23 ديسمبر، 2024 12:04 ص

الانتخابات .. موت الزمن العراقي

الانتخابات .. موت الزمن العراقي

ما أهمية أن تجري في العراق انتخابات لمجلس النواب تترشح عنه حكومة تتوزع وزاراتها على حصص المتشاركين بمقاعد البرلمان، وقد أمضينا أربع دورات انتخابية وهي تعيد لنا ذات الوجوه والاسماء مع ارتكاسات متزايدة سياسيا وأزمات انسانية لاتحصى ؟
هل ستحقق الدورة الخامسة في تشرين مايجعلنا نشعر بالتغيير فعلا ، ومن أين يتأتى هذا الشعور والخامسة سوف تكرر الدورات الأربع السابقة في تراتبية الفساد واللادولة وارتهان الاحزاب المكررة بالحضور السلطوي لإرادات واجندات خارجية ؟
أن قواعد النظام الديمقراطي ليست إجراء الانتخابات بحد ذاتها ، بل في التغيير والتحول الذي تحدثه في المجتمع ، أي الانتقال من واقع يرسف تحت قيود الفشل والتخلف± الى واقع آخر وزمن آخر يسقط المتراكم السلبي للمرحلة السابقة ويعالج اخفاقاتها بالنقد الصارم والمحاسبة ، ووضع معالجات لتجاوزها وعدم تكرارها بصيغ واساليب أخرى، هذا الشرط عادة مايكون مفقودا في تجارب الانتخابات العراقية بدوراتها الأربع، إذ بدأت بالانحدار والشحوب اكثر وعدم القدرة على موائمة طبيعة الواقع العراقي بأزماته المتنوعة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعنفيا، ناهيك عن الحراك الاجتماعي المتصاعد بالرفض وفيض الأسئلة المصحوبة بالدماء الوطنية الساعية لاسترداد الوطن ، مقابل طبقة سياسية فاقدة لقدرة التحرر من وصايا دول الاحتلال والتبعية التي تعوضها بالاسترخاء على وسائد الفساد العلني والصفقات في تحالف رأس المال الفاسد مع سلطة السلاح في بلاد صارت تفقد على نحو تدريجي قدرتها على توفير العيش لشعبها وتخوض في مستنقعات الديون وفروضها، بعد أن فقدت هيبة الدول أزاء تدخلات سافرة تمارسها دول الجوار والجماعات المسلحة سياسيا وعسكريا .
الوظيفة الجوهرية في حركة الانتخابات هي لحظة التحول نحو الجديد الذي ينتصر على القديم في البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بمعنى إضفاء التجديد على البنية الديمقراطية للنظام السياسي مع ثبات روح وتقاليد المؤسسات التي تدير شؤون الدولة، أي ولادة وانتصار برنامج عملي يتفوق على سابقه في خلق تغيير زمني وحداثة تفكير وتطوير وانبعاث لحظات حداثة تشرف على مستويات جديدة للحياة بجميع صورها، إثراء للحريات والحقوق وتطوير دولة القانون وتعزيز استقلال القضاء والهيئات التي تدير المال العام والاعلام ومؤسسات النزاهة والرقابة ..الخ، وليس في استبدال أسماء بأخرى أو عناوين احزاب بغيرها والنتائج لاتتبدل وإنما تمضي نحو الأسوأ بمعطيات حياة الفرد والمجتمع والدولة عموما .
الانتخابات روح الديمقراطية التي تعطي الحق للأغلبية في الحكم لإنجاز وحماية حقوق الاقلية في اطار المواطنة ومنهج العدالة الاجتماعية وتدعيم المجتمع المدني وتأصيل السلام الاجتماعي، وليس الاستئثار بالسلطة والنفوذ وتوزيع وزارات او استبدالها من هذا الحزب الى ذاك ، وبدء موسم بورصة الصفقات المليونية، وحساب أهداف تحرزها هذه الدولة المهيمنة ضد تلك الدولة المحتلة ، في أشد الفضائح سخرية في تاريخ السياسة .
اعتقد ماينتج عن الانتخابات الخامسة بعد العاشر من تشرين المقبل باختلاف قانونها ودوائرها لن يأتي بمخرجات تختلف عن سابقاتها، لأن مقدماتها تتشابه مع ما سبق من مقدمات وثوابت (عرقطائفية)، وفي هذا تأكيد آخر على فشل التجربة الديمقراطية وتحول النظام الى تكوين سلطوي هجيني يرتهن لسلطة المال والسلاح ويضم وعناوين اسلاموية واخرى طفيلية وتابعية وعشائرية كفيلة بافراغ الديمقراطية من أي محتوى انساني وقانوني وحداثوي ، واختزالها بانتخابات تعيد المستهلك والمعاد وتكرر موت الزمن السياسي العراقي .