17 نوفمبر، 2024 2:30 م
Search
Close this search box.

الانتفاضة العراقية في عنق الزجاجة

الانتفاضة العراقية في عنق الزجاجة

لا يسعنا الا ان نقف اجلالا واحتراما على ما قدمه ويقدمه الشعب العراقي المنتفض من تضحيات جسام من اجل استعادة هيبة الوطن وتحريره من براثن الخونة الذين ارتضوا لأنفسهم هذا الدور المخزي المهين وفضحهم وتعريتهم, متمثلا ذلك برص صفوفهم وصلابة موقفهم وعدم الرضوخ لبطشهم رغم ما اوقعوه من قتل وتنكيل بحق العزل من المنتفضين الذين ما زالوا يتمتعون برباطة جأش ويقفون في الجانب السلمي, ولم يسجل على احدهم رفع سلاح خفيف او ثقيل بوجه القوات الأمنية بل على العكس من ذلك فهم يتصدون للرصاص الحي بصدورعارية وسلاحهم الوحيد هو علم عراقي يمثل رمز توحدهم ويرفرف فوق رؤوسهم .

ولم تستطع تلك الطغمة الحاكمة ان تكشف لنا عن دليل واحد عن انتماء تلك الجموع الغفيرة لدولة خارجية او لحزب او لمجموعة تتخذ من الانتفاضة المباركة وسيلة للتسلق على اكتاف الأبرياء, ولو عثروا على أي دليل ادانة لما سكتوا عنه ولإتخذوه ذريعة لإبادة جميع المنتفضين دون رحمة .

اذا نستبعد تماما نظرية المؤامرة التي يروج لهام النظام العميل في بغداد , فالاسباب التي دفعت بالشباب للخروج بالملايين لم تعد خافية على احد.

لندخل في صلب الموضوع فنقول :

في بادئ الامر ومع خروج عدة آلاف من الشباب البسطاء وصلت رسالة مغلوطة للنظام انها ثورة جياع ربما قد يقضى عليها بحلول ترقيعية وتوفير درجات وظيفية وهبات ومنح ومساعدات كذر الرماد في العيون,لكن ذلك لم يجد نفعا وكبرت رقعة الانتفاضة جغرافية وشعبيا مما احرج تلك الأحزاب والكتل فأوعزت لمليشياتها بفضها بالقوة ومازالت فأوقعت المئآت من الشهداء والاف الجرحى مما عقد المشهد واوصل الطرفان الى نقطة اللاعودة فالنظام قد تلطخت يديه القذرة بدماء الأبرياء والشعب لا يرجع عن ثورته ويريد الإفصاح عن القتلة وتقديمهم للمحاكمة ولا ننسى الدور الإيراني الضاغط على المشهد والذي بيده خيوط اللعبة ويحركها عبر ادواته وهو مخترق للساحات والميادين بمليشياته !!

من هنا دخلت الانتفاضة العراقية في عنق الزجاجة وستبقى على وقعها هذا لفترة ممتدة مالم يحدث تغيير في التكتيك الذي يقدم عليه احد الأطراف .

لنأتي أولا على الطرف الحكومي :

,فأمامه احتمالين لا ثالث لهما ,فإما الاستجابة لمطالب المنتفضين وهي ومنذ انطلاقها ذات سقف عالي يستحيل على تلك الطغمة القبول بها وتنفيذ مطالبها و التنازل عن مصالحها مهما كلف الامر, لان ذلك يتطلب تفعيل قضاء نزيه و تقديم الفاسدون والمجرمون والقتلة الى القضاء إبتداءا بالمالكي رأس الطائفية والاجرام ومرورا بكل العناوين الحلقات والعناوين التي تعاقبت على حكم العراق وتسليم مقاليد السلطة التي جاءتهم على طبق من ذهب الى حكومة ينتخبها الشعب بطريقة ديمقراطية حقيقية غير مزيفة, وهذا ما لا يمكن حدوثه في ضوء المعطيات الحالية لان الراعي والحاضن لهذه الحكومة والأحزاب والمليشيات هما اكبر دولة إقليمية (ايران) فضلا عن الإدارة الامريكية التي تنافق وتدعي مناصرتها للشعوب وهي تبحث عن مصالحها فقط وهي من تراهن على بقاء هذه الأنظمة التي تؤمن لها مصالحها النفطية والاقتصادية بشكل عام لآخر رمق ,

أو الاستمرار في استخدام العنف والقوة المفرطة والإيغال في سفك الدماء مع شيء من المناورة السياسية في تبديل الوجوه المستهلكة بعد إعادة ترميمها لتشكيل حكومات هزيلة متعاقبة وكذلك قيام مجلس النواب بإصدار قرارات وتشريعات لايمكن تطبيقها وتصطدم بالمحكمة الاتحادية والدستورية لتلغيها لاحقا وقد حدث ذلك لاكثر من تشريع .

