تعارفت الأمم المتحضرة على إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وبدون تلاعب وتزوير، في كل بضع سنوات، من أجل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لإتاحة الفرصة لمن تختاره الأغلبية من الناس لتسلمه السلطة وإدارة الدولة في الفترة المحددة دستوريا، فقط، ثم يتخلى عنها في الانتخابات التالية، وبسلام أيضا.
وعندنا في العراق الديمقراطي الجديد امتلك السلطة نفر من الناس أجلسهم الغازي الأمريكي والمرجعية على مقاعد القيادة، بدون انتخاب ولا استشارة ولا مقاييس. ثم بالسلطة اختلسوا المال والسلاح، ثم بالمال المختلس وبالسلاح المسروق أصبحوا يمتلكون السلطة، ثم بالسلطة يمتلكون المال والسلاح، وهلم جرا.
ثم صار لجوؤهم إلى الانتخابات، بين حين وحين، فقط للوجاهة، ومن أجل تبادل المغانم، وإعادة تقاسمها فيما بينهم، وحدهم، دون أن يسمحوا لأحدٍ من خارج الشلة المغلقة بالاقتراب من أبراجهم العالية، وعلى أسنة الحراب.
وكما ترون، فإن أي متظاهر سلمي يُضطره ظلمُهم وفسادهم إلى الخروج والهتاف مطالبا بحقه المختلس والمنهوب أصبح عدوهم المرتد، والمستحق لسفك دمه ودم الذين خلفوه.
والآن ندخل في صلب موضوع هذه المقالة. فقد تكرم رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، على أهله العراقيين فبشرهم بأنه اختار يوم 6 حزيران موعداً للانتخابات المبكرة، معلنافي كلمة متلفزة، أن “أهم أهداف حكومتي الإعداد لانتخاباتٍ حرة ونزيهة تُنتج برلمانا يشكل حكومة تعكس إرادة الشعب“.
كلام كبيرٌ، لا الأرض الموجودة حاليا في العراق، ولا السماء، ولا الماء، ولا الهواء، يمكن أن يسمح له ولا حتى لهتلر وموسوليني وصدام حسين، لو عادوا إلى الحياة من جديد،بأن ينفذ هذا الوعيد.
فحديث النعمة الخارج من قاع الفقر والجوع والمهانة إلى المليارات والقصور والشركات والطائرات الخاصة، والذي جعل ولده يسوق سيارة مطلية بالذهب الخالص في شوارع لندن ودبي سيذبح نصف الشعب العراقي ولا يعودخطوة واحدة إلى وراء.
ألم يتعمد، هو ورفاقه، شيعة وسنة، عربا وكردا، أن يجوعالناس، ويمنع الدولة من تشغيل العاطلين من الشباب لكي يزحفوا على بطونهم لإرضائه، فيحلوا سلاحه، ويقتلوا ويحرقوا وينهبوا ويسلبوا، لحسابه؟. واليست جيوشه المتمرسة بالاغتيال مخبأة ليومٍ عصيب؟؟
إذن، فبدل أن نبارك للشعب العراقي بيوم الانتخابالعظيم المنتظر، يقتضي العدل والعقل أن نبشر أحزاب الإسلام الديمقرطي المسلحة بالكواتم والهراوات والغاز السام والرصاص الحي بقرب انتصارها القانوني الشرعي الجديد على المتظاهرين، عبر صناديق الاقتراع، بعد أن انتصرت عليهم بكواتمها ورصاصها الحي القيوم؟.
إن ذوي النوايا الحسنة من المنتفضين هم الذين ابتكروا فكرة الانتخاباتٍ المبكرة، وأحزاب الدين الحاكمةاستجابت، دون تردد ولا تأخير، فغيرت رأيها في مصطفى الكاظمي الذي كانت تتهمه بالعمالة لأمريكا وبضلوعه في اغتيال قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس ووافقت على تنصيبه رئيسا للوزراء، بعد أن وجدت أنه الرجل المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب ليريحهم من وجع الراس، فيطيب خواطر المنتفضين، وينيمهم على حرير.
فهو يعلم، وهي تعلم بأن أي انتخابات قادمة لا يمكن أن تمس، مجرد مساس، سلطانها في البرلمان والحكومة، حتى لو جاءت الكرة الأرضية كلها لمراقبتها. وذلك لأسباب واقعية عديدة.
أولها أن قادة أحزاب السلطة، شيعية وسنية وكردية، هم مُلّاك السلاح والمال والحكومة، وأصحابُ القدرة العبقرية على الغش والتلاعب والتزوير، والأساتذة في الغدر والاغتيال.
ألم تر كيف فعل مقتدى بأهل الناصرية، وربع الله بأهل بغداد؟
فماذا سيفعل مراقب الأمم المتحدة إذا عُرضت عليه رشوة فقبلها؟، أو ماذا لو رفضها ثم وجد ملثمين في انتظاره عندباب الخروج؟.
والثاني هو أن قانون الانتخاب الجديد صناعةٌ حشدية في برلمانٍ حشدي موجودٍ أصلا لصياغة القوانين الملغومة،بامتياز.
إذن، فبكل وسائلها وأسلحتها وجيوشها لابد أن تكونأحزاب السلطة هي الفائزة في انتخابات مصطفى الكاظمي المبكرة القادمة، إذا ما حدثت المعجزة وجرت في موعدها الذي عينه السيد الرئيس.
وبعد فوزها، هذه المرة، وهو المتحقق الأكيد، لن يعود من حق أحدٍ من المحتجين أن يفتح فمه ويطالب بإسقاط فئة منتخبة بحريةٍ لا غبار عليها.
خصوصا وقد ثبت شرعا أن حكومة مصطفى الكاظمي هي أضعف حكومات المحاصصة، وأكثرها كلاماً في كلام.
وهنا يبرز السؤال المهم، أليست المقاطعة الكاملة الشاملة لهذه الانتخابات، لسحب الشرعية من الفاسدين، ولإعلان العراق وطنا محتلا، وأهله سجناء، هي الخدمة الوطنية الحقيقية التي ينبغي تقديمها لهذا الوطن السجين، لكي يعرف العالم كلُه أن الرئيس ليس رئيساً، والوزير ليس وزيراً، والسفير ليس سفيراً، والمدير ليس مديرا، وقائد الجيش وقائد الشرطة ليس قائدا، وأنهم، جميعَهم،مستأجرون فقط لحراسة مُلاك المال والسلطة والسلاح؟.
ويعلم الصغير والكبير، في العراق والعالم، كيف جلس الرئيس على كرسي الرئاسة، ومن سلط الوزير، و من عين النائب، ومن وضع النجوم على أكتاف هذا الضابط وذاك،وسلطه على البلاد والعباد.
فإلى المقاطعة الشاملة الكاملة. فلا حاجة لنا بهذه الديمقراطية الملوثة التي لا تشبهها سوى ديمقراطية الولي الفقيه. فهو الذي يقرر من الذي يحق له أن يرشح نفسه في الانتخابات، وهو الذي يقرر من الذي يقترع، ثم هو الذي يقرر، في النهاية، من الذي يفوز.