23 ديسمبر، 2024 3:59 ص

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج22

الامير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج22

إن تغيير الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني لممثليه في الخارج، وتحديداً مع إسرائيل، رغم أنه كان متواجداً في مقره الجبلي في عمق كردستان العراق، ينم في اعتقادي عن حصافة وجدارة وقراءة المستقبل، فرغم أن الساسة الاسرائيليون كانوا يشيدون بممثلي الزعيم الكردي، كلاً من كاميران بدرخان وعصمت شريف وانلي، إلا أن القرار قد صدر بإزاحتهم عن الساحة، ويعترف وانلي بأن مرد هذا التغيير في اعتقاده هو محاولته رأب الصدع بين قيادة البارزاني ومنشقي المكتب السياسي، لكن البارزاني رده بشدة وغضب. الموساد في العراق، ص120.
وعند محاولة الباحث الوصول الى حقائق بشأن تمثيل عصمت شريف وانلي لقيادة البارزاني، يلاحظ وجود تناقض بين ما ذكرته المصادر الاسرائيلية، وما ذكره وانلي شخصياً في مذكراته، فالمصادر الاسرائيلية تشير الى أنه اجتمع مع ابراهيم أحمد في طهران عشية توجهه الى إسرائيل، وحصل منه الموافقة. الموساد في العراق، ص117، بينما يشير في مذكراته: أنه لم يخبر ابراهيم احمد ووأعضاء المكتب السياسي المنشقين بسفره الى إسرائيل إلا بعد رجوعه منها، مذكرات عصمت شريف وانلي، ص37؛ وهذا ما يشير الى دقة اختيار البارزاني لممثليه مع الجهات الخارجية.
ومن جانب آخر فإن الموساد كان قد علم بأن مسؤولاً كردياً سرب معلومات لجهة أجنبية حول تواجد ثلاثة ضباط اسرائيليين في كردستان في منتصف عام1966م، وقد دارت الشبهات حول الممثل الكردي السابق (عصمت شريف وانلي) الذي لم يكن يتمتع في تلك الآونة بمكانة رسمية، فقد زار قيادة الحركة الكردية في منطقة حاج عمران على الحدود العراقية – الايرانية في التاسع من آب/ اغسطس عام1966م. وكذلك تحدث مع الإسرائيليين، غير أن البارزاني لم يوافق على الاجتماع به، فقد أمر بتوجيهه الى حبيب محمد كريم سكرتير الحزب والدكتور محمود عثمان عضو المكتب السياسي. وعندما علم البارزاني أن وانلي عاد من حاج عمران الى طهران واجتمع مع إبراهيم أحمد، قال:” جميع المعلومات تصل الى وانلي تصل أيضاً الى العراقيين وطالباني، إن أفضل ما يمكن عمله بهذا الخصوص هو تصفيته”. المرجع السابق، ص181.
غير أن المصدر الإسرائيلي يقول:” والحقيقة، هي أنه لم يكن هناك أية دلائل تؤكد أن وانلي هو الذي سرب السر، بل أنه واصل العمل لصالح التمرد(= الثورة) حتى بعد أن أصبح مجرداً من الوظائف الرسمية”. الموساد في العراق، ص181.
وعلى أية حال فقد أختار البارزاني ممثله في طهران (شمس الدين المفتي) لتمثيله لدى الجانب الاسرائيلي وهو شخصية ينتمي الى أسرة مرموقة من أربيل وهو النجل الاصغر لمحمد المفتي وهو عم السيدعدنان المفتي الرئيس الاسبق لبرلمان كردستان العراق، وهو خريج كلية الحقوق العراقية ومن الثوار الذين التحقوا مبكراً بثورة ايلول، ورغم أن ابراهيم احمد سكرتير البارتي كان قد أرسله الى طهران لتمثيل الحركة الكردية هناك، إلا أنه انحاز الى جانب قيادة البارزاني وبقي وفياً له حتى انهيار الحركة الكردية عام1975م، رغم أنه كان صديقاً مقرباً من جلال الطالباني. ولكنه شكل مع الدكتور محمود عثمان وآخرون ما سمي باللجنة التحضيرية للحزب الديمقراطي الكردستاني، وأصدروا كراساً من (160) صفحة في أوائل كانون الثاني/ يناير عام1977م تحت عنوان (تقييم مسيرة الثورة الكردية وانهيارها والدروس والعبر المستخلصة منها)، انتقدا فيها قيادة البارزاني لاسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن، كما انتقدوا قرار اقامة العلاقات مع إسرائيل؛ واعتبروه خطأً استراتيجياً يضر بالعلاقة مع الامة العربية وقوى التحرر في العالم الثالث. وبشأن العلاقة مع إسرائيل تحديداً يذكر التقرير ما نصه:” وأما موضوع العلاقات مع إسرائيل والدوائر الصهيونية والتي تكونت من خلال الجهات الامبريالية والرجعية وبالرغم من أنها لم تكن موجهة ضد الامة العربية بقدر ما يتعلق بالثورة الكردية، إلا أن كان يجب إدانتها بشكل قاطع وصريح باعتبارها خطيئة كبرى بالنسبة لحركة شعبنا الكردي الوطنية التي تناضل من أجل تحقيق الحكم الذاتي ضمن اطار توثيق وحدة العرب والأكراد الوطنية داخل الجمهورية العراقية، ولأنها أضرت بالغاً بالعلاقات العربية الكردية وبشكل يحتاج الى جهود كبيرة فإزالة آثارها السلبية”. ص98-99.