وغايتهم تبريد الشارع والمناورة على عامل الوقت واستخدام الشدة مرة بإيعاز من الاحزاب للمليشيات بالقتل والحرق والمطاردة كما فعلته مليشيات العصائب و أصحاب القبعات الزرق وغيرهم من المليشيات المنفلتة وتارة اخرى بالتهدئة بتقديم الاستقالة وببث خطابات سياسية رنانة و وعود بتشكيل حكومة تلبي مطالبهم ويتخلل ذلك خطب الناطق باسم المرجعية والتي لم تحسم يوما موقفا ولم تدن انحرافا والتي لطالما تميل كفتها للمحتل واذنابه والذي باركته وتحاول اليوم التنصل من ذلك وهي التي باركت وايدت جميع الحكومات التي اتخذت من سكوتها المطبق ذريعة للاستمرار بفسادها واجرامها ,ودون ان يكون لها دور ملموس في التصدي للفساد الذي أوصل البلاد والعباد الى حافة الهاوية ودون ان تقف مع أهالي الضحايا وتلزم الحكومة بالكشف عن القتلة .

اما فيما يخص الانتفاضة والمنتفضين والذين احشروا بمكر ودهاء من دهاقنة قم و واشنطن في عنق الزجاجة فلا سبيل لهم اليوم للخروج من هذا المنعطف الا بإعادة النظر في التعامل مع المستجدات ومراجعة الإخفاقات وتجاوزها ونسطر هنا بعضا منها ومن وجهة نظرنا المتواضعة و التي ربما أدت الى تأخر وصول الانتفاضة الى أهدافها :

1- نتيجة للعنف المفرط وغياب سلطة القانون وحرية الرأي والديمقراطية التي بشرت بها أمريكا اختفت تماما الرؤوس القيادية من المشهد العراقي وكذلك غياب المحاور السياسي الحذق الناطق بإسمهم, فهكذا ثورات مصيرية بحاجة الى جهة قيادية مفاوضة تحظى بقبول داخلي وخارجي ومحمية بسلطة القانون وهذا مالم توفره الحكومات المتعاقبة المتسلطة وان بقاء الانتفاضة دون قيادات واضحة يؤخر من وصولها لاهدافها .

2- يجب إيصال رسائل تطمين لجميع الدول التي تلتقي مصالحها في العراق ان غاية الانتفاضة هو إزاحة الطبقة الحاكمة وجميع مخرجاتها ودستورها المسخ و التي اتخذت من تأمين مصالح الغرب غطاء و ذريعة في الفساد المستشري والفوضى والإرهاب وقمع الحريات وليس بالضرورة ان يرافق ذلك ضرب مصالحهم وإلغاء جميع الاتفاقات المسبقة معهم بل إعادة ضبطها وفق السياقات والعلاقات الدولية المتزنة التي تؤمن مصالح الجميع.

3- ما زال شطر من الشارع العراقي وخصوصا البسطاء منهم متأثرين بالخطاب الديني ولم يتمكنوا من التوحد بعيدا عنه وعن ثقل اسقاطه وظلاله خصوصا في مجتمع متعدد القوميات والاطياف ولا يصلح معه خطاب متشنج مختص بطائفة دون الأخرى وخاصة ان كان ذلك الخطاب منحازا للسلطة الحاكمة أو تحريضيا يعتمد في اجندته وعقيدته خلافات مضى عليها عقود من الزمن مما دفع بالسفاح المالكي في حينها من تبني واحياء فكرة انصار يزيد وانصار معاوية ليجدد حرب طائفية طاحنة دون ان تردعه (مرجعيته الرشيدة !,)

مما عقد و يعقد المشهد العراقي وزاد من تأزيمه , علما ان جميع الثورات في العصر الحديث بدءا بالثورة الفرنسية ومرورا بالعديد من الثورات غربا وشرقا لم تصل لاهدافها قبل ان تعزل رجال الدين عن السياسة, وستبقى الانتفاضة العراقية تراوح في محلها وسيزداد إراقة الدماء لطالما هذه الشعوب مخدرة بغطاء الدين الغير قويم وليس دين الله الحق بل دين الملالي الذي فصلوه على شهواتهم ويخدم المحتل الإيراني والامريكي وذيولهم.

