23 ديسمبر، 2024 2:05 م

الانتخابات الامريكيه واليمين المسيحى

الانتخابات الامريكيه واليمين المسيحى

فى عملية انبعاث “الامه الامريكيه”قد ارتكزت على اولا التحرر من القاره القديمه بموسستها الكبيره المؤثره”الكنيسه الرسميه” وثانيا من الملوك والحكام الذي “استمدوا سلطتهم من الله” كما ان كان السكان, “المستوطنين” يحملهم الوعى, بانهم شعب مختار من الله. ان الدستور الامريكىيضمن حرية الممارسه الدينيه وتنوع الطوائف والمذاهب. 
تتميز”الحاله الدينيه” فى امريكا بالتنوع, كما ان نسبة المذاهب والطوائف فى اجمالى عدد السكان فى العشر سنين الماضي تكاد ان تكون ثابته. ويشكل المسيحيون حوالى 80 % من السكان ويشكل البروتستانت اكثر من نصف السكان وهم بذلك اكبر جماعه دينيه. فى اطارهذه الغالبيه, يكون المحافظون الانجيلين البيض حوالى 25,4 % والتى قد نمت واصبحت اكبر الجماعات الدينيه واصبح البروتستانت الليبراليين فى المركز الثانى بنسبه قدرها22,1 %. ان نسبة البروتستانت السود قد تقلصت ايضا واصبح نسبتها فى عام 1996 فقط 8 %, اما الروم الكاثوليك فان نسبتهم 21,8 %. اما العلمانين, الدنيويون, فقد تضاعف عددهم منذ الستينات وتقدر نسبتهم حاليا  16,3 %. ان هذا الميل نحو العلمانيه كان مناسبه وفرصه سانحه “لليمين المسيحى” لاتهام يالعمل على الانحطاط المجتمعى وانهيار القيم الاخلاقيه, وهم كحماة للدين يرفضون الافكار الاصلاحيه ويؤكدون على المعتقدات الدينيه التقليديه والحفاظ عليها عمليا,  ويدافعون عنها ضد الحداثه والليبراليه.ان المواقع السياسيه  لليمين الممسيحى تقوم على”القيم الامريكيه التقليديه” وضد العلمانيه الدنيويه وضد الحركه النسويه والتقافه النسبيه.اما فى السياسه الخارجيه فهم ينشطون من اجل امريكا القويه التى تتمتع بقوه عسكريه ضاربه, هذا بالاضافه الى حماية ودعم اسرائيل.                              عندما اعلنت المحكمه الامريكيه العليا اجازة عمليات الاجهاض فى عام 1973 وعندما جعلت التسهيلات الضريبه للمدارس المسيحيه موضع التساؤل, اخذ المسيحيون المتديين ينشطون سياسيا, كما ان انشاط السياسى للحركه النسويه وحركه المثليين وحركة الحقوق المدنيه وحركة الحفاظ على البيئه قد ااثارت االمسيحين المحافظين الذين وجدوا خطرا يهدد القيم التقليديه الامريكيه,والذى دفع البروتستانت الانجيليين على النشاط السياسى وبدوا فى تنظيم انشطتهم.
 لقد تقلصت المسافه بين الدين والسياسه فى الثلاثين سنه الاخيره, فالامريكان المتدينون اصبحوا اكثر اهتماما بالسياسه, كما ان الانجيليين البروتستانت الذين يشكلون( 24 %عام 2000) كناخبين مسجلين, بينما كانت النسبه 19 % فى عام 1987. اخذو يشكلون قاعدة مهمه من الناخبين للحزب الجمهورىى, من ناحيه اخرى فقد تضاعفت نسبه الناخبين الكاثوليك الذين صوتوا فى انتخابات 2000 للحزب الجمهورى ايضا. ان المتدينين والذين يرتادوا الكنائس بشكل منتظمم  يمثلون قواعد مهمه كناخبين لللحزب الجمهورى, لقد تطور مبدا القيم والاخلاق والتقاليد فى التصويت على المرشحين للكونغرس ومجلس الشيوخ والرئاسه على المنهج الاقتصادى.
