يمر الانسان عبر رحلته في حياته باحداث لا يمكن وصفها الا انها جولات وجولات من معارك بعضها يكون ستراتيجيا واخرى استنزافية فيما تصل بعضها الى حد كونها دموية بكل ما تحمل هذه الكلمة من مدلولات لغوية دون مبالغة في الوصف او تشبيه درامي كما يصفه البعض .
ان تلك المعارك التي اشرنا اليها تكون في الاغلب طريقا باتجاهين فاما ان يسلك الانسان خلالها طريق النجاح والابداع واما طريق الفشل والاخفاق ففي الوقت الذي يدعي البعض ان الحظ او التوفيق الالهي يلعب دورا في تحديد سلوك اي من الاتجاهين نرى نحن النقيض تماما حيث اثبتت الحياة ان الانسان قادر على توجيه بوصلة معاركه لطريق النجاح او الفشل من خلال عوامل عدة ارتأينا ان نقف على بعض منها ومن ابرزها اختيار المعني للمكان والزمان الملائمين لخوض المعركة التي يرتأي خوضها في جانب من جوانب الحياة اي بمعنى تجنب خوض معركة خاسرة لانها في غير زمانها او مكانها لتحقيق هدف ما دون توفر الشروط الظرفية اللازمة التي من شأنها خلق حالة تقدم للمعني ، ومن بين تلك العوامل ايضا اختيار الادوات واختبارها في ان واحد بمعنى ان الانسان عليه ان يستبصر شركائه في المعركة وهل هم يمتلكون مؤهلات تساهم في دفع مشروعه قدما ام انهم غير قادرين على ذلك لان الشركاء غير القادرين على لعب ادوارهم كما ينبغي في اي معركة ربما سيدفعون بصاحب المشروع الى الانصدام بجبهة غير متكافئة من حيث نوعية الادوات المستخدمة وبالتالي الوصول لحالة الفشل المفاجئ وهنا سيصاب بطل هذه المعركة بصدمة قد تصل به الى حالة الذهول ومن ثم الهزيمة رغم ظنه مسبقا ان كل شيء على ما يرام ، ولا يفوتنا ان نذكر العامل الاخير الا وهو الصبر والمطاولة في تحدي الظروف القاهرة اثناء سير احداث المعركة اي بمعنى ان جولات اي من معارك الانسان تتخللها لحظات انكسار عدة تحتاج الى حلم وصبر عاليي المستوى بانتظار عبور المرحلة وتغير الظروف ومن ثم استغلال الثغرات في الجهة المقابلة لتغيير المعادلة وصولا الى تغيير معطياتها بما يحقق التقدم المنشود .
ان العوامل التي اشرنا اليها سلفا من شأنها تحديد هوية الفائز على الاغلب في اي من المعارك الانسانية في حال نجح الانسان المعني في التعامل بذكاء معها غير انها ربما لا تكون الاساس دائما كنظرية باتة وموجبة التحقيق ، اي انها ربما تواجه جبهة نموذجية مقابلة وبالتالي تعتمد النتيجة على ظروف مغايرة لما تم التطرق اليه ومن بينها الظروف الحياتية المحيطة بالجبهتين وما توفره البيئة المجتمعية اي ان تلك البيئة ربما ترجح كفة احدى الجبهتين رغم ان الخاسر قد خاض حربا نموذجية راقية ومطابقة لجميع شروط النجاح ، كما ان من بين تلك الظروف انكشاف ظهر البطل اي بمعنى ان المقومات الحياتية التي يملكها ويستند عليها ربما تتعرض لثغرة من هنا او هناك تضطر المعني لترك معركته والتقهقر الى الخلف لحماية مرتكزاته الاساسية التي تشكل اولوية بالنسبة اليه فتتعرض معركته التي يخوضها الى تراجع ليس بارادته ما قد يدفع به لاحقا الى تاجيل استكمال المعركة او تركها والاستعداد لغيرها عند تجاوزه للظروف الطارئة ، واخيرا هو اصطدام المعني في احدى جولات معركته بجدار التناقض السلوكي اي الاختلاف في المعايير او المفاهيم الخلقية او الثقافية او التربوية التي تمثل كيان الذات الانسانية سواء الدنيوية الظاهرة او العليا التي تمثل اساسه الكوني فعندما يصل التناقض بين الجبهتين الى هذا الجدار ربما سيؤدي بصاحب الطاقات الالهية الايجابية للتراجع امام صاحب الطاقات الشيطانية السلبية وبالاخص عندما يشعر المعني ان عليه التخلي عن سلوكياته الثابتة باتجاه سلوكيات ربما تغير من طبيعته الانسانية .
وما بين عوامل النجاح والظروف الصادمة نرى ان الانسان اكثر تحكما بمصيره الذي سينجم عن معاركه الحياتية وان القدر اقل تحكما بنتائج تلك المعارك رغم معرفتنا ان الكثير ممن يقرأ تلك المقالة سينتقد ما جاء فيها لكننا في الوقت ذاته كلنا ايمان بأن الحقيقة قد لا يحبذها الكثير وان معظم الناس يميلون الى فكرة القدر المكتوب في اصغر تفاصيل حياتهم قبل اكبرها من منطلق الكسل والعجز عن مواجهة او خوض معاركهم التي ارادهم الله تعالى خوضها والتي ستكون معيارا لصلاحهم الدنيوي او العكس وبالتالي فأننا لا ننفي من خلال ما قلناه قدرة الباري جل وعلا في توفيق من يراه اهلا لذلك التوفيق غير ان اختلافنا مع العامة لا يكمن بفكرة التوفيق الالهي بقدر اختلافنا مع اليات هذا التوفيق واسبابه فنحن مؤمنين بأن التوفيق لا يتحقق الا بالاسباب بينما يرى المنتقدون انه يأتي بالمعاجز وليس بالعمل والمثابرة والاجتهاد .. والله من وراء القصد ..