23 ديسمبر، 2024 12:52 ص

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج27

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج27

ويبدو أن الذي توقعه اللواء الركن(ابراهيم فيصل) الانصاري قائد الفرقة الثانية (= الجبلية في الجيش العراقي) قد حدث،” جرى حشد القطعات في سهل أربيل طوال الشهر(= شهر نيسان عام1966م) الذي سبق تنفيذ العمليات، الأمر الذي أتاح للبرزاني ( = الملا مصطفى) الوقت لجلب وحدات مدفعية إيرانية مع أطقمها إلى القاطع. وبدأت قصفها القوات المتحشدة فتكبَّدت خسائر كبيرة أثّرت سلبًا في معنوياتها. كانت عارضتا هندرين وزوزك تسيطران على مدخل محور راوندوز – حاجي عمران من الشرق. اللواء الرابع يمسك عارضة هندرين التي تسيطر على الطريق من اليمين، واللواء الثالث يمسك عارضة زوزك عن يسار الطريق، وقد كثف المسلحون الأكراد القصف عليهما فكبدوهما خسائر كثيرة. وفي ليلة دامسة الظلام(12/5/1966م) بوغتت قطعات اللواء الرابع على جبل هندرين بهجوم صاعق أجبرها على ترك العارضة في حالة من الفوضى الشاملة، واحتمى العسكر في السفوح والأودية القريبة، كما ترك بعض وحدات اللواء الثالث معظم مواضعه على عارضة زوزك. لم يسبق لقواتنا أن تعرضت لمثل هذه النكسة المؤلمة والمهينة مطلقًا. وكنا نخشى انعكاسها على بقية قطعات الجيش. كان اللواء الأنصاريّ يغلي غضبًا، والأخبار السيئة عن قاطع راوندوز ترده تباعًا، فقد توقع أن يحدث ما لا تُحمَد عُقباه عندما حشدوا القطعات في رمضان قبل أكثر من شهر من موعد تنفيذ عملياتها. كان يقطع غرفته ذهابًا وإيابًا عندما دخل عليه اللواء فاضل واللواء حسن سكراب من هيئة أركان قيادة قوة الميدان، وكان اسُتحدث مقرّ باسم قيادة قوة الميدان لإدارة العمليات في الشمال برئاسة عبد الرحمن عارف الذي أصر عزيز العقيلي، وزير الدفاع على إبعاده من الوزارة، لأنه لم يكن ضابط ركن، ولا يحق له أن يكون رئيسًا لأركان الجيش، كما تنص بذلك اللوائح والنظم العسكرية، فكان ذلك حلًا لتلافي أزمة بينه والرئيس عبد السلام عارف. دخلوا يسألونه ويرجونه أن يتدخل لإنقاذ الموقف بالذهاب إلى راوندوز لمعالجة الحالة المتدهورة هناك، فردّهم اللواء الأنصاريّ بجفاء وذكّرهم بتحذيره الوزير من النتائج الوخيمة لإجراءاته تلك. رد اللواء حسن، والعبرات تخنق صوته: “لواء إبراهيم أستحلفك بالله أن تذهب، إنه شرف الجيش والوطن”. ينظر: نزارعبدالكريم فيصل الخزرجي، الحرب العراقية الايرانية 1980-1988، مذكرات مقاتل.
فوافق اللواء الركن ابراهيم فيصل الأنصاريّ على ذلك:” وأصدر أوامره لقوات مغاوير الفرقة(= الثانية) للتحرّك فورًا إلى راوندوز، واصطحب معه آمر مدفعيته العميد أحمد سعيد وبعض ضباط ركنه في طائرة سمتيّة [هليكوبتر] إلى هناك، وكنت معهم (= النقيب نزار)، في المقرّ المتقدّم لقيادة الفرقة الرابعة، وكان اللواء الركن زكي حسين حلمي، قائد الفرقة، الذي كان قبل أشهر آمرًا لأحد ألوية فرقتنا، يبدو تحت تأثير الصدمة التي فاجأته. لواء زكي، قال له الأنصاريّ، أوجز لي آخر موقف. فأوجزه. تسلّق اللواء الأنصاريّ تلة مرتفعة قريبة تشرف على الجبهة، مصطحبًا معه اللواء زكي والعميد أحمد آمر المدفعية، وعددًا من ضباط الركن والمُخبرين. وامتدّ الجميع على الأرض، وأصدر أول أوامره بأن تربط كافة وحدات المدفعية في الجبهة بشبكة آمر مدفعيتنا، ثم اتصل مباشرة بأحد آمري الأفواج الأمامية المقدّم الركن زاهد إسماعيل (كان مدرّسنا عندما كنت تلميذًا في كلية الأركان) للتعرف إلى الموقف من الأفواج المشتبكة بالقتال مباشرة. فقال: ” أنا اللواء الركن إبراهيم فيصل الأنصاريّ، جئت لإدارة المعركة؛ أعطني موقفك والعدو بدقة، وسأسندك بمدفعية الفرقة كلها. أعطنا التصحيحات لصب نيراننا على العدو”. وبعد نصف ساعة أو أقل اتصل المقدّم زاهد إسماعيل وتكلم مع اللواء الأنصاريّ وقال: “سيدي القائد إنني أرى جثثهم تتطاير بفعل نيراننا، وشرعوا بالفرار”. تركنا اللواء زكي لمتابعة الموقف، وذهبنا لاستقبال قوات مغاويرنا التي بدأت طلائعها بالوصول والتجمّع قرب المدخل الشرقي لمضيق كلي علي بك، وحال تكاملها وقف اللواء الأنصاريّ بينهم وحيّاهم بحرارة، وجال ببصره في وجوههم التي يعرفها ويعتزّ بها، حيث كانوا من وحدات مغاوير الفرقة الثانية المعروفين بشجاعتهم وشراستهم في القتال. وخاطبهم قائلًا: “إن