ان التفاعل بين اليمين المسيحى والحزب الجمهورى اخذ تبلور مع الوقت, فكلاهما يشخص الشيوعيه عدوا مشترك وفى ذات الوقت خطرا ايديولوجيا ـ علمانيا مناقضا يهدد المشروع الوطنى “الطريقه الامريكيه للحياه”. لقد حصل الحزب الجمهورى فى العقود الثلاثه الماضيه  على نجاحات فى الانتخابات, خاصة فى المدن والاقاليم التى ينتشر فيها الانجيليين, فى المناطق الريفيه فى الجنوب وفى وسط الغرب الامريكى, حيث السكان المعمرين الذين لم يحصلوا على تعليم متقدم. عندما اعلن الحزب الديمقراطى, بتأثير مندوبى الولايات الشماليه, فى عام 1948 رفضه للعنصريه وعدم المساواة الدينيه والاقتصاديه, تبلورت حركه ضد طموحات الديمقراطين واعلنت اصرارها على ممارسات الواقع فى الولايات الجنوبيه وحيث فازت هذه الحركه فى انتخابات الرئاسه عام 1948  فى اربع مقاطعات جنوبيه , كما خسر الحزب اليمقراطى فى انتخابات الرئاسه عام1964 فى الولايات الجنوبيه لصالح الحزب الجمهورى.
ان الحاجه متبادله بين الحزب الجمهورى واليمين المسيحى, ان الحزب يحتاج اليمين المسيحى كخزين كبير لاصوات الناخبين وبالاضافه الى نشاطاتهم فى الانتخابات لصالح الحزب التى تحضى بأهميه كبيره من قبل مخططى الحملات الانتخابيه فى الحزب الجمهورى, خاصة فى الولايات التى لم تسحم ولاءاتها بعد والتى لعبت دورا مهما فى انتخابات الرئاسه الماضيتن. ان اليمين المسيحى بكل تنوعاتهم المذهبيه ومواقفهم السياسيه بحاجه الى الحزب,اولا انهم يستطيعوا تشكيل ائتلاف واسع لجميع طوائف وتوجهات المحافظين المسيحيين, ثم ان الحزب الاقرب الى افكارهم وتطلعاتهم, انه ائتلاف سلطوى مصلحى بين مختلف اتجاهات اليمين المسيحى المحافظ والحزب الجمهورى المحافظ وخاصة المحافظين الجدد. فقد استطاع اليمين المسيحى من التحول الى مركز الصراعات السياسيه حول ممارسة السلطه بعدما كان يراوح فى الاطراف.ان 65 % من الامريكان يعتبرون اليمين المسيحى جزءا من التيار العام, كما ان 60 % يتقبلون تاثيرهم على المجتمع الامريكى. ان 72 % من الانجيليين يعتقدون بانهم قد نجحوا فى التاثير على سياسه اداره ـ بوش.                               كان حوال نصف الانجيليين مسجلين فى القوائم الانتخابيه, بينما كان معدل الوسط 70 %, وكان لا بد من الاهتمام بهذا الخزين الهائل من الناخبين 60 ـ 70 مليون وتنشيطهم وتسجيلهم فى القوائم الانتخابيه وقد بادرت الكنائس بحملات كثيره فى هذا الاطار , كما قد اصبح الانجيليين البيض اكثيرنشاطا من بقية الناخبين.