ويحاول هذا التقرير إدانة العلاقات بين الحركة الكردية وإسرائيل واعتبارها خطأً استراتيجياً من خلال القول:” ومن الواضح لدينا (= الجانب الكردي) ولدى غيرنا أيضاً أن التحدث عن الأخوة العربية الكردية وعن التحالف بين العرب والأكراد وعن الطابع التحرري والتقدمي لحركتنا في المرحلة القادمة لا يعني شيئاً إذا لم يتم الاعتراف بالانحراف وبالخطأ الاستراتيجي المذكورين أعلاه ولم تدان بشكل واضح العلاقات مع إسرائيل والدوائر الصهيونية تلك…”. المرجع السابق، ص99.
والغريب أن الدكتور محمود عثمان عضو المكتب السياسي للبارتي، وشمس الدين المفتي ممثل الحركة الكردية والبارزاني في طهران زاروا إسرائيل بمعية الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني مرتين: الاولى في شهر نيسان/ ابريل عام1968م، والثانية في شهر إيلول/سبتمبر عام 1973م، حيث التقوا مع كبار المسؤولين الإسرائيليين. الموساد في العراق، ص278، ومع ذلك انتقدوه في الكراس المنوه عنه آنفاً، ولعمر الحق هذا تناقض صارخ، لا سيما وأن السيد محمود عثمان انتقد البارزاني في علاقته مع إسرائيل عدة مرات في لقائه مع الاعلام العربي: مجلة الوسط اللبنانية، وصحيفتي الحياة والشرق الاوسط اللندنيتين. وقد انتقدته شخصياً على أسلوبه هذا في حوارٍ جرى بيني وبينه على هامش مؤتمر الاسرة البدرخانية في 22/4/ 2005م في مدينة دهوك، وقلت له شخصياً: إن البارزاني كان قابعاً في الجبال الكردية يناضل من أجل تحقيق أماني قومه، بينما كان الآخرون الذين ينتقدونه؛ يتسكعون في فنادق الدرجة الاولى في عواصم الدول العربية والاوروبية يناضلون من أجل الحقوق الكردية!؟، فيما التزم السيد شمس الدين المفتي الصمت.
وعلى أية حال فقد تطورت العلاقة بين إسرائيل والحركة الكردية، الى العلاقة المباشرة بين الجانبين وجهاً لوجه. واعتباراً من شهر مايو/أيار1965م، حيث وقع اختيار إسرائيل على [ديفيد كمحي، وهو دبلوماسي من إسرائيل ولد في لندن عام1928م، تقلد مناصب قيادية في الموساد اعتبارا من عام1953م، وكان متورطاً بشكل عميق في العديد من المؤامرات الخارجية لإسرائيل، ثم ترقى ليصبح نائب مدير جهاز الموساد، ولعب كمحي دورًا رائدًا في العمليات التي قضت على النشطاء الفلسطينيين الذين قتلوا 11 رياضيًا إسرائيليًا في دورة الألعاب الأولمبية في مدينة ميونيخ الالمانية عام 1972م، وساعد في رعاية العلاقات الإسرائيلية السرية مع الكتائب المسيحية في لبنان. وفي عام 1980م استقال كمحي من الموساد وأصبح المدير العام لوزارة الخارجية، توفي عام 2010م بمرض السرطان]، لإجراء أول اتصال مباشر مع القيادة الكردية، ودخل كمحي من إيران إلى كردستان العراق عن طريق منفذ الحاج عمران والتقى بالبارزاني في معقله الجبلي، حيث يقول بهذا الصدد:” وفي هذا الفصل، التقينا للمرة الاولى، زعيم الاكراد الشهير مصطفى بارزاني، لقد تم اللقاء في كوخ صغير خالٍ إلا من السجاد الثقيل حيث جلس الملا القرفصاء في حضرة الإسرائيليين الذين ظلوا في هذا الوضع ساعات طوال، ناقشنا خلالها المسائل الإقليمية واحتمال نشوء تعاون إسرائيلي كردي… لقد حصل ذلك في شهر أيار 1965م، حيث أرسل الإسرائيليون الى العراق بهدف إجراء اتصالات مع الملا، ولم تكن المهمة سهلة، إذ أن العراقيين لن يسمحوا للإسرائيليين بالتجول داخل أراضيهم”. ينظر: ديفيد كمحي، الخيار الاخير، مكتبة بيسان، بيروت، 1992م، ص237.
