الثلاثاء القادم.. الخامس من تشرين الثاني / نوفمبر هو يوم الانتخابات الامريكية العامة .. واقول العامة لان غالبية الناس خارج الولايات المتحدة لاتعرف ان ذلك اليوم سيشهد انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة اضافة الى انتخابات التجديد النصفي لبعض اعضاء مجلسي الشيوخ ( ١٠٠ عضو على مستوى الولايات) والنواب ( ٤٣٥ عضواً ) اضافة الى انتخابات محلية تشمل مجالس بعض الولايات ، وبعض دوائرها التنفيذية .. ولكن الاهم بالطبع هو انتخاب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة..
تنحصر المنافسة على كرسي الرئاسة على فترة السنوات الاربع القادمة ٢٠٢٥-٢٠٢٩ ، بين نائبة الرئيس الحالي كمالا هاريس ( ٥٩ عاماً ) ممثلة للحزب الديمقراطي ، والرئيس السابق دونالد ترامب ( ٧٨ عاماً ) وهو مرشح الحزب الجمهوري.. اضافة الى اربعة مرشحين اخرين هم كل من : مرشحة حزب الخضر جيل شتاين ، والمرشح المستقل كورنيل ويست والمرشح الشاب شاس اوليفر ومرشحة الحزب الاشتراكي الحر كلوديا دي لا كروز .. ومن الجدير بالذكر ان ثمانية عشر مرشحاً كانوا قد انسحبوا من سباق الترشيح خلال السنتين الماضيتين غالبيتهم العظمى من الحزب الجمهوري .
وبنظرة اولية فان من البديهي ان تنحصر المنافسة بين مرشحي الحزبين الرئيسين : هاريس و ترامب فيما تنعدم اي فرصة فوز للمرشحين الاخرين .. وذلك لاسباب عديدة منها قوة وفاعلية الحزبين الرئيسين ومنافستهما الشرسة منذ مائتين وخمسين عاماً ، وقوة قواعدهما الشعبية وسيطرتهما على القرار الوطني من خلال مجلسي الشيوخ والنواب اضافة الى حصولهما على اكبر قدر من التبرعات المالية ، وأخيراً نيلهما دعم عدد من الشخصيات المؤثرة في المجتمع الامريكي كرجال الاعمال والشركات الكبرى والفنانين
وغيرهم من الشخصيات العامة ..
الانتخابات الامريكية هي حالة فوق الخيال تتداخل فيها رؤوس الاموال والصناعة والتجارة والاعلام والدهاليز المخابراتية لتنتج في الاخير صناعة رئيس .. يضرب فيها المرشحون على الأوتار الحساسة لاستمالة الناخبين الامريكيين وهذه الاوتار حصراً وبتجربة شخصية تمتد لعقد ونصف من الزمن هي : التامين الاجتماعي والصحي والمعاشات التقاعدية والضرائب وامن الحدود والمهاجرين ، وظاهرة الإجهاض في المنتشرة في البلاد ، اضافة الى دور الولايات المتحدة في عالم اليوم .. وبمنتهى الصراحة فان المواطن الامريكي البسيط لا يهتم الا بالتامين الصحي والضرائب ، وهو ما جعل المرشحان الرئيسيان يركزان عليهما طوال فترة التحضير للانتخابات الحالية وجميع الانتخابات السابقة .. وفي هذه الملفات يختلف الحزبان الرئيسيان بشكل جذري ويتفقان فقط على الدعم اللا محدود لاسرائيل والالتزام بتفوقها العسكري واستمرارها في حرب الابادة ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني باعتبارها ( الديمقراطية الوحيدة ) في الشرق الأوسط..
ومن بديهيات القول التي لا يعرفها الكثيرون ان نسبة الإقبال على الانتخابات في الولايات المتحدة متدنية جداً .. ولكنها تُجرى وتُقبل نتائجها على اي حال .. وقد نشبت معارك اعلامية ضارية في الانتخابات الرئاسية السابقة حول حق المواطنين في التصويت المبكر او عبر البريد الذي يرفضه الجمهوريون ويصرون على انه تشوبه خروقات كثيرة ويسعون الى تغييره اذا فازوا بالرئاسة او الاغلبية في اي من المجلسين .