فى 27 اذار 2002  وقع الرئيس جورج بوش قانون اصلاح تمويل الحمله الانتخابيه, فى هذا القانون حصلت الجماعات فرعيه  التى لها اهداف دينيه على وزن كبير فى تكوين الافكار السياسيه, وقبل كل شىء منظمات لها اعداد كبيره من الاعضاء تحمل اديولوجيه ـ دينيه, هذا بالاضافه الى  السماح لها بجمع الاموال لتحقيق اهدافها,وعلى سبيل المثال شبكة اعمال منظمات اليمين االمسيحى.هذا يعنى ان منظمات  اليمين المسيحى تستطيع جمع تبرعات من اشخاص والمؤسسات والنقابات, مما يتيح لها المجال ان تلعب دورا قويا فى الانتخابات وخاصه فى تامين تكاليف الحملات الانتخابيه للمرشحين لانتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ وتستطيع بنفس الوقت ان تفرض عليهم ايديولوجيتها السياسيه.
ان من خصوصيات التشريع الامريكى, ان السلطه التنفيذيه لا تستمد شرعيتها وعملها من اغلبيه حزبيه فى الكونغرس,حيث يتمتع عضو الكونغرس باستقلاليه فى عملية التصويت, هذا يعنى ان قاعدة الالتزام الحزبى فى التصويت كما يعمل به فى برلمانات اوربا الغربيه لايعمل بها فى امريكا  وهى غير ضروريه لااستمرار فعالية وعمل الحكومه. ان المرشح للكونغرس او مجلس الشيوخ فى منطقته الانتخابيه لا يعامل غالبا, على انه ممثل حزبى وانما كشخصيه سياسيه “مستقله”, ويتم انتخابه وتمويل حملته الانتخابيه من الجماعات ذات المصلحه على اسس توافق اراءه وسلوكياتهمع الجماعه او المنظمه التى تقوم بدعمه وتمويل حملته الانتخابيه وهذا يعطى مجالات واسعا للمنظمات اليمين المسيحى النشيطه جدا فى التأثير على المرشحين ومراقبة نشاطاتهم فى الكونغرس والسينات كان نجاح الرئيس الديمقراطى “جيمى كارتر(1977 ـ1981) لان اليمين المسيحى,خاصة الانجليين فى الولايات الجنوبيه لم يصوتوا الى الرئيس الجمهورى “جيرالد فورد” لعدم لتزامه بوعوده اثناء الححمله الانتخابيه, حيث انتهج سياسه تفاهم وتعاون مع الاتحاد السوفيتى والصين, وكان كارتر يمثل املا فى العوده الى الاصول والتقاليد بعد “فضيحة الوتر غيت”, الاانه شكل لهم خيبة امل جديده وذلك لانه قد ساعد على تقوية حقوق المراه وتسامح مع الحركات النسويه المتطرفه, ولم يبذل جهدا فى الحد من الانهيار القيمى والاخلاقى وضد الشيوعيين الملحدين. وعلى ذلك فان كارتر لم يعاد انتخابه ثانيه على الرغم كونه اول رئيس ينتخب من ابناء الجنوب”ولاية جورجيا” وكان ايضا متدين جدا. وجاء دور “المحافظ المتطرف “رولاند ريغان 1981 ـ 1989 )” الذى  هللت له نفوس اليمين المسيحى, فقد وضع حدا لكل ما لا يتفق مع ارائهم  ومعتقداتهم, بداية بالاخلاق والتقاليد الامريكيه الاصيله, سياسته المتطرفه ضد الاتحاد السوفيتى , وسياسته تجاه “اسرائيل” التى كما يصفها االاسرائيليون الاكثر ايجابيه عما سبقها لدى الرؤساء الامريكان.ان علاقه اليميين المسيحى باسرائيل والدعم الدائم لها والتنسيق مع والاتفاق المستر مع اللوبى اليهودى “الايباك” له خلفيات فى الاساطير اليهوديه ـ المسيحيه التى تؤكد على العوده الثانيه للسيد المسيح فى الارض المقدسه.
لقد بدأ الوزن النوعى لليمين المسيحى يتبلور, خاصة فى انتخاب” جورج بوش”الاب,حيث تم التصويت له حوالى 70 % من الانجيليين واليمين المسيحى, الا ان فشل فى اعادة انتخابه عام 1992 لانه اثار امتعاض لدى اليمين المسيحى عندما صرح فى اذار 1990 ان القدس الشرقيه مازالت اراضى محتله ولا تعود ملكيتها الى اسرائيل, ثم قام برفع نسبة الضرائب خلافا للوعود التىقدمها فى حملته الانتخابيه. اما الابن الذى كان يعمل حلقة وصل فى الحمله الانتخابيه لوالده مع اليمين المسيحى فقد فهم الدرس جيدا , وتوافق مع ارئهم واهدافهم التى لم تكن بعيده عن افكاره وتطلعاته,وقد كان الاجماع عليه من قبلهم قويا خاصه فى الحمله الانتخابيه للرئاسه الثانيه حيث حصل جورج دبليو بوش على نسبه اصوات اكثر من النسبه التى حصل عليها المحافظ المتطرف رولاند ريغان. ان هذا الاجماع الكبير  قد دعى بعض الستراتيجيين الجمهوريين مثل “كارل روف ” الى التخطيط نحو اغلبيه جمهوريه دائمه.
 كان نجاح براك اوباما فى الانتخابات الرئاسيه 2008 حدثا تاريخيا كبيرا, ليس فقط ,لانه اول شخصيه , من اصول افريقيه ـ امريكيه وانما ايضا لدخول منهج جديد الى البيت الابيض يتعامل مع الاطراف الاخرى, مع المجتمع والفرد الامريكى, وكذلك مع السياسيين الاجانب بدرجه عاليه من الاحترام والاستعداد لسماع الاراء والمشاكل, بعيدا عن العنجهيه والغطرسه التى كانت الادارات الامريكيه تتعامل بها مع الاخرين. والحقيقه فان نجاح براك اوباما فى الانتخابات كان ضروه لللولايات المتحده, ان اثنى عشر سنه من حكم الجمهوريين قد دفع البلاد الى حافة الهاويه,فقد وصلت مديونية الولايات المتحده الى حجما من الضخامه غير قابل للتصور, هذا بالاضافه الى تخفيض نسبة الضرائب على الاغنياء واصحاب الملايين وتقليص برامج وامكانيات الرعايه الاجتماعيه والعاطلين عن العملز من ناحية اخرى فانمساهمة القطاع الصناعى والانتاجى فى الدخل القومى اخذت تتناقص فى صالح قطاع المصارف والبنوك. ان الدوله قد فقدت السيطره على هذا القطاع المهم قاد العالم فى نهايه الامر الى ازمة ماليه واقتصاديه وكذلك فى البورصه لم يشهد العالم مثيلا لها.
ان انتخابات الرئاسه الامريكيه على الابواب, هل يستطيع الرئيس الحالى براك اوباما فى النجاح لولايه ثانيه ام ان المرشح المليونير”مات رومنى” سيكون الفائز. ان فوز رومنى سيعيد الامور كما كانت عليه فى ولايات الرؤساء الجمهوريين, توتر فى السياسه العالميه وحروب اقليميه وانقلابات هنا وهناك, اما فى الداخل فان الامور تسير كما كانت دائما فى اتجاه زياده الهوه بين الاغنياء الذين يزدادون غنا وسلطه والفقراء الذين يزدادون فقرا وبالتالى يسحقون.
كان انتخاب باراك اوباما يحمل املا فى عالم اكثر امنا ومجتمعا تتوفر فيه بعضا من العداله الاجتماعيه, الا ان هذه الامانى والتمنيات لا تتحقق فى ولايه او ولايتين , فى مجتمع يقوم على اسس وقواعد طبقيه متينه جدا وعلاقات اجتماعيه وانتاجيه تتجاوز الاساليب والاليات فى الديمقراطيه المعهوده ان عمليه تغير تراكميه يمكن ان تستغرق قرنا او اكثر من الزمن وربما اطول,اما محاولات التأثير والتغيير,انه تحتاج الى مناهج جديده لابد من الفكير بها.
[email protected]