عندما كانت توضع الدساتير في السابق لم تكن مهمة صعبة ومعقدة رغم قلة الامكانات ، وهي ليست كذلك في العصر الراهن، فعصرنا هو عصر السرعة وتكنولوجيا المعلومات و أصبحت الدساتير مهمة للغاية في الحياة السياسية الجديدة بعد سقوط الديكتاتوريات والطواغيت الذين كانوا يضربون بالقوانين التي تهم الشعوب عرض الحائط وخاصة في البعض من دول عالمنا الثالث . ولان الدستور الألية الوحيدة المتاحة ربما لمنع وجود دكتاتوريات ويقوم على توضيح الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأفراد، وما هو دور الدولة في تنظيم النشاط الاقتصادي الذي يحقق التوازن بين مصلحة المجتمع والفرد، وتحقيق العدالة الاجتماعية. لهذا لا بد أن تراقب الشعوب أو على الأقل النخب الثورية والفكرية والثقافية بوعي وادراك بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم و التي بدأت تنمو بعد الثورات والنهضات الشعبية بعيداً عن نسبة تحقيق الاهداف من عدمها ولعل المكتبة الإلكترونية قد وفرت كمّا كبيرا وهائلاً من المنظومة الدستورية العالمية يمكن مراجعتها والاستنباط منها ، و كانت الغاية من صياغتها اعطاء الضمانات الكبرى لاحترام حقوق الافراد وعقائدهم في المجتمعات وحرياتهم بالاساليب الفنية القانونية للصياغة، بطريقة تسهم في تعزيز مكانة الدستور في قلوب ونفوس المواطنين والمسؤولين على حد سواء، مع التأكيد على احترامه والالتزام ببنوده من قبل السلطات الحاكمة ووقف العبث بمواده حيث ما شأت احدى السلطات على حساب الاخريات و لا يمكن إحداث إصلاح سياسي حقيقي في ظل نصوص دستورية تعطي احدى السلطات صلاحيات اوسع على حساب السلطات الاخرى ، التي لا تنسجم مع المبادئ الديمقراطية وعلى رأسها سيادة الشعب اوالامة، كذلك لوقف العبث بالدستور واعتبار الإصلاح الدستوري المرحلي هو المدخل الحقيقي والأساسي للإصلاح السياسي وكافة أنواع الإصلاحات الأخرى ضرورة ملحة ، وبالتالي لا بدّ من إجراء إصلاح دستوري يقوم على أن الشعب هو مصدر السلطات في الدولة لا الكتل والشخصيات السياسية والمحاصصة ، ويضع قواعد واضحة لإصلاح سياسي شامل يوفر الضمانات لحماية الحقوق والحريات العامة، ويعيد التوازن للعلاقة بين السلطات الثلاث، ويرسخ استقلالها ومبدأ الفصل بينها، ويشتمل على ضمان تعزيز النهج الديمقراطي في الحكم، على أساس التداول السلمي للسلطة والتلازم بين السلطة والمسؤولية، بحيث يتم دراسة التعديلات اللازمة التي تبعد الدستور عن الغموض والتي تفقده سماته الحقيقية ، وتخل بالتوازن بين السلطات، وإلغاء الأحكام الدستورية التي فقدت مسوغات وجودها، وتعديل الأحكام الأخرى في ضوء التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي وقعت خلال السنوات التي مضت على وضع الدستور وانقاذه من التلاعب لاخراجه من الأزمة التي يعاني منها و يقتضي اعتبار الإصلاح ضرورة تاريخية ومصلحة وطنية، من اجل استعادة الثقة بين الشعب والقيادة ومؤسسات الدولة، وهذا يستلزم اعتماد إستراتيجية وطنية شاملة للإصلاح ، بالاستفادة من تجارب وخبرات الدولٍ فيما يتعلق بكيفية تعديل الدساتير وإصلاحها لكن في حدود ما يحافظ على الصبغة الوطنية في الشكل والمضمون، خصوصا، وتعزيز شرعيتها، والمسارات التي تتخذها تلك العملية.بمبادرات الإصلاح في إطار مشروعات اوسع لبناء المعرفة وتنشيط الحوار السياسي المتنوع، بهدف تنمية الوعي كوثيقة حيّة يمتلكها ويتفاعل معها المواطنون. و استخلاص الدروس حول أهم النجاحات أو الإخفاقات في كلٍ من تلك التجارب.ليصبح بعد تعديله أساساً صالحاً لنظام نيابي دستوري في ظل الدولة الديمقراطية بمقوماتها الصحيحة. واليوم ونحن مقبلون على الانتخابات يجب ان يطرح المرشحون وبشكل جدي برنامجا متكاملاً لاصلاح الدستور واستعادة السمات الواضحة لنشروتوسيع الحقوق والحريات و يتطلب الفهم الصحيح لعملية اعادة صياغة الدستور خلال اي مراحل التعرف أولاً على الدوافع، التي تأتي متناسقًة مع التغيير وطموحاته ووضع اليات لضمان سمو الدستور من المسلمات التي لا يختلف حولها اثنان، كما هي حقيقة الإصلاح الذي يعتبر ضرورة لا محيد عنها في النهوض بالمجتمعات واستمرار عجلة الحياة، ولذلك بات الحديث عن هذه الحقيقة بمثابة الضروريات التي لا تكاد تنفك حياة الأفراد عنها. ثم ان الإصلاح الذي نتحدث عنه، لا يحتاج إلى واقع نوجده من العدم، بل هو الواقع نفسه يولد من رحم الاجيال جيل بعد جيل يعي أن الصلاح هو الأساس، و أن الفساد طارئ و دخيل، ليتوج هذا الفكر فيما بعد بحياة طيبة مطمئنة . التحدي الحقيقي يكمن في إصلاح عقول تعطلت، و قيم تجمدت، و أرواح انطفأت، و ذلك من خلال تربية تدفع الفرد لأن يعرف ذاته أكثر، و يكتشف أسرارها ويشتغل بها، و ليقتنع أخيرا أن النجاح يكون حتى في التعامل مع الفشل. الاصلاح لا يجب أن يرتهن لمصالح فئوية ضيقة أو أن يرتهن لجهات هنا أو هناك، وهي مسؤولية تقع على الجميع، وتؤكدها فكرة المشاركة ذاتها باعتبارها السبيل الوحيد لمناقشة القضايا الوطنية العامة بشكل سلمي وديمقراطي وحضاري، كي لا تخرج العملية السياسية عن مسارها الصحيح وإطارها القانوني الطبيعي المتعارف عليه.
إن روح الإصلاح تكمن في مباشرة العمل الجاد الذي يوحد الصفوف تحت مظلة الإنجاز وليشمل بذلك جميع مناحي الحياة فعندما تكون مهمة صياغة الدساتير مهمة وطنية، تكون المهمة يسيرة وغير معقدة، ولا تأخذ وقتا طويلا، لا في الصياغة، ولا في التنقيح،، بعيدا عن التدقيق في نوايا الناس ومقاصدهم و من هنا قد تعددت الرؤى حول قضية الإصلاح في الدساتير ولكن كقضية يجب ان تتناسب مع الزمان والمكان .