الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة بين كثرة المرشحين وإحراج الناخبين…

الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة بين كثرة المرشحين وإحراج الناخبين…

‏مع اقتراب كل موعد للانتخابات البرلمانية العراقية القادمة، يجد الناخب العراقي نفسه أمام مشهد انتخابي معقد يزداد تعقيداً في كل دورة. فبين زحمة الوعود وكثرة المرشحين وتعدد القوائم، تقف الجماهير في حيرة من أمرها، تائهة بين وجوه جديدة تسعى للتمثيل وأسماء قديمة تراهن على تجديد الثقة. في حين أن المواطن العراقي أصبح لايشعر بالثقة بينه وبين الاعضاء في مجلس النواب عموماً، بل وصل الأمر إلى انعدام الثقة مع كل الحكومات التي أتت إلى العراق بعد العام 2003، لأن المواطن لم يلتمس على أرض الواقع الخدمات المطلوبة من الدولة، خاصة فيما يخص البنى التحتية وما تتطلبه من توفير خدمات ضرورية. ومع تفشي البطالة بين الشباب، خاصة أصحاب الشهادات الجامعية الذين ماتت فرحتهم بسبب التخبط الحكومي وسوء التخطيط في التعيينات الوظيفية، يضاف إليها التوقف وشلل الحركة التام في القطاعين الصناعي والزراعي…
‏إن الشعب العراقي اليوم يعيش في دوامة كبيرة حيث أصبحت كثرة اعداد المرشحين سيفاً ذا حدين. فمن جهة، تعكس هذه الظاهرة حالة ربما يمكننا تسميتها بالتعددية الديمقراطية أو الانفتاح السياسي.، وهذا يولد شعورًا لدى المواطنين بقدرتهم على المشاركة في صنع القرار. ومن جهة أخرى، تخلق هذه الكثرة حالة من الإرباك والفوضى للناخبين، الذين يصعب عليهم التمييز بين من يستحق الصوت فعلاً وبين من دخل الساحة بحثًا عن وجاهة أو منفعة شخصية. خاصة بعد أن أصبح الجانب المادي لدى الكتل الكبيرة من أولويات الحملات الانتخابية، وضخ مبالغ بأرقام كبيرة لبعض المرشحين بهدف شراء ذمم بعض الذين تسول لهم أنفسهم بيع بطاقاتهم الانتخابية بحجة أنهم غير مستفيدين من العملية الانتخابية سواء في حالة فوز مرشحهم أو خسارته.

‏إن الناخب العراقي، الذي أنهكته الوعود الكاذبة للانتخابات السابقة وما رافقها من تجارب فاشلة، يجد نفسه في موقف حرج جدًا. فاختيار مرشح واحد من بين مئات، وربما آلاف، في دائرته الانتخابية لم يعد مهمة سهلة. كما أن الضغوط الاجتماعية والعشائرية والولاءات الحزبية تضعه في موقف حرج آخر، بل وتجعل قراره خاضعًا في كثير من الأحيان لمجاملات أو إكراهات لا تمثل إرادته الحقيقية. لأن الضغوط الاجتماعية، وخاصة العشائرية وصلة القربى والعلاقات الخاصة، قد دخلت اليوم في عالم الانتخابات وأصبح لها تأثير مباشر، خاصة في القرى والأرياف التي تتأثر بالعادات والأنظمة القبلية.

‏وهنا تبرز مسؤولية الناخب في أن يكون له مطلق الحرية في اتخاذ القرار الصحيح في اختياره، وأن يميز بين من يملك الكفاءة والنزاهة وبين من يستغل اللحظة الانتخابية لتحقيق مكاسب آنية. كما أن على مؤسسات الدولة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام أن تقوم بدور توعوي حقيقي، يوضح للناس من هو المرشح الأفضل بناءً على برنامجه الانتخابي وتاريخه الاجتماعي اومن خلال أدائه السابق وخدمته للمجتمع، لا بناءً على الشعارات الرنانة أو الصور الدعائية أو الولائم الدسمة التي يقيمها بعض المرشحين من خلال دعواتهم وبرامجهم الانتخابية.

‏إن جميع الناخبين في العراق يتحملون أوزار كل الأخطاء التي تنتج أو تفرزها العملية الانتخابية لأننا جميعًا نعرف أننا بأمس الحاجة إلى نخبة برلمانية حقيقية، قادرة على التشريع والمراقبة وإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة. ولن يتحقق ذلك إلا بوعي انتخابي ناضج يفرز الأفضل من بين هذه الجموع، ويرفض إعادة تدوير الفاشلين تحت مسميات مختلفة. وأن يختار دماء جديدة من بين الشباب المرشحين الجدد في هذه الدورة، وكذلك يقوم باختيار بعض النواب السابقين الذين قاموا بخدمة أبناء شعبهم في الدورات السابقة ولهم مواقف شجاعة باتخاذ القرار عند التصويت على القوانين التي تصب في مصلحة المواطن. حتى يستطيعوا أن يتخذوا قرارات تلبي مطالب الجماهير.

‏في النهاية، كلنا يقول ويتكلم بأن الانتخابات التشريعية هي الفرصة الوحيدة للتغيير، لكنها لن تكون مفيدة إذا لم يحسن الناخب استخدام صوته واختيار المرشح الأفضل بعيدًا عن المجاملات والخوف والتبعية. فالصوت أمانة، والتاريخ لن يرحم من يفرط فيه أو يبيعه بثمن بخس. ولن تكون هناك عملية ديمقراطية نظيفة إذا كانت ديكتاتورية سلطة المال موجودة ومفروضة على الناخبين…

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات