورجيو) الساعه الخامسة والعشرون من جديد.
في أوربا وبعد الحرب العالمية الثانية كُسِر المفهوم المثالي للكلاسيكية الأوربية، وبدا الانسان يسترجع قيمته شيئا” فشيئا” رغم الفوضى وتناقضات المناهج كالوجودية، والفوضوية والمنتمي واللامتنمي, والمدارس الأدبية الاخرى, الا أنها ركزت على الانسان, وبأنه مركز الحضارة والكون , يدعهما في ذلك المنطق والتفكير العلمي الحديث, والثورة الصناعية, والديمقراطية وحقوق الانسان, واليات المناهج المتطورة في قراءة العلوم والميثولوجيا, حيث لم تعد الخرافة والخزعبلات التاريخية التي تدنس قيمة الانسان تقلل من عظمته وقيمته في الحياة.
لا يمكن صناعة حضارة في مجتمع لا يحترم حقوق الانسان، ولايمكن بلورة صيرورة ذاتيه في عقل يخضع للجبرية المطلقة، ولا يمكن للإنسان ان يخطو الى الامام وقدميه تربطهما الفتوى الخادعة بالعودة الى الله، فقط يمكن الخروج من النفق إذا عرف الانسان ان الله لا يعبده الموتى، بل الاحياء بأنفاس الاختيار. الإنسانية محور الخلافة فان مات الانسان في ارض ماتت الخلافه.