19 ديسمبر، 2024 5:24 م

الانتحار فلسفة أم يأس من الحياة؟

الانتحار فلسفة أم يأس من الحياة؟

المتشائمون، هم كثيرون جدًا، لكن لم يجرؤ منهم على الانتحار الا شرذمة قليلة. الفيلسوف المعري كان متشائماً، ويعد الحياة لا خير فيها، وآرثر شوبنهاور عرف عنه ايضًا أنه متشائم، ويدعو للانتحار، وعاش حياة عزلة وعدم انسجام مع الحياة، ومرت في حياته صدمات ونكبات، حتى اعتزل العالم ولم يكترث بما حوله من الناس، واعتبرهم اناس لا يمكن التعايش معهم، لكنه بالنتيجة لم ينتحر وعاش حياته الطبيعية، ومات موتة طبيعية. وجاء من بعده تلميذه الدؤوب نيتشة فسار على نهجه، وتأثر بفلسفته، واخيرًا اصيب بمرض عقلي عضال وظل يلازمه هذا المرض حتى قضى عليه، ومع ذلك هو الآخر لم يفكر بالانتحار ولو للحظة واحدة، بل مات على فراش الموت ولم لكن حاضرًا معه – خلال لحظات الموت الا شقيقته الوحيدة.
وثمة كثير من تأثر بهؤلاء الفلاسفة المتشائمون، واخذوا الطريقة نفسها في بغض الحياة واعتبار وجودنا حالة من العبث، بل ذهب الى اكثر من هذا، واعتبر الانتحار شجاعة، ويجب أن ننهي مهزلة الحياة بالطريقة التي نريدها نحن فأقدم على الانتحار فعلا، وختم الفصل الاخير من مسرحية الحياة، كما كان يعتقد، أعني بذلك الكاتب الايراني صادق هدايت صاحب رواية (البومة العمياء) وهي رواية غارقة بالتشاؤم والبأس وتدعو الى الانتحار، وهو اول من طبق ذلك. الرواية قصيرة “قام بتعريبها المحامي سليم الصويص، وتعد هذه الرواية عمل هدايت الأشهر والأكثر تجسيدًا لفلسفته ورؤيته للحياة والمتمثلة في عالم الكوابيس المزمنة، واختلاط الواقعي بالخيالي، والصور السيريالية المهيبة، وروح القلقة”.
الايام الاخيرة زادت حالات الانتحار- عندنا في العراق- بشكل لافت للنظر، ومقلق ايضاً، اذ كنا في السنوات القليلة الماضية لم نشد مثل هذه الحالات الا القليل، وكنا نتعجب أن تحدث مثل هذه الحالات، ونعدها حالات شاذة وأن الشخص الذي ينتحر ماهو الا مصاب بلوثة عقلية، او نوبات صرع تنتابه وفقدان وعي تام بحيث يقتل نفسه بلا شعور.
الاسباب التي جعلت من حالات الانتحار تزداد وبشكل يومي تقريبًا، وخصوصًا في صفوف الشباب وهم مقبلون على حياة، وينتظرهم مستقبل زاهر، يفترض، هي: الضغوطات النفسية، والشعور بالضياع، وبمستقبل مجهول، وغيرها من الاسباب الكثيرة جاءت نتيجة حكام الجور من الذين أداروا السلطة بعد الاحتلال الامريكي للعراق، حيث تسلط على رقاب الناس: قتلة وجهلة واميون وسفاكين دماء، فضلاً عن أن انتمائهم ليس للعراق، وانما الى دول اخرى مجاورة للبلاد، وطفقوا يطبقون أجندات تلك الدول بحذافيرها، تاركين الشعب تعصف به الهاوية.
الاحصائيات التي نشرتها لجنة حقوق الانسان في العراق مرعبة، وتدعو للشعور بالقلق، حيث كان عدد المنتحرين الشباب من كلا الجنسين أكثر من 300 منتحر خلال العام 2019، فحسب ناهيك عن السنوات التي تسنم فيها الفاسدين دفة الحكم، بعد الـ 2003، الى حين كتابة هذا المقال، حيث تشهد ساحات الاحتجاج انتفاضة شعب حي في عموم العراق، وتواجه مواجهات شرسة، يسقط فيها العشرات من المنتفضين بين شهيد وجريح، حلمهم أن ينعمون بعراق زاهر.

أحدث المقالات

أحدث المقالات