في الفترة التي تسبق الانتخابات ( اية انتخابات ) يستخدم المرشحان جميع الملفات ضد الخصم حتى القذرة منها ، وفي ذلك يقول المرشح الجمهوري : إن الديمقراطيين أهدروا مليارات الدولارات على دعم اوكرانيا في حربها ضد روسيا وان الادارة الحالية لم تفعل مايكفي لدعم اسرائيل !! وانها تتساهل في موضوع امن الحدود الجنوبية وتدفق المهاجرين من امريكا الوسطى إضافة الى هدر اموال امريكا على الامم المتحدة وحلف شمال الاطلسي والمنظمات الدولية .. فيما يرد الديمقراطيون بان أمريكا استعادت قيادة العالم في زمن بايدن ودعمت إسرائيل واوكرانيا ضد المد الروسي والتطرف الاسلامي ( كما يسمون ) وان ادارتهم خلقت ملايين فرص العمل للأمريكيين واصلحت نظام الضرائب وقننت الهجرة المشروعة وان الاقتصاد الأمريكي يحقق نمواً مضطردا في زمنهم .. وللإمعان في تسقيط المرشح الجمهوري فانهم يعتبرونه المسؤول الأول عن اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي في السادس من يناير كانون الثاني عام ٢٠٢١ وان سجله مخزٍ في مجال التهرب الضريبي وعلاقاته الغرامية غير المشروعة وعلاقاته ( الغامضة ) مع الرئيسين الكوري الشمالي والروسي ) .. اضافة الى محاباته للشركات الكبرى ورجال الاعمال خلال فترة رئاسته الاولى ( ٢٠١٦-٢٠٢٠ ) وغيرها .
استطلاعات الراي هذه الايام تظهر تقارباً كبيراً بين المرشحين الرئيسيين بحيث يصعب جداً التكهن بفوز اي منهما وهذا ما جعلهما يلجآن ويركزان في حملتيهما الانتخابيتين ، وقبل خمسة ايام فقط من موعد الانتخابات الى الولايات المتارجحة بعد ان ضمن كلا منهما ولاياته التقليدية .. كما بدا كل منهما يغازل التجمعات الكتلوية الانتخابية المؤثرة مثل : الامريكان ذوي الاصول الافريقية والأمريكان الأسيويين وذوي الأصول اللاتينية ، والعرب والمسلمين الذين يتركز غالبيتهم في ولاية مشيگان ، والذين اعلن غالبيتهم مقاطعة الانتخابات الرئاسية احتجاجًا على الدعم الأمريكي غير المسبوق ( الديمقراطي الحالي ) لاسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين واللبنانيين ، فيما حصل ترامب ( كما يدعي ) على دعم فئات مسلمة أخرى قالت انها حصلت على وعد من المرشح الجمهوري بوقف الحرب الاسرائيلية على غزة ولبنان .
اذن فالانتخابات سوف لن تجري بين شخصين او حزبين .. بل انها ستجري بين مشروعية الاجهاض وتحريمه ، بين رفع الضرائب وأسعار الفائدة وخفضها ، بين استقدام مهاجرين جدد وغلق الحدود ، بين ارتفاع المد العنصري ضد السود والعرب والمسلمين والمهاجرين الذي يتبناه الجمهوريون وبين عكس ذلك ..
وشخصياً اعتقد ان الفوز سيكون حتماً لمن يعد بتقديم المزيد من الدعم لاسرائيل وتقويتها و فتح كل مخازن السلاح لها والرضوخ وتقديم الطاعة للوبي الصهيوني الفاعل الذي يسيطر سيطرة مطلقة على كل مفاصل الحياة في الولايات المتحدة ، وذلك بالضد من رغبة الكثير من الامريكيين التي نلمسها هنا يومياً ، والذين يطالبون بالتركيز على مشاكلهم الداخلية اليومية وهم المعنيون اكثر من غيرهم ، اذ ان ما يدفعونه من ضرائب باهظة هو الذي يشغل الالة الحربية الامريكية حول العالم .