19 ديسمبر، 2024 12:40 ص

الانتخابات ورؤساء الكيانات

الانتخابات ورؤساء الكيانات

في النظم الديمقراطية حيث تنزل الأحزاب وليس التحالفات الانتخابية، كما ابتدعت القوى السياسية من سنن غريبة على التقاليد والأعراف السائدة في النظم الديمقراطية البرلمانية، يكون هناك رئيس الحزب غالبا هو نفسه مرشح الحزب لرئاسة الوزراء، هذا بالنسبة للأحزاب الكبيرة نسبيا، أي تلك التي تحتمل أن تفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، فيكون مرشحها هو الذي سيكلف بتشكيل الحكومة، من حزبه فقط، إذا حاز على الأغلبية المطلقة، لاسيما إذا كانت أغلبية مريحة، ولكن هذا نادرا ما يحصل في الدول ذات التعددية الحزبية، والتي لا تقتصر على حزبين، كما في الولايات المتحدة وبريطانيا، ولذا فالقاعدة المعمول بها في الواقع، وليس المفترضة نظريا حسب الدستور، وغير المتحققة إلا نادرا جدا، أن يتفاوض الحزب الفائز بالأغلبية النسبية مع حزب آخر أو أكثر لتشكيل الحكومة كما مر تفصيله. فيكون الناخب الذي ينتخب الحزب أو مرشح الحزب في منطقة سكناه، قد اختار ضمنا مرشح الحزب لرئاسة السلطة التنفيذية. ولذا يكون من لحظة إعلان النتائج في مساء نفس يوم الانتخابات معلوما باحتمال 90 – 100% من سيكون رئيس الوزراء. ولكن رئيس الحزب، سواء الفائز وبالتالي المرشح لرئاسة الوزراء، أو رئيس الحزب المتفاوَض معه لتشكيل حكومة ائتلافية، لا ينفرد بالقرار، كما هو الحال مع معظم رؤساء الكيانات السياسية والتحالفات الانتخابية في العراق إلا ما ندر، بل هناك أحزاب كما حصل في ألمانيا بعد التفاوض مع الحزب الفائز لتشكيل الحكومة، لا تتخذ القيادة أو الهيئة المفاوضة القرار إلا بعد عرض عقد الائتلاف الحكومي وشروطه وبرنامجه على القاعدة الحزبية في مؤتمر عام، فإذا أقرت الأكثرية الاتفاق يجري تشكيل الحكومة الائتلافية، وإلا فتسقط المفاوضات، وعلى الحزب الفائز أن يبحث عن شركاء آخرين يفاوضهم من جديد، وعلى فرض فشله يُكَلَّف الفائز بالمرتبة الثانية. أما في العراق، فالذي يقرر عن الحزب أو الائتلاف الانتخابي هو نوري المالكي، وأياد علاوي، ومسعود البرزاني، وجلال الطالباني يوم كان هو رئيس حزبه، وعمار الحكيم، وقبله أبوه عبد العزيز الحكيم، وأسامة النجيفي، وخميس الخنجر، ومقتدى الصدر، وحيدر العبادي، دون مساواة من ذكرنا ببعضهم البعض، إلا في هذه المفردة. ثم لدينا في العراق سنة غريبة أخرى، وهي إن رمز القائمة الانتخابية قد لا يكون رئيسها الرسمي، ولا يكون اسمه أصلا من ضمن المرشحين، لكنه هو الذي يقرر وهو الذي يفاوض، ومثال ذلك مقتدى الصدر وعمار الحكيم ومن قبله أبوه عبد العزيز الحكيم. وغالبا لأن هؤلاء لا يملكون الشهادة التي تسمح لهم دستوريا بالترشيح، أو يرون أنفسهم أعلى مقاما من عضوية البرلمان، ومن المناصب السياسية، وبعضهم لا يريد أن يحرج نفسه، إذا ما حصل على عدد من الأصوات لا يناسب مقامه وشأنيته ومكانته.

وهناك مشكلة أخرى، ذلك بسبب القائمة المفتوحة، وهي الخيار الأفضل بتقديري من القائمة المغلقة، والمشكلة أن يكون على رأس القائمة رئيسها، وبالتالي في أكثر الأحيان رمزها، باستثناء (سائرون) و(الحكمة)، حيث الرمز ليس هو الرئيس الرسمي للقائمة. فتذهب أغلب الأصوات لرئيس ورمز القائمة، خاصة في المحافظة التي يكون قد ترشح عليها، وغالبا ما تكون في العاصمة. ومن هنا كنت قبل دورتين انتخابيتين قد اقترحت أن ينتخب الناخب أربعة مرشحين من القائمة المفتوحة، بملء أربع قسائم تصويت، اثنتان منها من القائمة الوطنية الموحدة، واثنتان من قائمة المحافظة، على أن يكون من حقه ملء استمارتين أو ثلاث أو الأربع جميعها، بشرط أن تكون واحدة على الأقل من القائمة الوطنية وواحدة على الأقل من القائمة المحلية للمحافظة، وبشرط أن يكون انتخاب مرشحيه من الجنسين، فلا نحتاج إلى اعتماد كوتا النساء، لأن ما سينتخبه الناخب سيكون ضمن الخيارات أدناه:

مرشحتان اثنتان ومرشحان اثنان.
مرشحة واحدة وثلاثة مرشحين.
ثلاث مرشحات ومرشح واحد.
مرشحة واحدة ومرشحان اثنان.
مرشحتان اثنتان ومرشح واحد.
مرشحة واحدة ومرشح واحد.

فنتخلص من تركيز أصوات الناخبين على رمز القائمة من جهة، ونحقق الكوتا الدستورية للنساء كحد أدنى بشكل تلقائي، وباستحقاق بما حازت المرشحة على أصوات.

لكن الذي يهمني في هذه المقالة إن رؤساء الكيانات السياسية ورؤساء الأحزاب ورؤساء التحالفات الانتخابية (ما قبل الانتخابات) ورؤساء التحالفات البرلمانية (ما بعد الانتخابات) غالبا ما يكون الحل والعقد بأيديهم إلا ما ندر. وهذا يعني مجددا إن الكل تقريبا واقعون بمشكلة التفرد بالقرار، مع اختلاف درجات التفرد، كما ويعني إن التقاليد والأخلاقيات والقواعد الديمقراطية ما زالت غير متجذرة في سياسيينا. ومن مؤشرات ذلك كون كل رئيس حزب على الأعم الأغلب إلا ما ندر جدا يبقى رئيسه مدى الحياة.

هذا كله يلقي بظلاله على مجريات الانتخابات والتفاوضات والائتلافات والمواقف والقرارات البرلمانية، بل كان غالبا ما يؤثر على تصعيد من لم يستطع الصعود بالأصوات التي حصدها، بعملية التفاف على القوانين، إما بما يسمى بالتعويضية أو غير ذلك من الأساليب، أو من خلال الضغط للتزوير المابعدي، الذي له طرقه وأساليبه التي لا أعرف شخصيا أسرارها ودروبها والتواءاتها ودهاليزها.