4- لقد سبق المحتل الجميع قبل سبعة عشر عاما واخذ تحوطه وعلم يقينا ان الشعب العراقي سوف يثور على اذنابه يوما , فعمد أولا في حل الجيش الوطني وتدمير المؤسسات المدنية وحرقها ثم تقسيم الشعب العراقي الى كاتونات ومذاهب ( سنة وشيعة واكراد) ودق الاسفين بينهم , فعندما يتوحد الشارع السني وينتفض على حكام المنطقة الخضراء نتيجة جورهم وتهميشهم يلتزم الشارع الشيعي الصمت بل يذهب البعض لتأييد إبادة إخوانهم السنة بعد ان يسوقون لهم انهم اتباع البعث او دواعش او وهابية وجميعهم يخططون من انتفاضتهم تلك لسلب الحكم الجعفري الذي انتظروه قرونا طويلة !!

. وعندما ينتفض الشارع الشيعي بعد ان يكتشف فسادهم وكذبهم ويرى ان مدنهم ما زالت مدمرة رغم ان الحكم جعفري الذي وعدهم باحلام وردية فاذا هم يعيشون في فقر وجهل ومرض وبطالة , فإذا بتلك الحكومة بنفس النهج من القتل والسحل والتنكيل في حين يقف الشارع السني بالمثل متفرجا لكن ليس متشفيا بل مؤيدا على مضض خشية ان يوصموا بنفس التهم وتدك مدنهم المدكوكة أساسا , اما الشارع الكردي فلا علاقة له لا بالسنة ولا بالشيعة لطالما ان حقوقهم محفوظة ولهم الكلمة العليا في تشكيل أي حكومة فلماذا يخسرون ذلك ومن اجل من وهم يتحينون الفرصة دوما للانفصال ؟

عليه يستوجب على المنتفضين ان أرادوا ان يلتحق بهم الشارع السني ان يعوا ذلك جيدا ويرفعوا الحيف الذي أصاب إخوانهم وشركائهم في الوطن والبراءة مما اقترفته الملييشيات والمالكي وجلاوزة النظام وقادة الأحزاب بحقهم والمطالبة بتقديمهم للمحاكمة وإعادة حقوقهم كمكون لا يفرق عنهم بشيء في المواطنة والضغط في الافراج عن الاف المغيبين في جرف الصخر وباقي الزنازين والاقبية المظلمة وذلك كفيل بتلاحم وانجاح الانتفاضة وهذا مايخشوه ويخشاه المحتل الإيراني والامريكي. فان بقيت الانتفاضة محصورة في الجنوب العراقي وساحة التحرير فستبقى حبيسة في عنق الزجاجة .

5- ليعي المنتفضون ان أمريكا وبالاتفاق مع النظام الإيراني لن يسمحا باسقاط النظام الحالي دفعة واحدة فعليهم بجدولة مطالبهم وتطويق النظام وتسقيط وفضح الأحزاب وقادتها ومحاصرتها , والتحضير منذ الان لانتخابات يصيغ قانونها الشعب لا مفوضية انتخابات مسسيسة يفرضها البرلمان الذي لا يمثل الشعب, مع الاستمرار بالضغط للحصول على المزيد من المكتسبات , وتوثيق جميع الانتهاكات والجرائم وتكليف فريق قانوني لتحريك الشكاوى في محكمة العدل الدولية كجرائم حرب, فضلا عن توثيقها في أروقة المحاكم العراقية رغما لضعف اجراءآتها لكنه يجب يتقدم أهالي الضحايا بإقامة الدعاوى من فورهم ..

ارجو اني وفقت في حصر النقاط المهمة لتصل الانتفاضة الى هدفها ويستعيد الشعب العراقي وطنه المسلوب ..

أحدث المقالات