يمر البلد هذه الأيام في ظروف أقل ما يقال عنها إنها خطيرة بعد أن وصل المشهد العراقي إلى ما وصل إليه من توتر وتصعيد في المواقف , إن الحديث عن الخطورة هنا نابع من تزامن عدة معطيات على الأرض قد تؤدي إلى ما لم يتوقعه احد من مخاطر تهدد السلم الأهلي والنسيج الوطني , فبعد أن وصل الفرقاء السياسيون إلى طرق مسدود في إيجاد مخرج للازمة التي تحيط بالمشهد السياسي جراء أزمة الثقة بين المكونات السياسية التي تتجسد في كل يوم من خلال التقاطعات و التباعد في الرؤى تأتي اليوم أزمة جديدة على خلفية ما بات يعرف بفضيحة التعذيب والاغتصاب لمعتقلات عراقيات في سجون الحكومة المركزية حيث توالت التقارير التي تتحدث عن انتهاكات لحقوق المعتقلات في السجون مما أثار غضب جماهير ي في بعض المحافظات العراقية ألقى بضلاله على المواقف السياسية حتى وصلت الى تقاذف التصريحات المتبادلة بفقدان الشرعية كما حصل مؤخرا ً بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب على خلفية التحاق الأخير بالمتظاهرين في محافظة نينوى وموقفه المتضمن العمل على إلغاء المادة 4 إرهاب التي كانت سبب دخول العراقيات السجون على حد تعبيره , إن عمق الهوة بين المواطنين والحكومة ساعد في انتقال التظاهرات من محافظة الأنبار إلى محافظة نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك وباتت توصف اغلب مطالبها بالمشروعة إضافة إلى تفاعل شرائح وكتل سياسية مع ما يجري ولعل موقف السيد مقتدى الصدر وتحركه الأخير كان الأبرز من خلال ما وصف بالمحافظة على النسيج الوطني العراقي ومد الأواصر في التواصل مع المكونات الأخرى وجسد ذلك في مشاركته بصلاة الجمعة الموحدة في جامع الكيلاني وزيارته لكنيسة النجاة ومطالبته الحكومة إلى تلبية اغلب مطالب المتظاهرين وإرساله وفد يمثل التيار الصدري إلى محافظة الانبار إضافة إلى مواقف أخرى عبرت عن استياء واضح وحملت الحكومة المسؤولية كما جاء في بيان الحزب الشيوعي العراقي الصادر يوم الجمعة الماضية الذي أكد فيه ان “التظاهرات التي انطلقت في الانبار وامتدت إلى محافظتي نينوى وصلاح الدين عكست مطالبها عمق الفجوة التي تفصل المواطنين عن الحكومة الاتحادية وحكوماتهم المحلية”، وأكد الحزب إن “حل مشاكل البلاد لن يكون ممكنا عبر التشبث بالمواقف”، محملا الكتل وقياداتها “المسؤولية الأساسية في اتخاذ خطوات وإجراءات عملية وسريعة لتنفيذ ما هو مشروع وممكن من مطالب المتظاهرين لتطويق الأزمة”.
كما إن موقف القائمة العراقية ذهب إلى ابعد من ذلك مطالبةً على لسان رئيسها إياد علاوي باستقالة رئيس الوزراء نوري المالكي على أن يحل محله على رأس حكومة تصريف الإعمال مرشح من الائتلاف الوطني أو دولة القانون , وخلصت ردود الأفعال الكردية إلى عدم جدوى اجراء الانتخابات المبكرة في حل الأزمة التي يمر بها البلد و ضرورة العودة إلى الشراكة الوطنية معزين ذلك عدم إمكانية إجراء الانتخابات في ظل عدم وجود ثقة وآلية لإجراء الانتخابات بشكل سليم ونزيه ، وفق الضوابط الدولية ، لكي يقبل الجميع بنتائجها على حد تعبير القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني عدنان المفتي بالرغم من إعلان المفوضية العليا للانتخابات استعدادها الكامل لإجراء انتخابات مبكرة إن لزم الأمر , ازاء هذه المواقف المتفقة في اغلبها على إجراء الانتخابات المبكرة يتبادر إلى الأذهان هذا السؤال هل ستمثل هذه الانتخابات حلا ً للازمات السياسية المتعاقبة وتداعياتها ؟ ..
