23 ديسمبر، 2024 12:59 ص

الانتخابات العراقية والأمل المفقود

الانتخابات العراقية والأمل المفقود

ببساطة، إن الانتخابات القادمة، في ظل تنامي الغضب الشعبي المتصاعد والفشل الحكومي المتواتر، وضعت الحكومة العراقية، وبالأخص رئيسها مصطفى الكاظمي المُصر على “استعادة ثقة المواطن العراقي بالنظام السياسي من خلالها”، وسفارة النظام الإيراني، ومرجعية السيستاني، ورئاسة الجمهورية، والحشد الشعبي، والأحزاب الدينية قاطبة، وشباب انتفاضة تشرين، ودوائر القضاء، ومفوضية الانتخاب، وسنّة الحكومة، وحكام أربيل والسليمانية، والسفارة الأمريكية، وتركيا والسعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، ومكتب الأمم المتحدة في العراق، جميعاً، في مأزق خانقٍ  يصعب الخروج منه كما يشتهي أيُّ واحدٍ ممن له ناقة في  العراق أو جمل.

فمأزق الحكومة العراقية نابع من كونها واقعة بين مطرقة إيران وذيولها وبين سندان الشعب العراقي الموعود بانتخابات نزيهة وعادلة تُخرجه من حالة انعدام الوزن، ومن فقدان الأمن، ومن الفوضى والإفلاس والفشل في جميع المجالات والميادين.

فواقعها الملموس يؤكد أنها لا تملك القدرة على ضبط عجلة هذه الانتخابات، وعاجزة عن تحقيق وعودها بتأمين الأمن والاطمئنان والسلامة للناخبين، والحيلولة دون تلاعب السياسيين المتمرسين في التزوير والغش، والمتحالفين مع حملة السلاح المنفلت، خصوصا بعد ما ترددت أنباءٌ عن سرقة بطاقات انتخاب في بغداد وبعض المحافظات الأخرى، يضاف إلى ذلك رفضُ الأحزاب الحاكمة أيَّ دورٍ (إشرافي) حقيقي وكامل للأمم المتحدة والقبول فقط بدور مراقبة لم يستطع في الانتخابات السابقة أن يمنع التزوير، ولا أن يعرف هوية المزورين.

وإيران الحاكمة الفعلية المالكة لوزارة الداخلية والمخابرات، والوصيّة على القضاء وعلى مفوضية الانتخاب وعلى وزراء الحكومة ورئيسها، دفع بها خوفُها من عدم قدرة وكلائها العراقيين على تحقيق الفوز الضروري المطلوب، كما في السنين السابقة، إلى أن ترسل قائد فيلق القدس، إسماعيل قاءاني، ووزير خارجيتها، جواد ظريف، إلى العراق لتضبيط وحدة الصف الشيعي الحكومي، وإعادة تجنيد الكيانات السنية والكردية لمواجهة مخاض الانتخابات القادمة التي تتطلب  مواجهةً فاعلة مع الشارع الغاضب، وتنظيفاً صامتا للساحة الانتخابية من أي مرشحين مشاكسين قد يكونون مدسوسين من قبل سفارات أو أجهزة مخابرات أخرى، وعدم السماح بفوز أي مرشح علماني (كافر) يطالب بالديمقراطية والعدالة، خصوصا إذا كان قد سانَد، في يوم من الأيام، حرقَ مقارِّ الأحزاب والقنصليات الإيرانية في النجف وكربلاء والناصرية والديوانية والبصرة والعمارة، وهتَف أو فرح بهتاف الجماهير الشيعية (إيران بره بره) و ( باسم الدين باكونا الحرامية).

أما مأزق الأحزاب الشيعية الحاكمة فيتمثل في كون النظام الإيراني، هذه الأيام، يمر بمرحلة دقيقة وحساسة تجعله مضطرا لمنعها من ارتكاب جرائم قتل واختطاف وتغييب مفضوحة وكبيرة وكثيرة، على الأقل من الآن وحتى انتهاء مفاوضات الملف النووي.

يعني أن إيران مضطرة للصبر وكتم الغيض وهي ترى تمادي المعارضين وتكاثر أعدادهم وتعاظم أخطارهم. وهي، من ناحية أخرى، لا تستطيع السماح للشارع العراقي الرافض لاحتلالها بالفوز بمقاعد في البرلمان القادم تكفي لإزعاجها وعرقلة مخططاتها.  

والمرجعية، هي الأخرى، في مأزق. فاولادُها الذين منحتهم الحكم في السنين الثماني عشرة الماضية أحرجوها أمام شعبها الشيعي، قبل غيره، بفسادهم المفضوح، وعمالتهم المكشوفة لإيران، وجرائم القتل والخطف والاغتيال التي قاموا بها وافتُضح أمر فاعليها.

وعليه، فهي اليوم محرجة أمام جماهير الشارع المستيقظ المنتفض. فلا هي قادرة على أن تفعل ما فعلته في السابق فتدعم أولادها السياسيين الفاسدين وتسهل فوزهم في الانتخابات، وفي الوقت نفسه لا تريد، و لا تجرؤ على معاداة إيران والانحياز العلني الواضح الصريح إلى مطالب الجماهير الغاضبة والإفتاء بإسقاط قتلة ناشطيها.

وأمريكا، أيضا، في مأزق. فلا هي تستطيع التدخل العلني السافر في الانتخابات، كما كانت تفعل قبل انسحاب قوات غزوها في 2011، ولا هي مطمئنة إلى قوة أنصارها وجواسيسها في الشارع الوطني العراقي، وقدرتهم على الفوز في الانتخاباتِ القادمة بجهودهم وحدها.

وما تبقى من الدول العربية والأجنبية التي لها وجود على الساحة العراقية ففي حرج من نوع آخر. فهي تريد أن يفوز حلفاؤها، ويتمكنوا من أن يُضعفوا، ولو بأقل ما يمكن، قبضة النظام الإيراني التي حوّلت العراق إلى منصة متقدمة لإرسال المتفجرات والمسيَّرات والمخدرات، وإطلاق الصواريخ على دول الجوار، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة ولا حول لها ولا قوة.

وهنا نسأل:

إذا كان الواقع المنظور، يبشر بأن الانتخابات القادمة ستكون غير نظيفة وغير شريفة وغير نزيهة، وسوف يستحيل فيها انتصار الشارع المنتفض على  العملية السياسية الفاسدة العقيمة، فلماذا، إذن، يتجشم الناخبون عناء المخاطرة والمغامرة والتصويت إذا لم يكن سوى الجواسيس والمختلسين والإرهابيين مرشحين، وإذا كانت القوى الخارجية هي التي ستختار نواب البرلمان، ورئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، والوزراء؟.

أليس من العقلانية والوطنية أن ندع لهم انتخاباتهم الشائكة هذه، لئلا يفوزوا سوى بأصوات أولادهم وبناتهم وأقاربهم وأعضاء أحزابهم ومليشياتهم والمرتزقين من أموالهم، فقط، وليُعلن العراق دولةً محتلة قد اغتُصبت من صاحبها الناخب العراقي الوطني الشريف بالمال الحرام والسلاح المنفلت والحكومة الفاشلة، ثم تصبح، بعد ذلك، محاربةُ المحتلين المحليين والخارجيين بالعصيان المدني وبكل أنواع المقاومة الوطنية الأخرى حقا مشروعا تقره الشرائع السماوية والأرضية كلُها وتدعو إليه؟