وحدات اللواء الرابع قد انسحبت من جبل هندرين ذاك الذي ترونه على اليمين (وأشار إليه)، وكذلك بعض وحدات اللواء الثالث من جبل زوزك على اليسار. وإن المتمرِّدين الخونة احتلوا المرتفعات المسيطرة. أريدكم أن تسترجعوها من أيديهم سيموت بعضكم ويُجرح آخرون، لكنّ شرف الجيش والوطن أكبر وأعظم. أريد أن أرى أعلامكم ترفرف على قمم هذه الجبال. لقد ادُّخرتكم لمثل هذا اليوم. اذهبوا والله معكم”. كان زئيرهم يشق عنان السماء وهم يحيّون قائدهم، وانطلقوا. وبعد ساعات كانت أعلامهم ترفرف على قمم الجبال، والمرتفعات بعد أن سقط العديد منهم”. ينظر: نزارعبدالكريم فيصل الخزرجي، مذكرات مقاتل، المرجع السابق.
يبدو للباحث أن هناك إفتئات على الحقيقة في بعض فقرات المذكرات، فقوات مغاوير الفرقة الثانية لم يستطيعوا استرجاع جبل هندرين، يمكن قد تسلقوا احدى قمم جبل هندرين المشرفة على معسكر حامية رواندوز من جهة الغرب(= كوره سه عات) الذي بقي بيد القوات العراقية، أو تسلقوا قمم جبل زوزك المقابل لجبل هندرين والذي كان الجيش العراقي قد سيطر عليه في 3 مايو/ أيار 1966، ولم يستطع البيشمركه استرجاعه في هجومهم الذي جرى في 17 مايو / أيار 1966 حسب رواية شكيب عقراوي، ينظر: سنوات المحنة في كردستان العراق، ص205.
فيما عرفت الويكيبيديا معركة هندرين بالقول:”معركة جبل هندرين او بالأنكليزية (The Battle of Mount Handrin) هي معركة جرت بين قوات البيشمركة الكردية والقوات العراقية في شمال العراق قرب بلدة راوندوز في شهر مايس 1966. ولقد أستغلت قوات البيشمركة بقيادة الملا مصطفئ البرزاني الوضع السياسي العراقي بعد مقتل الرئيس عبد السلام عارف وأستطاعت القيام بهجوم مفاجئ شامل وواسع وبدعم استخباراتي ولوجستي من ايران وإسرائيل على مواقع القوات العراقية قرب راوندوز. ولقد أدت العملية الئ إبادة ما يقرب من لواء عراقي كامل والئ خسائر أقل بكثير في صفوف البيشمركة بينما انسحب ما تبقئ من القوات العراقية وآمريهم العسكريين الئ مناطق أكثر امنا في شمال العراق. ينظر: The Kurdish Spring: A New Map of the Middle East, By David L. Phillips, page, 19”.
وعلى أية حال بالعودة الى موضوع البحث، يذكر الباحث العراقي صلاح الخرسان بأن أمر افتضاح العلاقة الكرديَّة الإسرائيليَّة لدى النظام العراقي السابق، قد تمَّ: “بعد التحاق عدد من كبار المسؤولين في الثورة الكرديَّة والحزب الديمقراطي الكردستاني بالجانب الحكومي (العراقي)، بمن فيهم نجل الملا مصطفى بارزاني، (عبيدالله بارزاني) الذي قال للصحفي المصري محمد حسنين هيكل: إن الإسرائيليين الذين كانوا مرافقين دائميين لأبي، كانوا يتصلون بإسرائيل، بجهاز لاسلكي، بصورة دائمة. ويقومون بأعمال تجسس في العراق” . ينظر: التيارات السياسية في كردستان العراق، ص 160، ويبدو أنه نقل هذا النص من الصحفي الاسرائيلي (شلومو نكديمون). ينظر: الموساد في العراق ودول الجوار، المرجع السابق، ص134.
وفي هذا السياق يذكر المحامي شكيب عقراوي(1938-2017م) عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس جهاز الباراستن الأسبق، ما نصه:” كان صدام حسين وأحمد حسن البكر(= رئيس الجمهورية) ودائرة الامن العامة في بغداد على اطلاع بوجود ممثلين لدائرة المخابرات الإسرائيلية ( الموساد) في مقر البارزاني. وبعد التوقيع على اتفاقية السلام في 11 مارس (= آذار) 1970 فأنهم أطلعوا على هذه المعلومات بعد شهر من هذا التاريخ بواسطة العلاقة السرية التي نشأت بين صدام حسين و( عبيد – عبيدالله) الأبن الأكبر للزعيم الكردي مصطفى البارزاني الذي بدأ في ذلك الوقت بتزويد معلومات حساسة عن هذا الموضوع لقيادة حزب البعث. وفي صيف عام1971 وبعد أن هرب ( عبيد) من لدن أبيه والتجأ الى الحكومة العراقية في بغداد فقد بقيت خلية في بيت البارزاني لإمداد (عبيد) بمثل هذه المعلومات وإرسالها إليه في بغداد. وكان الابن الآخر للبارزاني (صابر) على اتصال مع أخيه (عبيد) لفترة قصيرة من الزمن ثم سحب نفسه من هذا الموضوع في نهاية عام1972. ولكن رغم ذلك فإن المعلومات كانت تصل الى بغداد حول موضوع الموساد وممثليها في مقر البارزاني “. ينظر: شكيب عقراوي، سنوات المحنة في كردستان أهم الحوادث السياسية والعسكرية في كردستان والعراق من 1958 الى 1980، أربيل، مطبعة مناره، الطبعة الاولى، 2007، ص366- 367.