وفي معرض كلامه عن العراق وعداوته لاإسرائيل يشير الى أن:” العراق هو البلد الوحيد الذي قاوم نشوء دولة إسرائيل في العام 1948م. ورفض التوقيع على اتفاق الهدنة من أجل إنهاء الحرب مع إسرائيل. ولقد مالت إسرائيل الى الأكراد الذين حملوا السلاح بزعامة الملا بوجه بغداد بعد أن رفض طلبهم بالاستقلال”. وعند تطرقه الى الشكوك التي ساورت الجانبين الإسرائيلي والكردي والتي أمكن التغلب عليها للمصلحة المشتركة، قال كا نصه:” وفي العام 1965 تحولت ثورة الأكراد الى حربٍ حقيقيةٍ أجبرت قسماً كبيراً من الجيش العراقي على التدخل لإزاحة الأكراد من الجبال، فاعتبرت إسرائيل أن وجود حليف لها داخل العراق أمر يتميز بحسنات واضحة بالنسبة الى وجود تهديد لأمن إسرائيل وسرعان ما تبددت شكوك إسرائيل حول ردة فعل الزعيم الكردي على افتراض إجراء أول اتصال منتظم، فالملا فهم وضع إسرائيل، وكذلك الإسرائيليون أدركوا صعوبات الملا… لذا لم يتردد الملا في التعامل مع إسرائيل”. ينظر: ديفيد كمحي، الخيار الاخير، المرجع السابق، ص23.
كما ان الضابط الإسرائيلي رافائيل ايتان [ ولد عام1929م، شارك في حرب عام1956م ضد الجيش المصري، أصبح رئيساً لأركان الجيش الاسرائيلي 1978-1983م، وعضو في الكنيست لعدة دورات، ونائب رئيس الوزراء ووزير، مات غرقاً عام2004م في بحر أشدود على خليج العقبة]، زاركردستان العراق عام 1969م والتقى مع الملا مصطفى البارزاني في مقره أيضاً، حيث يقول بهذا الصدد في مذكراته بعنوان جندي: ” بعد مضي حوالي سنة (= سنة1969م). ذهبت لرؤية حرب أخرى (= حرب حزيران عام1967م)، ومقاتلين آخرين، ووضع مختلف. لقد قدمت إسرائيل مساعدات للثوار الأكراد في حربهم لنيل الاستقلاب في العراق طيلة عدة سنوات. لقد زار زعيم الثورة الكردية الملا مصطفى البارزاني وأولاده إسرائيل ومكثوا فيها ودربوا من قبل الجيس الاسرائيلي. وأرسلت إسرائيل أسلحة للثوار الأكراد. كما أرسلت مدربين عسكريين معظمهم من من المظليين حيث قاموا بتدريب الثوار الأكراد على استخدام الاسلحة الإسرائيلية. أراد البارزاني توسيع نطاق الحرب في العراق وتغيير طابعها: لن تظل مجرد حرب عصابات بل ستتحول الى حرب تتخللها هجمات مكشوفة تقوم بها قواته ضد القوات العراقية”. رفائيل إيتان، مذكرات الجنرال رفائيل إيتان، ترجمة: غازي السعدي، دار الجليل للنشر والدراسات والابحاث الفلسطينية، ص75.
ويستطرد القول حول الغرض من مهمته:” أرسلت لدراسة ظروف المعركة في تلك الجبهة الفريدة من نوعها، سافرت بالطائرة الى طهران. ومن هناك نقلت بطائرة مدنية مدنية باتجاه الغرب الى بلدة حنة (= خاني) على الحدود العراقية – الإيرانية. وفي الليل قطعنا الحدود العراقية ووصلنا الى قيادة البارزاني. كان أول رجل يستقبلني في قيادة البارزاني، يدعى إيتان. كان طبيباً إسرائيلياً يعمل في نطاق البعثة الطبية الإسرائيلية المقيمة في قيادة البارزاني… في الصباح أبلغوني بأن البارزاني يرغب بزيارتي في الخيمة. كانت تلك خطوة فريدة يقوم بها قائد الثوار، استقبلت قائد الثوار على مدخل الخيمة وتعانقنا ثم قدم لي هدية عبارة عن سيف معقوف، قائلاً اني أقدم لك هذه الهدية تقديراً لمساعدتك لنا… أخذت أستعد لتنفيذ الجزء المركزي من مهمتي… في منحدر الطريق باتجاه العمق العراقي تقع بلدة رفاندوز (= قضاء رواندوز) ترابط فيها فرقة عراقية(= لواء عراقي). كان الأكراد يعتزمون مهاجمة قوات الفرقة العراقية لذا كانوا بحاجة الى مشورتي…”. ينظر: رفائيل إيتان، مذكرات الجنرال رفائيل إيتان، ص56 – 75.