تجاوز عمر الحزب الشيوعي العراقي الثمانية عقود، فهو بذلك الأقدم من جميع الأحزاب العاملة حاليا على المسرح السياسي العراقي، وتاريخ الحزب زاخر بالنضال والتضحيات، كما إننا إذا ما قمنا بمسح للمشهد الثقافي العراقي من (فنانين تشكيليين ونحاتين ومخرجين مسرحيين وممثلين وملحنين ومغنين وأدباء وشعراء)، نجد معظم هؤلاء ذوي خلفية شيوعية، وهذه ظاهرة تحتاج إلى دراسة، ولكن تحسب في كل الأحوال للحزب الشيوعي. ثم لو نتأمل في جيل الأنصار، نرى فيهم الشيعي والسني والمسيحي والمندائي والإيزيدي والعربي والكردي؛ هذا التنوع الذي لم نجده في أي حزب آخر. ولست بصدد الإطراء على الحزب الشيوعي، فتناول الأسباب التي تجعلني معجبا بالحزب الشيوعي يطول سردها، ولكن الأسباب التي تجعلني أنتقد الحزب الشيوعي طوال مسيرته هي الأخرى مما يطول سردها. وشخصيا أتمتع بصداقات منذ مطلع التسعينيات بالكثير من الشيوعيين، وما زلت من زاوية النظر السياسية أعتبر الشيوعيين أصدقائي، بالرغم من أني لا أصنف نفسي يساريا، بل أنا ديمقراطي علماني ليبرالي، وما يجذبني إلى اليسار هو مبدأ العدالة الاجتماعية بشكل خاص، لما يمثل من بعد إنساني.
منذ أعلن تحالف سائرون بين الصدريين والشيوعيين (بإضافة التجمع الجمهوري لسعد عاصم الجنابي) اتخذت قرارا بعدم نقد هذا التحالف، وكذلك بعدم الدفاع عنه، لحين انتهاء الانتخابات، ذلك إني كنت أقرب إلى نقد هذه الخطوة مني إلى تأييدها، ولذا لم أرد أن أكون سببا في إضعاف طرف علماني من خلال نقد هذا التحالف الذي سماه البعض بالكتلة التاريخية، مع إن نقدي وتحفظي لم يسد الباب أمام احتمال أن يتبين لنا لاحقا صواب القرار، مع ضعف هذا الاحتمال عندي.
وخرجت النتائج بتصدر (سائرون) وذلك بـ 54 مقعدا؛ 52 منها للصدريين ومقعدان اثنان للشيوعيين. هنا يطرح السؤال نفسه، أما كان هاذان المقعدان مما يمكن الحصول عليهما، لو دخل الحزب الشيوعي المنافسة الانتخابية لوحده، أو بتحالفه مع أصدقائه العلمانيين والمدنيين، كما كان الأمر مع تحالف القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)؟
كيف سيكون يا ترى موقف الحزب الشيوعي، لو ارتأى مقتدى الصدر، المتفرد بالقرارات الكبيرة لـ(سائرون) بتشكيل الكتلة ذات العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية مع قوى إسلامية شيعية؟ وماذا لو عرضت وزارة على الحزب الشيوعي ضمن هكذا حكومة؟ أسيقبل بها ويكون جزءً من حكومة، تهيمن عليها قوى إسلامية شيعية، وربما لا تبتعد كثيرا عن المحاصصة، التي كان الحزب الشيوعي في طليعة من ناضل منذ سنوات لإلغائها؟
مقتدى الصدر وحده الذي سيقرر مع من يأتلف لتشكيل الكتلة ذات المقاعد الأكبر عددا، ومع من يأتلف لتشكيل الحكومة، وهو الذي سيقرر من يكون رئيس الوزراء الحالي، ولن يكون دور للحزب الشيوعي في اتخاذ هذه القرارات المهمة بل والمصيرية. وربما سيتخذ الصدر القرار الصائب، من خلال اختيار أفضل الخيارات الممكنة، ونحن نعلم إن أفضل الخيارات الممكنة، أو أقل الخيارات سوءً كما يراها بعضنا، لن تكون قريبة من توجهاتنا كديمقراطيين علمانيين. وفي مقالة قادمة سأتناول تقييم مقتدى الصدر والصدريين والتحولات الإيجابية التي حصلت لديه، ولديهم اتباعا وطاعة له.
نعم، مقتدى الصدر اليوم هو بكل تأكيد غير مقتدى الصدر 2003 ولا مقتدى الصدر 2006، فهو تطور باتجاه اقترابه من الكثير من رؤى القوى المدنية، ولكنه يبقى من غير الممكن أن نحسبه على وسطنا الديمقراطي العلماني، ولذا فالتنسيق معه كان ضروريا وضروريا جدا، والالتقاء معه على المشتركات أمر ضروري هو الآخر، ولكن أن يبلغ ذلك درجة التحالف، بحيث لا يقتصر حتى على أنه تحالف انتخابي، بل يبدو وكأنه تحالف سياسي، فهذا ما يحتاج إلى تفسير مقنع.
الحزب الشيوعي قام بدور مشكور في تأسيس التيار الديمقراطي، وكان في طليعة الحراك الشعبي في ساحة التحرير، لكن مكانه الطبيعي كان مع أصدقائه في (تقدم) وليس في (سائرون)، مع وجوب إبقاء التواصل والتنسيق مع الصدريين، وكوننا نقر بكل تاريخه الحافل بالنضال، وكل دوره الرائد في الكثير من القضايا، رغم أننا لسنا شيوعيين، لا يعني أن تجربته وأداءه ليسا معصومين من النقد، كما وإن النقد الموضوعي لا يلغي كل ذلك الدور، ولا يلغي كون الشيوعيين يبقون أصدقاءنا، نحن العلمانيين الديمقراطيين من غير الشيوعيين، سواء كان منا من هو يساري، أو ليبرالي، أو وطني وسطي.