يتفق الخبراء والمحللين على خطورة ارهاب تنظيم داعش على مستقبل العراق وعلى وحدة ارضه وشعبه, ولا يختلف في ذلك ذي عقل وبصيرة, ولكن في ذات الوقت يجب على كل غيور من أبناء الوطن أن يعي حجم المؤامرة التي تحاك ضد البلد وأهله, والتي تتضح جليا فيما يتعرض له المواطن العراقي من تقلبات أمنية واقتصادية, ونكبات وجرائم فساد مالي واخلاقي واداري ينخر جسد الدولة, بالإضافة الى سيل من الاخفاقات الامنية والخدمية والتعليمية ناهيك عن سلسلة لا تنتهي من الازمات السياسية وسلب حقوق المواطن, ويمكن القول ان داعش أصبح ماركة ومسمى لا يرتبط بتنظيم ارهابي فقط بل يرتبط بجوقة السراق والمفسدين ممن مكنوا لداعش احتلال المدن لضمان ديمومة سرقاتهم وفسادهم, فالحكومة العراقية التي اسست بعد عام 2003 تضم بين جنباتها الكثير من الدواعش واصبحت الحكومة نقطة التقاء الاحزاب السياسية الحاكمة والمكونة للعملية السياسية وخصوصا الاسلامية, فبناية البرلمان تخفي تحت قبتها اكبر واكثر مؤسسات الدولة احتضانا لدواعش السلطة والتي اصبحت العبء الاكبر والهم الاعظم فوق كاهل المواطن , فلم يشهد تاريخ العراق الحديث مؤسسة تتمتع بهذا الكم الهائل من الفساد مثل ما يتصف به مجلس النواب الحالي وهذا ما اقرته اكثر الصحف انتشارا في بريطانيا و العالم ( الديلي ميل ) حيث عنونت تقريرها الصادر في يونيو من عام 2016 ” البرلمان العراقي افسد مؤسسة في التاريخ ” , كما عبر عنه ناشطون عراقيون بعد ان لونوا الجدران الكونكريتية التي سورت مباني مجلس النواب والحكومة العراقية وسط العاصمة بغداد بعبارات ” نواب العراق هم اكبر مجموعة لصوص في العالم ” .
لقد اخفق هذا البرلمان في كسب ثقة الشارع العراقي كإخفاقاته المستمرة في تشريع القوانين المهمة والتي لها ارتباط وثيق في التخفيف عن كاهل المواطن والتقليل من حدة معاناته , فبالتالي اثبت تلك الزمرة البرلمانية تألقها الدائم في تكبير الفجوة مع أبناء شعبها , وهو ما دفع الفرد العراقي بمختلف انتماءاته ان يوقن بان افراد حكومته هم من نثر بذور التطرف والاقتتال الطائفي وهم من سقاه ورعاه ليجني المواطن ثمار الفوضى والدمار وتردي الحال , في حين كل ما يجري في كواليس و أروقة البرلمان ماهي الا صفقات مشبوهة تنعش من خلالها الاحزاب السلطوية ميزانياتها وتسترد قواها لتستمر فترة اطول ولتصبح مساحة نفوذها اكبر رغم تدني لغة الحوار فيما بين الكتل السياسية على نحو غير مسبوق تحقيقا لغايات ضيقة على حساب مصلحة الوطن والمواطن .
لقد جاءت مجموعة السلطة الفاسدة بإرث كبير من التطرف الفكري والفساد المالي والاداري بشكل بانت معه معالم الدولة العراقية لا تختلف كثيرا عن بنية تنظيم داعش بل هي اكثر خطرا من تهديد ارهاب تنظيم داعش , وبهذا النسبة المرتفعة في معدل مقياس حجم الفساد والتي جعلت العراق وبحسب منظمة الشفافية العالمية يحتل مقدمة ترتيب البلدان الاكثر فسادا في العالم هو الخطر الحقيقي على مستقبل الاجيال القادمة وينذر بسقوط البلد في هاوية الجهل والفقر والتفكك المجتمعي الذي برزت ملامحه على خارطة البلد وجعلنا نعيش في اطار وضع مأساوي يجمع في كنفه الشر والحقد والكراهية.
إن خطر وجود هؤلاء الدواعش في السلطة يحتم على كل انسان ارتوى من ماء دجلة والفرات, ويحمل من الحكمة العقل أن يعمل على قلع رموز الشر والفساد واجهاض مسعاهم الخبيث في ايصال فسادهم الاخلاقي قبل الاداري والفكري الى جميع مفاصل الحياة , كما يحتم على المخلصين من ابناء الوطن ان يتعاملوا مع هذا التطرف الفكري بما يستحقه من العزل والاهانة والاحتقار, والعمل على خلق توجه دولي يدين تلك الفئة بالإضافة الى نشر ثقافة الانتماء والانحياز للوطن الواحد لا الى مسميات ضيقة تزيد من معاناتنا وتستمر من خلالها حقب الضعف والدمار .
وفي الختام أقول أن البلاد على اعتاب مرحلة مهمة ومصيرية ونحن نستقبل استحقاقات انتخابية تسهم في بناء دولة المؤسسات, وهي مرحلة اعتاد عليها الشعب من دون ان يجني ثمار الفائدة في التغيير والأمن والسلام, وعليه أن يستقي منها الدروس والعبر في التصدي هذه المرة لكل لص وسارق من التسلل والعودة إلى سدة الحكم وتحت قبة البرلمان, وانا اناشد اصحاب العقول وذوي الاقلام إلى العمل على تغير واقعنا المأساوي, لابد من تظافر جميع الجهود من أجل تبوء أبناء البلد الغيارى لمواقع السلطة وتنحية رموز الفساد من الدواعش, لان الجميع يتطلع إلى ان تكون الانتخابات القادمة بوابة للانطلاق نحو الاستقرار السياسي والخروج من نفق الصراع المستمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وما له من انعكاسات سلبية على مستقبل البلاد.