إن إجراء انتخابات من هذا القبيل لن يكون الحل بأي حال من الأحوال وإن اتفقت عليه الكتل السياسية بما فيها دولة القانون وهو لايعدو كونه هروب إلى الامام من واقع سياسي مرير محمل بأزمات قد تؤدي تداعياتها إلى وضع خطير في الحاضر والمستقبل , من جانب آخر فهو يمثل للبعض الآخر تمنيا ًفي إحداث تغييرات على الخارطة السياسية تحمل في طياتها سياسات جديدة تعالج فيها الأسباب التي أدت إلى الإخفاقات في الأداء الحكومي على الصعيدين السياسي والخدمي الذي أدى بمضمونه إلى هذا التصعيد غير المسبوق والذي ينذر بخطر محدق كما هو موقف القائمة العراقية , وبنظرة سطحية نرى إن كل ذلك ممكن لكن الواقع يقول غير ذلك فإن اجراء انتخابات مبكرة في ظل عدم وجود قوانين وتشريعات تنظم عمل الأحزاب وتمويلها.واختلاف في فهم وتفسير الكثير من مواد للدستور العراقي سيعيدنا الى الوضع الذين نحن فيه الان أو اكثر لان هذه الانتخابات ستتأثر أكثر مما تأثرت سابقتها بالوضع الإقليمي والدولي مع احتدام المواقف فيه فالملف النووي الإيراني وتبعاته مع الغرب والاحتمالات المتوقعة في التعامل معه سيلقي بضلاله عليها بقوة أكثر من الانتخابات السابقة كما ان الوضع في سورية وموقف الولايات المتحدة المتذبذب منه بسبب الصدمة من نتائج وصول حكومات إسلامية في كل من تونس وليبيا ومصر , سيكون له حضور مخالف هذه المرة في طبيعة الدعم والرغبة والتأثير الأمريكي في شكل الحكومة العراقية التي تنتج عن هذه الانتخابات , إن اغلب الكتل السياسية الممثلة حاليا في الحكومة عاشت تجربة الانتخابات السابقة وما نتج عنه من تأخير لتشكيل الحكومة قارب العام بسبب مشكلة الكتلة النيابية الأكبر وتفسيرها ضمن مواد الدستور واختلاف المواقف عليها مما حدى ببعض الكتل والشخصيات السياسية العراقية الى اتهام الولايات الأمريكية بالتخلي عنها وتطابق وجهات النظر بينها وإيران على شكل الحكومة آنذاك وبالنتيجة جرى التسليم لهذا الواقع في وقت كانت فيه المنطقة تعيش ظروف أفضل من التي تعيشها الآن والولايات المتحدة الأمريكية قد وقعت على اتفاقية التعاون الاستراتيجي بضمنها الانسحاب من العراق أي إنها قد رسمت خارطة طريق لها اما اليوم فإنها لازالت تعاني من الأزمة المالية العالمية ومهددة بتفاقم اقتصادي و أزمة مالية جديدة يصاحب ذلك تنامي سياسي واقتصادي دولي لكل من روسيا والصين , من هذه المعطيات نستطيع ان نستشف ان الانتخابات المبكرة قد لا تأتي بوضع مغاير لميزان القوى عن ما هو عليه الان وهذا ما يفسر الدعوات المتكررة من قبل دولة القانون على لسان رئيس الوزراء نوري المالكي والقيادي في حزب الدعوة حسن السنيد والنائب عن دولة القانون حيدر الكناني بل على العكس قد تصاغ الامور باتجاه دخول الانتخابات بقوائم معينة تضمن لدولة القانون نتائج تجعلها اكثر تحررا واطول يدا في اجراء تعديلات على شكل الحكومة والتخلص من العقبات الحالية في ضعف الاداء الحكومي التي لطالما عزاها رئيس الوزراء إلى التقاطعات السياسية , متعكزا على دعم جماهيري يراه موجودا كما حصل في انتخابات الحكومات المحلية والبرلمانية السابقة وهذا فيه تفاؤل مفرط اذ ان الحال اليوم مختلف فالازمات الداخلية ومنها ازمة اقليم كردستان مع الحكومة المركزية قد تكون حاضرة وبقوة في رسم شكل الحكومة القادمة وهذا لا يعني ان القوى الكردية التي اتفقت جميعها ازاء الموقف من الازمة ستغير طبيعة تحالفها بقدر بحثها عن تحالفات كردية شيعية تكون كتلة المالكي فيه خارج قوس وهذا الامر سيكون مرحب فيه من قبل تيارات احزاب شيعية اخرى مثل التيار الصدري الذي يرى في نهج المالكي شكلا من اشكال التفرد بالسلطة من كل ما تقدم استطيع القول ان اجراء انتخابات مبكرة سوف لايحمل الحلول السحرية للازمات السياسية والخدمية بل على العكس قد تسير الامور باتجاه التأزم وتحالفات جديدة وخلافات لها اول وليس لها اخر تعكس كما هو معروف على الشارع العراقي .
[email protected]